اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
صليت مرتين في يوم واحد الاولى ليموت خالد والثانية ليحيا 2/2
جانتي نورالدين ابزاخ
يستكمل روايتها جانتي نورالدين ابزاخ ...
( لم اجد تعبيرا افضل من جملة داني ياتوم مدير الموساد الاسبق عنوانا لحادثة اغتيال خالد مشعل في قلب عمان ، حرصت ان تكون الحكاية ممتعة وشيقة ، ولكن ان استفزت عقل عالق في قالب ، فلا اتحمل مسؤولية نزوات العقول وما توسوس به ...)
في منزل عضو المكتب السياسي لحماس محمد نزال و بعيدا عن الاعلام ، بدأت اعراض مرضية غريبةتظهرعلى خالد مشعل ، شعوربالنعاس واعياء عام وعدم اتزان وخلل في الادراك وشحوب في الوجه ، فقرراعضاء المكتب نقله الى المستشفى الاسلامي في العبدلي التابع لجماعة الاخوان المسلمين ، ليبقى تحت مراى من اعينهم ... فاصرار الحكومة على الانكار و النفي امر لا يبعث على الاطمئنان .
بطولة من نوع اخر
مساء الخامس والعشرين من سبتمبر امر الحسين بنقل مشعل من المستشفى الاسلامي الى المدينة الطبية ، توجست خيفة حماس من هذا النقل فربما يراد منه اخفاء الحقيقة والتستر على الاغتيال ، خاصة ان الحكومة مصرة على الانكار ، والاعلام ينفي بثبات ،ليتبين لحماس فيما بعد انهم كانوا مخطئين في هواجسهم ، وكانت المدينة الطبية خيار الحسين من اجل ان يحصل خالد على مزيد من الرعاية الطبية والاهتمام ، وهذا ما صرح به محمد نزال فيما بعد .
اتفقت حركة حماس - من خلال الدكتور موسى ابو مرزوق - مع مدير المخابرات سميح بطيخي السماح لاعضائها مرافقة مشعل في المدينة الطبية ، وعدم تقييد الزيارة ، واطلاع المكتب السياسي على التقارير الطبية وتطورات حالة مشعل الصحية . وكان لهم ما ارادوا .
مع حلول سواد اليوم تدهورت حالة مشعل ...
في المدينة الطبية ، بدأت بطولة حقيقية ولكن من نوع اخر قادها ثلاثة من كبار اطباء القوات المسلحة ، الدكتور يوسف القسوس مدير الخدمات الطبية الملكية ، الدكتور بسام العكشا اخصائي القلب ، والدكتور سامي ربابعة اخصائي التخدير .
بعد اجراء الفحوصات الطبية الدقيقة توصل فريق الاطباء الى ان خالد تعرضلمادة كيميائية تعمل على تعطيل مراكز التنفس اللاارادي في الدماغ ، وتبدا اعراضها بظهور تعب شديد ونعاس وكأنه يمر في صحوة الانعاش ما بعد التخدير .
تأكد لهم ان نام مشعل فتلك ستكون نهايته ... ( نعاس ، نوم ، فموت ...)
عمل الاطباء على ابقائه مستيقظا ما استطاعوا الى ذلك سبيلا من خلال الهائه والحديث معه باستمرار ، ولكن كان لطبيب التخدير سامي ربابعة رأي اخر سيريح مشعل وينقذه .قرر ربابعة وضع مشعل على جهاز التنفس الصناعي لابقائه نائما وحيا ، وبهذا الاجراء الطبي يتمكن الجسم من التخلص من المادة السامة من خلال الكلى والكبد .
فلم يكن ابطال الخدمات الطبية بحاجة الترياق ، ولكن ان حصلوا عليه فلا بأس فسيعمل على سرعةتحفيز مراكز التنفس اللاارادي في الدماغ .
( يقوم ضباط وضباط صف الخدمات الطبية الان بعمليات بطولية في غزة تحت القصف ولكن لم نقرأ او نشاهد قصصا اخبارية رصينة حول تلك البطولات بما يستحق هؤلاء الابطال ، ولم نرى تكريما حكوميا لهم !!! ) .
في الاثناء مكث ' ميشكا بن دافيد' رئيس قسم الاستخبارات وجمع المعلومات في ادارة عمليات الموساد والطبيبة ( بلاتينيوم اسمها العملياتي ) المرافقة لفرقة الاغتيال ... في فندق الاردن ، وكان بحوزتهما الترياق الذي احضروه معهم لاستخدامه في حال تعرض احد اعضاء الفرقة للسم بسبب الرياح اوتحسبا لاي اصابة به اثناء تنفيذ عملية الاغتيال .
