اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ١٧ نيسان ٢٠٢٥
يربط عدد من المراقبين التركيز الحاصل على ملف سلاح «حزب الله» بالزيارة الأخيرة التي قامت بها نائبة المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس. فالرسائل التي حملتها في زيارتها الثانية للبنان أوردتها في المقابلتَين التلفزيونيّتَين اللتين أجرتهما. وبطلب من إدارتها تعمّدت تضمين مقابلتها الثانية عبر قناة «العربية - إنكليزي» تعابير قوية لا بل فجّة تجاه «حزب الله»، حيث وصفته بـ»السرطان الذي يجب إستئصاله».
وبعيداً من الجدل الصاخب الذي ساد الساحة السياسية اللبنانية حول ملف سلاح «حزب الله»، إلّا أنّه لا يمكن فصل هذا الملف عن التطوّرات الإقليمية الكبيرة الحاصلة، والمقصود هنا المفاوضات الأميركية - الإيرانية. فعلى المستوى الداخلي اللبناني توّجت مواقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الجدل السائد حيال هذا الملف. لا بل هنالك مَن يرى أنّ مواقف الرئيس والتي سبقت زيارته لقطر، أدّت إلى سحب هذا الملف الحساس من النقاشات الحادة بين مختلف الأفرقاء، وأدّت إلى رفع منسوب التوتر الداخلي ووضعته في إطار المعالجة الرسمية من خلال قصر بعبدا.
رئيس الجمهورية أكّد في كلامه نقطتَين أساسيّتَين: الأولى أنّ «قرار احتكار الدولة اللبنانية للسلاح قد بدأ العمل لتنفيذه، أي أنّه وضع على سكة التطبيق. أمّا النقطة الثانية، فتتعلّق بالأسلوب المُتّبع، والذي يرتكز إلى حوار قائم بين قصر بعبدا و«حزب الله» الذي يبدي كثيراً من المرونة ويَعي مسؤولياته». وذهب عون إلى أبعد من ذلك عندما تحدّث عن استيعاب الجيش لعناصر «حزب الله»، لكن ليس عبر استنساخ تجربة «الحشد الشعبي» العراقي. وبذلك تمسّك عون بأنّ السبيل للوصول إلى حل لملف «حزب الله» هو عبر الحوار وليس القوة كما دعت بعض الأصوات. ذلك أنّ وُلوج جراحة بهذه الدقة تفترض كثيراً من الحسابات المتأنية، خصوصاً لجهة حماية الإستقرار الداخلي لبلد لا يزال في طور النقاهة بعد الحرب الإسرائيلية المدمّرة التي عاشها، وفي وقت يجري إعادة بناء مؤسسات الدولة التي تفكّك العديد منها وتمزّق بعضها الآخر تحت وطأة الفساد وسياسة المحاصصات التي مارستها الطبقة السياسية طوال السنوات الماضية.
لكنّ الحوار الذي باشره رئيس الجمهورية له متفرّعات كثيرة، بدءاً من إلزام إسرائيل بالإنسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية ووقف خروقاتها والتزامها الكامل باتفاق وقف إطلاق النار، ومروراً بملف إعادة الإعمار، وأخيراً وليس آخراً ما يتعلق بالسلاح الموجود لدى مجموعات مختلفة وداخل المخيّمات الفلسطينية (وهو مطلب كانت ذكرته أيضاً أورتاغوس خلال زيارتها)، والوضع الأمني لمسؤولي «حزب الله» وكوادره.
وهو ما يعني أنّ هذا الحوار متشعّب وفي حاجة لنقاش هادئ ومعمّق، ما سيتطلّب بعض الوقت. وهذه الفترة المطلوبة ستسمح بتبيان ما سينتج من المفاوضات بين واشنطن وطهران، والتي ستكون حاسمة وستطاول النفوذ الإقليمي لإيران ومن ضمنه التركيبة العسكرية لـ«حزب الله».
وعلى غرار ما كان حُكِيَ سابقاً، غداة انتخاب عون رئيساً للبلاد، حول وجود مهلة زمنية تمّ تحديدها بستة أشهر لينجز لبنان ملف التركيبة العسكرية لـ«حزب الله»، يتردّد في الأروقة الديبلوماسية أنّ المفاوض الأميركي ستيف ويتكوف نقل عن ترامب للوفد الإيراني وجود مهلة زمنية لإنجاز المفاوضات مع إيران لا تتعدّى الثلاثة أشهر. ووفق ذلك يظهر أنّ انتهاء المهلة المعطاة للبنان تتزامن مع المهلة المعطاة لإيران، أي في حدود تموز المقبل.
في طهران، وخلافاً للأسلوب الذي أتبع خلال مفاوضات إنجاز اتفاق 2015، فإنّ مرشد الثورة السيد علي خامنئي أعطى إشارة واضحة بأنّه يتابع لا بل يُشرف مباشرة على تعرّجات المفاوضات، فيما في المرّة السابقة بقي المرشد بعيداً من الصورة ليقتصر المشهد على الرئيس الإيراني ووزير الخارجية. فتصريح خامنئي أنّ المراحل الأولى من المحادثات سارت بنحو جيد، وداعياً إلى المضي من الآن فصاعداً بدقّة، يمكن تفسيره بأنّه إشارة علنية بإشرافه الشخصي على هذه المفاوضات. وهي نقطة يُضيفها الجناح المتفائل داخل إدارة ترامب على رؤيته لمسار المفاوضات والتي تدفعه إلى الإستنتاج بأنّ ظروف إيران وواقعيّتها السياسية تجعلها ملزمة بالتجاوب مع واشنطن واعتماد الجدّية للتوصّل إلى تفاهمات هي بأمسّ الحاجة إليها. لكنّ الجناح المعروف بانحيازه لإسرائيل باشر بحملة تشكيك داخلية حيال جدّية نيات إيران، وعلى اعتبار أنّها تعمد إلى أسلوب إهدار الوقت وتسويفه عبر إغراق المفاوضات بتفاصيل لا تنتهي بهدف إمرار المرحلة وانتظار ظهور مشكلات داخلية أو دولية أمام ترامب المشاغب، وبالتالي اضطراره إلى وضع ملف إيران جانباً للتفرّغ للمفاجأة التي قد تعترضه. وفيما يُشجّع أنصار الفريق الأول «السلام عبر التفاوض»، يُبدي أنصار التوجّه الثاني، والذي يغلب عليه التوتر في هذه المرحلة، اقتناعه بأنّ التجارب السابقة أظهرت أنّ الحل الوحيد مع إيران هو باعتماد «السلام بالقوة»، وبالتالي عدم إضاعة الوقت.
