لايف ستايل
موقع كل يوم -فوشيا
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
في كل مرة تحاول فيها السينما المصرية أن تنظر إلى مرآتها، تعود الأسئلة القديمة لتطرح نفسها من جديد: ما الذي يجعل فيلماً 'الأفضل'؟ وهل تكفي المعايير النقدية وحدها لتختصر ربع قرن من الإبداع والبحث والجرأة؟
أسئلة تجددت بقوة عقب إعلان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن نتائج استفتاء 'أفضل 25 فيلماً مصرياً في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين'، الذي جرى بالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (فيبرسي) وجمعية نقاد السينما المصريين.
فبين مؤيد يرى في النتائج محاولة جادة لتوثيق ذاكرة السينما المصرية، ومعترض يراها تمثيلاً ناقصاً للمشهد، نشب نقاش نقدي واسع، أعاد تسليط الضوء على مسيرة الإنتاج السينمائي المحلي خلال العقدين الماضيين.
مشروع توثيقي ضخم ضمن فعاليات مهرجان القاهرة
الاستفتاء، الذي شارك فيه 63 ناقداً مصرياً، تناول 881 فيلماً عُرضت منذ يناير (كانون الثاني) 2001 حتى يوليو (تموز) 2025، ليختار منها المشاركون أبرز 25 عملاً يرونها الأهم والأكثر تأثيراً في تاريخ السينما المصرية المعاصرة.
ومن المنتظر أن يُصدر المهرجان ضمن فعاليات الدورة الـ46 المقبلة كتاباً توثيقياً شاملاً يتضمن نتائج التصويت وتحليلات نقدية معمقة لكل فيلم، إلى جانب تنظيم ندوة حوارية خاصة لمناقشة محتوى الكتاب خلال أيام المهرجان.
ويأتي هذا المشروع ضمن اتفاقية التعاون التي تجمع مهرجان القاهرة و'فيبرسي'، والتي تم الإعلان عنها في الجناح المصري بسوق الأفلام خلال الدورة السابقة من مهرجان كان السينمائي، بهدف توثيق وتحليل مسيرة السينما المصرية خلال ربع القرن الأخير.
خيرية البشلاوي: الأفلام المختارة ليست مثالية.. لكنها الأفضل في سياقها
في تعليقها على الجدل، ترى الناقدة خيرية البشلاوي أن اختيار الأفلام لا يعني بالضرورة أنها أعمال كاملة الأوصاف، لكنها – بحسب قولها – 'الأفضل في سياقها الزمني وفي ظل ظروف الإنتاج السائدة آنذاك'.
وأوضحت البشلاوي لـ'فوشيا' أن العوامل الاقتصادية أثرت بعمق على الصناعة خلال السنوات الأخيرة، مضيفة: الفيلم المهم يحتاج إلى ميزانية كبيرة، لكن لم يعد أحد يغامر برصد موازنات ضخمة لمشروعات فنية نوعية كما كان يحدث في العقود الماضية، وهو ما يفسر تراجع بعض المستويات الإبداعية.
غياب أفلام الأوسكار وأسماء لامعة
على الرغم من الطبيعة الذوقية لأي استفتاء نقدي، فإن ملاحظات عدة وُجهت للقائمة، أبرزها غياب أفلام مثلت مصر في جوائز الأوسكار، وأعمال جماهيرية ونقدية بارزة نالت إعجاب المشاهدين والنقاد على السواء، من بينها: السفارة في العمارة، ولا مؤاخذة، وإسكندرية نيويورك، وبنات وسط البلد
ويرى بعض النقاد أن هذه الأعمال، لو أُدرجت، لكانت منحت القائمة تنوعاً أوسع في الأسلوب والرؤية، وعبّرت بصورة أدق عن تحولات الذائقة الفنية في السينما المصرية خلال العقدين الأخيرين.
فيلم وثائقي وحيد ونقاش حول عدد المشاركين
من بين النقاط التي أثارت التساؤل أيضاً وجود فيلم وثائقي واحد فقط في القائمة هو 'أبو زعبل 89'، مقابل غياب كامل للأفلام الروائية القصيرة، وهو ما اعتبره البعض إخلالاً بتوازن التصنيفات.
كما وُجهت انتقادات إلى العدد المحدود من النقاد المشاركين، إذ رأى البعض أن إشراك نقاد مستقلين ومحترفين من خارج جمعية النقاد المصريين كان سيُكسب القائمة عمقاً وتوازناً أكبر، خاصة في ظل وجود أصوات نقدية مؤثرة لم تُدعَ للمشاركة.
'بحب السيما' في الصدارة.. واستعادة لروح السينما الإنسانية
تُجمع آراء كثيرة على أن تصدُّر فيلم 'بحب السيما' (2004) للقائمة لم يكن مفاجئاً، لما يتمتع به من قيمة فنية وإنسانية عالية، إذ يمثل نموذجاً للفيلم المصري الذي يجمع بين الجرأة الفكرية والطرح الإنساني الراقي، فاستحق تقدير النقاد والجمهور على حد سواء.
وتشير البشلاوي إلى أن الفيلم الفائز 'يعكس مرحلة من الوعي الاجتماعي والثقافي، ويعيد إلى الأذهان توازن السينما المصرية بين الجماليات الفنية والموضوعات الوجودية'، معتبرة أن هذا النوع من الأعمال هو ما يمنح السينما المصرية استمرارية وخصوصية في المشهد العربي.
السينما المصرية.. مرآة مجتمع وتحولات
على الرغم من الجدل، يرى كثير من المراقبين أن هذا الاستفتاء يمثل خطوة توثيقية مهمة لتأمل ما أنجزته السينما المصرية خلال ربع القرن الأخير، وما واجهته من تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية.
فالسينما، كما يؤكد النقاد، ليست مجرد أفلام، بل وثيقة بصرية تعبّر عن الوجدان الجمعي، وتختزن ذاكرة الناس وحكاياتهم، وهو ما يجعل مثل هذه المبادرات النقدية ضرورة للحفاظ على إرث فني يمتد لأكثر من مئة عام.