قرر ' بن دافيد ' التخلص من الترياق بعد القاء القبض على العميليين حيث ان ضبطه من قبل الامن الاردني يعتبر بينة قاطعة على الجريمة ، ولكن قبل قيامه بذلك تفاجأ باتصال من قائد وحدة قيساريا يطلب منه تسليم الترياق لضابط مخابرات اردني ينتظره في بهو الفندق .
سلم ' بن دافيد ' الترياق للضابط ( يذكرشلايم في كتابه انه برتبة نقيب ) وعرضت الطبيبة ( بلاتينيوم ) التي رافقت الضابط الى المدينة الطبية حقن خالد ، ولكن لم يرق ذلك للمخابرات الاردنية و الاطباء ... ببساطة لان الموساد جهاز لا يثق به .
وعلق ' مشكا ' على ذلك الموقف بقوله ... ' كنت اعمل على انقاذ نفس الرجل الذي وضعته قبل ساعات على اول الطريق الى العالم الاخر ' .
في شهادة الدكتور يوسف القسوس قال ' انهم تسلموا الترياق من الاسرائيليين ، وكتب على العبوة ( ادرينالين ) ولكن بعد تحليل المادة في مختبرات الامن العام تبين انها غير ذلك ' .
اما الصحفي رونين بيرغمان في كتابه ( انهض واقتل اولا ) ... ' قال ان قمة الدراما في عملية اغتيال مشعل كانت بلقاء الطبية (بلاتينيوم ) بالطبيب ربابعة في المدينة الطبية ، حيث قالت عيون ربابعة مالم يقال ، واختصرت نظراته القصة باكملها .
العملية سايروس
وصل اعضاء فرقة الاغتيال ( وحدة الحرية ) يوم التاسع عشر من سبتمبر من تورنتو وامستردام وباريس الى عمان ، واتخذت الفرقة من فندق الاردن كونتيننتال مقراعملياتيا لها ، حيث اقام ' بن دافيد' والطبيبة بلاتينيوم في الفندق تحت غطاء زوجين، بينما توزع اعضاء فرقة الاغتيال الاخرين في شقق استؤجرت خصيصا للعملية .
بدأ تفكير نتنياهو باغتيال قادة حماس بعد تنفيذ الحركة عملية انتحارية مزدوجة في سوق مزدحم بالقدس اوقع عدد كبير من القتلى والجرحى ، واوكل الامر الى مجمع الاستخبارات في تل ابيب بتوجيه ضربة الى قادة حماس في الخارج ، وكان المرشح الاول للتصفية الدكتور موسى ابو مرزوق ، ولكن بعد دراسة واقع الهدف تم استبداله بخالد مشعل كون الاول يحمل الجنسية الامريكية .
قال (افي شلايم ) ... ' ان رئيس محطة الموساد في عمان اعترض على تصفية مشعل في عمان خوفا من تضرر العلاقات مع الاردن ، ولكن نتنياهو اصر على العملية ' .
امر نتنياهو الموساد بتصفية مشعل في عمان وقال لهم ... ' اقتلوه بصمت ' .
سافرت فرقة التصفية من وحدة كيدون الى عمان لجمع المعلومات من الصفر، حيث لم تكن الساحة الاردنية متاحة امام عمليات الموساد بامر من اسحق رابين ، الذي اصدر تعليماته بوقت سابق بعدم ممارسة الموساد اي نشاط استخباري على الاراضي الاردنية .
جمعت الفرقة المعلومات بوقت قياسي وبسرعة فكان من اليسيرعليهم معرفة مكان اقامة مشعل وعمله ومسيره الروتيني اليومي ومن يرافقه ... قيل فيما بعد من ان الاسباب العملياتية التي ادت الى كشف العمليةوالقاء القبض على العميلين ... عدم مرافقة وحدة الهاء وتشتيت الى جانب وحدة التصفية ، وكذلك اغفال احتمال ان يصطحب خالد مشعل اولاده معه ، وهذا ما كان يوم التنفيذ حيث كانوا يجلسون في الكرسي الخلفي من السيارة ولم يتنبه لهم العميلين .
