اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢٨ كانون الثاني ٢٠٢٥
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، عاش أحمد مهدي في نصف منزل فقط. في تشرين الأول الفائت، أدى غارة جوية إسرائيلية على المبنى المجاور لمنزله في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى تدمير معظم المطبخ وغرفة المعيشة في شقته بالطبقة الخامسة.
أين نذهب بالركام؟
عندما ينظر أحمد إلى ما تبقى من المبنى المجاور، يشعر بالصدمة من حجم الدمار. يقول: «11 طبقة (من المبنى) تحولوا إلى ركام وبقي طبقتان فقط. كل ما تراه هو الحجارة والتراب والحديد وشظايا الحديد».
مثل العديد من اللبنانيين الذين تضررت منازلهم وأعمالهم خلال أكثر من عام من العدوان الإسرائيلي، يتطلع أحمد، البالغ من العمر 20 عامًا، وأسرته إلى بدء الإصلاحات، لكنهم لا يستطيعون فعل الكثير قبل إزالة الأنقاض. وقال: «هذه أكبر مشكلة لدينا: أين نذهب الركام؟».
وفقًا لتقرير من المجلس الوطني للبحوث العلمية، تشير التقديرات الأولية للأضرار إلى تدمير أو تضرر حوالي 3,000 مبنى في منطقة الضاحية الجنوبية.
استشهد أكثر من 3,700 شخص في لبنان خلال الحرب التي اندلعت، وأدت إلى نزوح حوالي 1.3 مليون شخص، وخسارة تقدر بمليارات الدولارات من الاقتصاد، وتدمير مناطق واسعة في جنوب لبنان قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
350 مليون قدم مكعب من الركام
وقالت تمارا الزين، إحدى كاتبات التقرير في «نيويورك تايمز»، إن «التقديرات الأولية أظهرت أن الهجمات الإسرائيلية على المباني والمصانع والطرق والبنية التحتية الأخرى عبر البلاد أنتجت حوالي 350 مليون قدم مكعب من الركام. ولا يمكن البدء في إعادة الإعمار بشكل جوهري حتى يتم تنظيف كل هذا».
من جهته، أشار عصام سرور، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى أن مكبات النفايات في لبنان تعاني بالفعل من صعوبة في التعامل مع النفايات الخطرة. الكثير من هذه النفايات يتم التخلص منها في البيئة دون رقابة.
بعد عدوان 2006، تم التخلص من أنقاض الضاحية الجنوبية، والتي تضمنت ذخائر غير منفجرة وألياف الأسبستوس والنفايات الإلكترونية، بالقرب من الشاطئ بجوار المطار. تحولت هذه المنطقة، المعروفة بـ«مكبّ كوستا برافا»، إلى مكب دائم للنفايات بدون حواجز كافية لحماية البيئة البحرية من المواد الكيميائية السامة المتسربة من الأنقاض.
وأضاف سرور: «مستوى المخاطر في الأنقاض الحالية أسوأ بكثير مما شهدناه في عام 2006. لا يمكننا تجاهل البصمة البيئية للأنقاض كما فعلنا في السابق. إذا لم نُدرك ذلك الآن، سنرى النتائج الكارثية لاحقًا».
خطر الألواح الشمسية
وشهد لبنان في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في استخدام الألواح الشمسية وأنظمة تخزين البطاريات بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء. التخلص غير السليم من هذه المواد قد يؤدي إلى تسرب مواد خطرة مثل الرصاص والزئبق إلى البيئة.
ويُقدر المجلس الوطني للبحوث العلمية أن حوالي 4000 لوح طاقة شمسية في منطقة الضاحية قد تضررت بشكل كبير، مما يُشكل خطرًا كبيرًا إذا لم يتم معالجتها بشكل صحيح.
عندما ينظر أحمد مهدي، طالب الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى الحطام في حيه من شرفة منزله المدمرة، يدرك المخاطر الكامنة تحت القضبان الحديدية والخرسانة المكسرة. لكنه يرى أيضًا فرصة. يقول: «إذا تم تنظيف الحطام وفرزه، يمكن إعادة تدويره واستخدامه في إنشاء البنية التحتية التي نحن بحاجة ماسة إليها، بدلاً من استخراج الرمال والحجارة لإنتاج الخرسانة».
