اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
«يا حَجلْ صنين بالعالالي... يا حَجلْ صنين بالجبل»...
من هذه الأغنية التي سكنت الذاكرة، استعاد جبل صنين صوته في بسكنتا، البلدة التي لا تزال تحفظ لحن الأرض، وتفتح قلبها للضيوف كما تفتح شبابيكها للغيم. لم تكن الأغنية مجرد مدخل شعري، بل كانت استهلالا ليوم أرادت فيه بسكنتا أن تقول للعالم: هنا تُروى الحكايات، لا تُختلق.
في مبادرة لافتة نظّمتها بلدية بسكنتا، اجتمع إعلاميون في يوم خصّص لتوثيق جمال البلدة، من خلال الكلمة والصورة، ومن خلال العيش المشترك مع تفاصيلها اليومية. لم يكن الهدف تسويق مشهد، بل كشف وجه حقيقي لبلدة تُشبه ناسها: أصيلة، نقيّة، وعميقة.
مع أولى خطوات الجولة، بدأ الزائر يشعر أن بسكنتا لا تقدَّم كوجهة، بل كقصيدة مفتوحة. ومن القصيدة، كانت المحطة الأولى في مركز الشاعر عبدالله غانم، أحد أبناء البلدة الذين حملوا لبنان في أبياتهم. هناك، كان الحضور أمام كلمات لا تزال تنبض من الجدران، وجذور زرعها الشاعر في التربة والذاكرة على السواء.
ومن الكلمة التي كُتبت على الورق، إلى الكلمة التي كتبت على الصخور وبين الأشجار، «الشخروب»، تواصلت الرحلة نحو ذاك الركن الجبلي المتواضع الذي اختاره ميخائيل نعيمة ملاذا ومقرّا. الوقوف في الشخروب لم يكن زيارة سياحية عابرة، بل لحظة استحضار لذاكرة رجل جعل من بسكنتا نقطة انطلاق نحو فكر لا يزال حاضرا حتى اليوم.
ومن الأدب إلى الأرض، ومن الفكر إلى الثمر، كانت الوجهة التالية هي مهرجان التفاح. وهنا تغيّر الإيقاع، لا لأن المشهد أقل جمالا، بل لأنه أكثر حياة. لم يكن التفاح مجرد ثمرة، بل رمزا لتاريخٍ طويل من الزراعة والمثابرة والصبر. بين البساتين والأكشاك، كان الإعلاميون يتذوّقون التفاح، ويكتشفون طعمه العابق بالتعب والفرح معا.
في بسكنتا، كل زاوية تهمس بشيء من التاريخ، وكل حجر يحمل قصة. فهي البلدة التي أنجبت الأدباء الكبار وحمت زراعة التفاح من الاندثار. واليوم، اختارت أن تروي نفسها بنفسها، من دون تكلّف، ولا تجميل، فقط بصدق المشهد وأمانة التفاصيل.
مع غروب الشمس، لم تُغلق الكاميرات، بل بدا أن الزيارة بدأت لتوّها. لأن بسكنتا لا تُختصر بيوم، بل تُزرع في القلب كما تُزرع الجذور في التربة. وكما الحجل في الأغنية القديمة، كانت العدسات في هذا اليوم سُعاة بريد ينقلون «خبر الحلوين»، ويُعيدون كتابة هوية تشبه الحنين، وتسكن الذاكرة... وتُعاش.