اما في تل ابيب فقد شرع الموساد برئاسة رئيسه داني ياتوم بالبحث عن وسيلة صامتة لتصفية مشعل ، اقترح ' ميشكا ' توجيه رصاصة قاتلة بواسطة قناص من المجمع المقابل لمركز الشامية حيث مكتب مشعل في شارع وصفي التل ، لم ترق الطريقة لياتوم وفضل طريقة مبتكرة وغير تقليدية لارضاء سيده .
اخيرا اقترح احد الاطباء في وحدة الكيمياء الحيوية بالموساد الى تصفية مشعل بواسطة حقنه بجرعة مكثفة في الاذن بمادة مخدرة شديدة السمية من عائلة ( الفيتانيل ) باستخدام جهاز التراساوند ، فلا يترك الجهاز اثر حقن في جسد الضحية ، ولايمكن الكشف عن المادة السامة بتشريح الجثة .
واتفق على حقنه في الاذن ليتسنى للسم القاتل ان يتسلل بشكل بطيء الى الدم ، مما يتيح للضحية متسعا من الوقت للابتعاد عن مسرح العملية فيموت بصمت وهدوء ووداعة ، تماما كما اراد نتنياهو .
( لو حقنت المادة في الجلد مباشرة ستموت الضحية بسرعة وفي مسرح العمليه وهذا لم يرده الموساد ) .
تدربت فرقة الموت في شوارع تل ابيب على العملية ... يقوم مقاتلان من فريق الاغتيال كيدون بالاقتراب من سيارة عشوائيين، يقوم الاول بخضخضة زجاجة كولا ونضحها في وجه الهدف ، اما الثاني يوجه الجهاز نحو اذنه ويحقنه بالسم ، فيقومان بعد ذلك بالاعتذار من الهدف ويعرضان عليه باسلوب لطيف تعويضا كارسال الملابس الى المصبغة وتنظيفها... تمت محاكاة العملية عشرات المرات حتى وصلت الى الاتقان .
انطلقت فرقة الاغتيال الى عمان لتنفيذ العملية التي حملت الرمز ' سايروس ' ، متفقين على اشارات فيما بينهم والابتعاد تماما عن استخدام اي اجهزة اتصالات الا في الحالات الطارئة ... وكان ما كان .
عندما تلاشى نتنياهو
في الوقت الذي كان خالد مشعل في المدينة الطبية ، بدأت صفقة لانقاذ حياته بالتزامن مع حصار السفارة الاسرائيلية واعلان منتصف الليل لاقتحامها ، وكل ذلك تم بسرية تامة و دون علم حماس .
بعد لقاء ياتوم بالملك حسين التقى علي شكري السفير عوديد عيران وابلغهبمطالب الحسين ، وافق نتنياهو على تزويد الاردن بالترياق ورفض الافصاح عن المادة باعتبارها ثروة وطنية ، وكذلك تسليم الجهاز ( اداة الاغتيال ).
(قبل انتهاء المدة التي حددها الحسين لاقتحام السفارة وقبيل منتصف الليل بقليل اتصل كلينتون بالملك واكد له ان نتنياهو سيزود السلطات الاردنية بالترياق).
لقد اعتبر الملك حسين ما حدث على ارض عاصمته خيانة لوطنه وطعنة شخصية له من قبل نتنياهو وياتوم ، فقبل ايام من العملية عقد اجتماع امني اعتيادي بين الجانبين الاردني والاسرائيلي بعمان في اطار التعاون الامني الذي نصت عليه معاهدة وادي عربة ، وفوق ذلك كان ياتوم قد امضى بمعية اسرته عطلة نهاية الاسبوع الذي سبق العملية في مدينة العقبة باستضافة من الملك.
قدم الملك خلال الاجتماع المذكور عرضا لاسرائيل بمقترح هدنة الثلاثين عاما بين اسرائيل وحماس ، وطلب نقل العرض الى نتنياهو ، ولكن الاخير قال انه تلقى العرض بعد تنفيذ العملية ولم علم بامره لاوقف العملية ، كعادته يكذب و يكذب ويكذب ، فأكد رجل الموساد ديفيد سيلبرغ انه وضع العرض على مكتب نتنياهو قبل تنفيذ الاغتيال بثلاثة ايام .
قال آفي شلايم في كتابه ( اسد الاردن ) ... ' ان الاستنتاج الذي وصل اليه الحسين انذاك ... ان اسرائيل تعتبر السلام مع الاردن غير مهم ، ومع الفلسطينيين اقل اهمية ' .
