اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
خاص - ماجد المساعيد - مرة أخرى، يعود ملف مجالس المحافظات واللامركزية في الأردن إلى واجهة النقاش الوطني، لكن هذه المرة من زاوية المراجعة والتقييم، بعد أن تبين أن المشروع الذي انطلق قبل سنوات تحت راية الإصلاح الإداري، قد فقد كثيراً من زخمه وتعرض عملياً للإفراغ من مضمونه.
ففي بداية الأمر، طُرحت فكرة اللامركزية ومجالس المحافظات باعتبارها جزءاً من مشروع إصلاحي يستهدف تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار المحلي، وتخفيف العبء عن البرلمان المركزي، وإعطاء الإدارة المحلية دوراً فاعلاً في التنمية وتحديد الأولويات. بدت الفكرة حينها نبيلة، ورُوّج لها إعلامياً وسياسياً على نطاق واسع، غير أن الواقع العملي أخذ مساراً مختلفاً.
تم تنظيم الانتخابات المحلية، وشُكلت المجالس بصيغ مختلطة من التعيين والانتخاب، غير أن هذه الهيئات سرعان ما واجهت تحديات جوهرية، أبرزها غياب الصلاحيات الفعلية والموارد المالية، إلى جانب تداخل الأدوار والصلاحيات مع البلديات والحكام الإداريين، مما خلق حالة من التنازع والتضارب عطلت العمل وأفقدت المجالس فاعليتها.
الأمر الذي بدا جلياً خلال السنوات الماضية هو أن المشروع، رغم حسن نواياه المعلنة، تحوّل في بعض المناطق إلى وسيلة لصناعة طبقة جديدة من 'الوجهاء المحليين'، الذين استثمروا مواقعهم للضغط على مؤسسات الدولة من أجل الامتيازات، والتقرب من مواقع القرار، بدل التركيز على الخدمة العامة والعمل التنموي.
وقد أظهرت بعض الممارسات أن الديمقراطية المحلية التي بُنيت نظرياً لتحاكي البرلمانات، انحرفت عن مسارها لتتحول إلى جسر نحو المكاسب الشخصية والمناصب، دون أن تُحدث فرقاً ملموساً في مستوى الخدمات أو التنمية المحلية، وهو ما دفع إلى طرح تساؤلات صريحة عن مدى جدوى الاستمرار في هذه التجربة بصيغتها الحالية.
اللافت اليوم أن الحكومة، وبدون صخب، بدأت فعلاً بمراجعة هذا المشروع. فقد اتخذت خطوات لتقليص كلفه، وإعادة النظر في بنيته، تحت شعار ترشيد النفقات، دون أن تواجه أي معارضة حقيقية من الأحزاب أو المواطنين، ودون حتى نقاش وطني أو تشاور عام، ما يعكس ضعف الحاضنة الشعبية لفكرة المجالس المحلية، وربما تشككاً ضمنياً بجدواها.
ولا يمكن إغفال أن مشروع اللامركزية لم يعد أولوية لدى الرأي العام، فالمجتمع الذي طُلب منه قبل سنوات أن يدافع عنه ويراهن عليه، لا يبدو معنياً اليوم بإعادة إحيائه، بل يراقب بصمت كيف يُسحب المشروع تدريجياً من المشهد.
في هذا السياق، يبرز سؤال مشروع: هل سيلقى مشروع التحديث السياسي، الذي تروج له الدولة حالياً، المصير نفسه في المستقبل؟ وهل نحن أمام دورة إصلاح جديدة تُروّج بحماسة، لكنها قد تُسحب لاحقاً بنفس الهدوء؟
غياب المساءلة عن مصير مشروع المجالس المحلية يثير القلق، فالمراجعة تحدث بلا محاسبة أو إعلان للأسباب، وكأن المشروع دفن في صمت، دون أن يُسأل أحد عن أسباب وفاته، أو عن تقصير الحكومات في إنقاذه.
ربما الأهم اليوم هو الاعتراف بأن الديمقراطية لا تُبنى بالشعارات، ولا تُنجز بمراسيم شكلية، بل تحتاج إلى مؤسسات قوية، وبيئة قانونية فاعلة، وثقافة مجتمعية تؤمن بالمشاركة والمساءلة. أما إن بقيت المشاريع الكبرى رهينة لأمزجة الحكومات واجتهادات الأفراد، فستظل كل محاولة إصلاح عرضة للتكرار والفشل.