ويضيف: «أنظر إلى الجانب الإيجابي في كل هذا. الحرب كانت مأساة للبنان، لكن هناك فرصًا في هذا الركام».
ومع ذلك، ومع الحاجة الملحة لإعادة الإعمار والوقت الطويل الذي قد يستغرقه فرز الأنقاض لاستخراج المواد القابلة لإعادة التدوير، يخشى أحمد أن يتم التخلص منها ببساطة.
ماذا ستفعل الحكومة؟
تدرس الحكومة توسيع مواقع المكبات مثل كوستا برافا لاستيعاب الركام. لكن أحمد يقول: «يمكننا القيام بذلك بطريقة أفضل للبنان والبيئة. لكن ذلك سيستغرق وقتًا أطول وربما يكلف أكثر. أخشى أن تختار الحكومة الطريق الأسهل».
من جهته، يقول رئيس جمعية صيادي الأسماك في منطقة الجناح والرملة البيضاء، إدريس عتريس، «إن إنشاء مكب كوستا برافا بعد الحرب السابقة كان كارثة للصيادين المحليين. الحياة البحرية دُمّرت ولم تبدأ بالتعافي إلا في السنوات الأخيرة».
في كانون الأول الفائت، خصصت حكومة تصريف الأعمال 25 مليون دولار لتقييم الأضرار وإزالة الأنقاض. لكن الحكومة لم تقدم تفاصيل واضحة، رغم وعودها بأخذ الاعتبارات البيئية في الحسبان.
وصرح وزير البيئة ناصر ياسين أن التعامل مع الركام في بيروت أكثر صعوبة بسبب حجمه الكبير وإمكانية احتوائه على مواد خطرة، بالإضافة إلى نقص المساحات المناسبة بالقرب من المدينة.
من جانبه، قال وزير الأشغال العامة والنقل، علي حمية، إن الحل الوحيد هو التخلص من الركام بجوار كوستا برافا. لكن عتريس حذر من أن ذلك سيهدد الحياة البرية المهددة بالفعل في المنطقة. وقال: «إنها منطقة تعشيش للسلاحف. لن نقبل بذلك».
البحر االأبيض المتوسط مكبّ للنفايات؟
في المقابل، تُحاول جمعيات بيئية، مثل «Terre Liban»، الضغط على الحكومة لاعتماد خيارات أكثر استدامة.
وقال رئيس الجمعية بول أبي راشد أن المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية المتسربة من الأنقاض ستصل مباشرة إلى البحر المتوسط، مما يُسمم ليس فقط المياه اللبنانية، بل أيضًا الأوروبية. وقال: «ليس من المنطقي استخدام البحر المتوسط كمكب للنفايات».
وأضاف أن التخلص من الأنقاض غير المعالجة على الأرض ليس حلاً أيضًا. فالأمطار قد تغسل الملوثات إلى الأنهار والبحيرات اللبنانية، ومنها إلى البحر المتوسط.
ويمكن أن يُسهم إعادة تدوير الأنقاض في تقليل انبعاثات الكربون في لبنان. ووفقًا لحسابات شارلي لاوري، أخصائية الطاقة والبيئة في معهد «بديل»، فإن إعادة بناء ما دُمر خلال الحرب قد ينتج حوالي 14.8 مليون طن من انبعاثات الغازات الدفيئة، معظمها من تصنيع الأسمنت.
إذا تم إعادة تدوير الأنقاض إلى حصى ومواد بناء، فإن ذلك يساعد في تقليل هذه الانبعاثات مع توفير تكاليف إنتاج الخرسانة.
وقالت النائبة نجاة عون صليبا، وهي عضوة لجنة البيئة: «نحتاج إلى التفكير بطريقة مختلفة بشأن الأنقاض. إنها ليست نفايات، بل ثروة» يمكن الإستفادة منها.
إقرأ/ي أيضا: لبنان ما بين حربين 2006 و 2024.. أرقام صادمة لعدد المباني المدمرة وتكلفة الإعمار