اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
انتهت أمس مع وداع زياد الرحباني مرحلة انتمت لثقافة مختلفة ولأنماط تفكير سياسية وإنسانية واقتصادية مختلفة. وكأن زياد الرحباني المثقف والفنان والموسيفي وحامل لواء تجربة فنية كاملة، أدرك أن هناك صفحة طويت وبات عليه الرحيل.
.. يقول فيكتور هوغو أن الرحالة الحقيقيون هم من يرحلون من أجل الرحيل.. ويقصد هوغو هنا أن الإقامة في زمن لا يشبه أفكارك هو نوع من الارتحال الذي يسمونه في دوائر الأحوال الشخصية 'الموت'.
بكل حال غادر زياد الرحباني أمس الحدث الثقافي داخل الحياة المستمرة معه ومع غيره، والمستمرة من دونه ومن دون غيره مهما عظم شأنهم؛ ولكن زياد ترك سؤالاً في اثره فيما الأغلبية الغالبة تمضي وهي تجر وراءها الخواء أو بعضهم يجر وراءه الرغبة العامة بعدم تكرار تجربته.. والسؤال الذي طرحه غياب زياد هو عما إذا كان فنه الجديد سيكون له تتمة بعد رحيله؟؟.
الأغلب أن فنه سيصبح يتيماً؛ سيظل حاضراً ولكنه لن يشق له دروباً جديدة!!
لماذا؟.
لأن زياد ولد فنياً وثقافياً في لحظة كانت مثقلة بالرزق وذلك كسنبلة في موسمها؛ يمكن القول أن هذه اللحظة التي مثلها زياد لعقود كانت أثمرت ونجحت وانتصرت ثقافياً وفنياً واجتماعياً بينما هي سياسياً واجتماعياً انهزمت وانكسرت وسحقت!!
لقد هزمها ليس فقط أعداؤها وخصومها، بل أيضاً أبناؤها وقادتها من رواد الصف الأول في التظاهرات الذين قال عنهم الشاعر مظفر النواب 'تكرشوا حتى عادوا بلا رقبة'؛ والذين قال عنهم المواطن البروليتاري أنهم وعدوه بالفجر ولكنهم سرقوا خبزه؛ والذين عندما صار لهم مرتبة الرفيق الأمين العام والوزير والنائب علقوا على صدورهم نياشين الامبراطور، الخ..
أمس أخذ زياد معه مرحلة الحلم والتي تضمنت أيضاً مرحلة خيانة الحلم.. والكثيرون ممن ساروا وراء نعشه كانوا لا يشبهونه وكانوا لا يعرفون عنه إلا أنه 'مشخصاتي'؛ ولم تصل إليهم فكرته عنهم وعن نفسه وعن السياسة والثقافة وعن أبناء الحي المختلط ومدرسة الراهبات ومدرسة المعارف؛ ولا عن فكرته عن 'نزل السرور' و'المرحوم' ولا عن 'اللحظة الثورية' و'اللحظة الانتهازية' وغيرها من صنوف الوصولية.
كنا بحاجة أن يقول كلمة وداع. كنا بحاجة لأن نستمع له ولو لآخر مرة.. لكنه كان ميتاً.. لا يتنفس.. غير قادر حتى الكلام.. كأن شيئاً أبعد من الموت.. كان هذا صمت زياد!!