اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
#سواليف
#البرلمان_الأردني حصن #الإرادة_الوطنية وركيزة النظام السياسي
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
البرلمان الأردني ليس مجرد مؤسسة سياسية أو هيئة تشريعية، بل هو ركن راسخ من أركان الدولة وركيزة لا غنى عنها في بنية النظام السياسي. فالنظام السياسي الأردني نيابي ملكي وراثي، وقد جاء الركن النيابي في طليعة هذا التوصيف قبل الركنين الملكي والوراثي، وهو ما يحمل دلالة عميقة مفادها أن صوت الشعب وإرادته الحرة هما الأساس الذي تُبنى عليه شرعية الحكم وتستمد منه الدولة قوتها. لذلك فإن وجود البرلمان، وقيامه بدوره في التشريع والرقابة، ليس ترفاً سياسياً ولا إجراء شكلياً، بل هو جوهر الحياة الدستورية وضمانة الاستقرار والتوازن بين السلطات.
إن تغييب البرلمان أو تعطيل دوره، أياً كانت المبررات والظروف، لا يمكن النظر إليه على أنه أمر طبيعي أو صحي. فغياب البرلمان يعني غياب الصوت الحر للشعب، ويترك فراغاً مؤسسياً يضعف الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ويعطل الآليات الديمقراطية التي من شأنها صيانة المصلحة العامة وحماية المال العام وضمان خضوع الجميع لسيادة القانون. والأصل أن يبقى البرلمان دائماً حاضراً يمارس صلاحياته كاملة غير منقوصة، لأنه المؤسسة الوحيدة التي تستمد شرعيتها مباشرة من صناديق الاقتراع وإرادة المواطنين.
الأردن اليوم يمر بمرحلة هي الأخطر في تاريخه الحديث، تحيط به حروب دامية وصراعات مشتعلة على حدوده، وتتربص به مخططات التهجير والتوسع التي تهدد كيانه ومستقبله، فضلاً عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة. وفي مثل هذه الظروف العصيبة لا مجال للمغامرة بتغييب مؤسسة دستورية تمثل صمام أمان داخلي وحائط صد سياسي، بل المطلوب أن يكون البرلمان في أوج حضوره، يمارس التشريع والرقابة والمساءلة، ويعبر عن ضمير الشعب وتطلعاته، ويوجه بوصلة القرار الوطني نحو خدمة البلاد والعباد.
إن التجارب التاريخية تؤكد أن قوة الدول لا تقاس فقط بقدراتها العسكرية أو مواردها الاقتصادية، بل بمدى رسوخ مؤسساتها الدستورية وفاعليتها. والبرلمان الأردني كان على الدوام مدرسة وطنية لتخريج القيادات وتدريب الأجيال على الممارسة السياسية المسؤولة. صحيح أن الأداء النيابي شابه في بعض المراحل ضعف أو تقصير أو انغماس في مناكفات وصفقات جانبية، إلا أن هذا لا يلغي الحقيقة الثابتة بأن البرلمان هو التعبير الأرقى عن المشاركة الشعبية والوسيلة الوحيدة لتصحيح الاختلالات عبر الإرادة الحرة للناخبين. ومن الخطأ أن نحكم على مؤسسة تشريعية بكاملها من خلال سلوكيات بعض الأفراد أو أداء بعض المجالس، فالإصلاح يتم من الداخل عبر تجديد الدماء وتطوير الأدوات، لا عبر الإقصاء أو التهميش.
الأمل معقود على أن يشهد البرلمان في دورته القادمة مرحلة جديدة عنوانها الإنجاز لا المماحكة، والمصلحة العامة لا المصالح الضيقة، والعمل الجاد لا المساومات الخفية. مرحلة يتقدم فيها إلى موقع القيادة رجل دولة بوجه جديد ورؤية مختلفة، يحمل هموم الناس بصدق، ويعيد الاعتبار لدور البرلمان التشريعي والرقابي، ويجعل من قبة البرلمان منبراً للوحدة الوطنية وحماية الدولة، لا ساحة للصراع والتجاذب. لقد آن الأوان أن يتجاوز العمل النيابي إرث المناكفات وأن يتوجه بكليته إلى ما ينفع الناس ويخدم الوطن، فالمسؤولية جسيمة والتحديات كبيرة.
إن البرلمان ليس مؤسسة عابرة يمكن الاستغناء عنها، بل هو رمز من رموز الدولة الأردنية الحديثة، وغيابه أو تهميشه إضعاف لبنيان الدولة نفسها. في حضوره تنتعش الديمقراطية، وتُصان الحقوق، ويعلو صوت القانون. وفي غيابه يتراجع دور الشعب ويتقلص حضور الإرادة العامة، وتُترك الساحة لمراكز القوى ولغة الصفقات. ولذلك فإن الدفاع عن البرلمان هو دفاع عن الأردن وعن النظام السياسي ذاته، لأنه الركن الأول الذي به يكتمل العقد السياسي، عقد يقوم على التوازن بين الشرعية الشعبية والشرعية الملكية والوراثية.
الأردن اليوم بحاجة ماسة إلى برلمان قوي وفاعل، يحمي الوطن من المخاطر، ويجسد إرادة الشعب، ويمارس صلاحياته بلا تردد، ويكون شريكاً حقيقياً في صياغة المستقبل. إن مسؤولية البرلمان ليست في أن يكون شاهداً على الأحداث، بل صانعاً للقرار الوطني ومعبراً عن الضمير الجمعي، وأي إضعاف لدوره هو إضعاف للأردن كله.