وإذا كان لأنصار التوجّه الأول تأثيرهم الإقتصادي في وقت تعرّض الاقتصاد الأميركي إلى هزّة عنيفة بسبب سياسة ترامب الحمركية، فإنّ التأثير الأكبر يبقى للفريق الثاني. لذلك، استمر تدفّق القطع البحرية الحربية الأميركية إلى المنطقة وكذلك حركة نقل القنابل الثقيلة. وهي مؤشرات واضحة إلى أنّ الإنتقال من التفاوض إلى الضربة العسكرية يُصبح عملية سريعة في حال الجنوح باتجاهها. ووفق أوساط ديبلوماسية في واشنطن، فإنّه وعلى رغم من الأجواء الإيجابية التي سادت عقب جولة السبت الماضي إلّا أنّ منسوب الشكوك لا يزال مرتفعاً، وهو ما يعني أنّ كل الإحتمالات تبقى واردة مستقبلاً.
ووفق التسريبات، فإنّ الملف الوحيد الذي طُرِح في جولة المفاوضات الأولى يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وتتحدّث التسريبات عن أنّ الجولة التفاوضية الثانية ستبقى محصورة بالملف النووي بغية إنجازه قبل الإنتقال إلى الملف المتعلق بالصواريخ وساحات النفوذ الإقليمية وهو الشق الذي يعني لبنان. وخلال الأيام الماضية عمدت إيران إلى إرسال تسريبات عبر قنوات مختلفة بأنّها لا تستطيع أن تفاوض نيابة عن حلفائها، ولذلك فالأجدر بواشنطن الذهاب مباشرة إليهم، مع الإشارة إلى أنّ أعداء إيران وخصومها الإقليميِّين (إسرائيل وبعض البلدان العربية) يسعون لإحلال قوى معادية لإيران وحلفائها في الساحات المعنية، وأنّ هذا الأمر لن يؤدّي إلى استقرار المنطقة لا بل على العكس. وأعطى هؤلاء سوريا كمثل على ذلك. لكن يبدو أنّ إدارة ترامب ستطلب من إيران أن توقف كافة أشكال دعمها لهذه المجموعات أكانت عسكرية أم مالية أم لوجستية، وأنّ المتبقي يبقى شأناً داخلياً لهذه الدول.
وفي حال ذهبت الأمور في هذا الإتجاه يصبح الحوار القائم في لبنان مع «حزب الله» قابلاً للوصول إلى نتيجة واقعية. ذلك أنّ المال لأي تركيبة عسكرية هو بمثابة الأوكسيجين للإنسان. ومن هنا جاء قرار ضبط الحدود البرية والجوية والبحرية للبنان، وهو ما يترافق أيضاً مع إعادة إخضاع النظام المالي والمصرفي للبنان إلى الرقابة الدولية عبر الإصلاحات المطلوبة، ووقف العمل باقتصاد «الكاش» الذي يُشكّل مدخلاً واسعاً لتهريب الأموال، خصوصاً أنّ الفساد الذي ينهش مؤسسات الدولة يُشكّل حاضنة ممتازة لتنقل المال غير الشرعي.
ووفق تلك الرؤيا يصبح الذهاب الآن إلى حلول صدامية حول ملف التركيبة العسكرية لـ«حزب الله» تهوّراً غير محسوب. فإنضاج الظروف الإقليمية يُعتبر شرطاً أساسياً لإنجاح عملية صعبة ودقيقة كهذه. لكن في المقابل، فإنّ الحكمة تقضي بالشروع بفتح الملف عبر تفاوض هادئ وصعب في الوقت نفسه، طالما أنّ الوقت يسمح بذلك، ولو أنّ هذه المهلة الزمنية ليست مفتوحة وحدودها الصيف المقبل.
وخلال لقائه برئيس مجلس النواب نبيه بري، سأله أحد سفراء المجموعة الخماسية عن رأيه في العلاقة مع الرئيس عون، فأجاب على الفور أنّها ممتازة «والرجل يتعاطى بمسؤولية وحكمة مع شؤون الدولة». عندها قال له السفير إنّ رأيه (أي بري) كان مختلفاً في السابق، وعلى هذا الأساس كان يبني معارضته لوصوله إلى قصر بعبدا. فأجاب بري أنّه بنى موقفه يومها على روايات كثيرة كانت تصله ومعظمها لم يكن صحيحاً على ما ظهر. وختم السفير كلامه قائلاً «إنّ سلوك العماد جوزاف عون أظهر أنّه صاحب قرار إلى جانب مقدار كبير من الحكمة، وهو بعيد كل البعد من الشعبوية والمواقف الغرائزية».