لم تكن تلك الطعنة الاولى لنتياهو للحسين ، فعشية الانتخابات الرئاسية التي اوصلت نتنياهو الى السلطة في ايار 1996، دعاه الحسين لزيارة عمان دون خصمه شمعون بيريز ، وفي 25 سبتمبر 1996 ، افتتحت حكومة نتياهو النفق الغربي تحت المسجد الاقصى بعد محاوليتن فاشلتين عامي ( 1986 و 1994) .
واشتعلت حينها ما سميت بهبة النفق التي جاءت بين انتفاضتين .
غضب الملك غضبا شديدا فاعتبر ان ما قام به نتنياهو يعتبر ضربا لمعاهدة السلام بعرض الحائط وانتهاك للدور الخاص للاردن في رعاية الاماكن المقدسة ، وكان الحسين قبل افتتاح النفق بايام قد التقى دورغولد احد مساعدي نتنياهو ولم يحدثه عن النفق .
لخص الملك عبدالله الثاني بعد ذلك بسنوات طويلة في كتابه (الفرصة الاخيرة ) ... بقوله ' غالبا ما يمارس الاسرائيليون عادة مشبوهة اكانت مقصودة ام لم تكن، وهي ان يبرمجوا اجتماعات دبلوماسية رفيعة المستوى مع مسؤولين اخرين قبيل قيامهم بعمليات مثيرة للاستنكار'.
حديث الملك كان بمناسبة لقاء سري جمعه مع شارون في مزرعة الاخير لبحث انسحاب اسرائيل من الضفة وغزة ، ولكن الصحافة الاسرائيلية اخرجت الاجتماع الى العلن ، وبعدها بأيام اقدمت على اغتيال الشيخ احمد ياسين .
( اتوجه بالنصح الى من يجلسون في مكاتب ادارة المؤسسات الاعلامية ضرورة قراءة كتاب الملك ، سيساعدهم ذلك كثيرا بفهم فكر الملك ونظرته لمختلف الامور المحلية والاقليمية والدولية ، للمبادرة بصياغة رسائل اعلامية مدروسة تخدم مصالح الدولة العليا وتعزز مواقفها السياسية ، وتقي الاردن الهجمات الاعلامية الشرسة ).
( في الدول التي تقدر اهمية الاعلام يرافق السياسيون الكبار صحفيون يسرودن بطريقة ادبية وهذه الطريقة اكثر اقناعا وتصل الى الجمهور بسرعة ، فلا يجب الاعتماد فقط على قالب الهرم المقلوب المهترئ ، وحتى في المؤسسات الاعلامية لا يتواجد مثل هؤلاء للاسف ) .
استيقظ خالد مشعل بعد يومين من محاولة اغتياله ، ولم تكن حركة حماس تعلم حتى ذلك الوقت ما يحدث من معارك دبلوماسية وامنية يقودها الحسين شخصيا لاستعادة حياة رئيس مكتبها السياسي .
اراد نتنياهو للعملية ان تتم بصمت ولكن تصريف الاقدار جعل العملية صاخبة و الحدث العالمي الابرز، فاصبحت عمان محور العالم لعدة ايام ليضيف الحسين الى رصيده ورصيد المملكة مكانة فوق مكانتها ، ولم تتوقف المعركة الدبلوماسية الامنية باستعادة خالد ، فاسرائيل تريد العميلين المعتقلين لدى المخابرات الاردنية بأي ثمن ، والذي هدد الحسين باعدامهما ، وهنا بيدأ فصل مثير اخر من عملية اغتيال مشعل وهزاتها الارتدادية ، التي فاقت العملية نفسها قوة .
دبلوماسية المروحيات
مساء يوم الاحد 28 سبتمبر حط في عمان وفد اسرائيلي رفيع المستوى برئاسة نتنياهو لمقابلة الحسين ، وضم الوفد اسحق مردخاي وزير الدفاع ، وارئيل شارون وزير البنى التحتية ، والياكيم روبنشتاين النائب العام ، ومجلي وهبة مستشار شارون للشؤون العربية ، اضافة الى افرايم هاليفي الذي كان سفيرا لدى الاتحاد الاوروبي واستدعته حكومة نتنياهو للحضور لعلاقته الشخصية مع الحسين .
رفض الحسين مقابلة نتنياهو فلم يطق النظر بوجهه ، واوكل المهمة الى الامير حسن وسميح بطيخي وعلي شكري ... كانت مهمة الوفد اعادة العملاء الى اسرائيل مهما بلغ الثمن ، واقترح هاليفي للسيطرة على الازمة التي تصاعدت دوليا تحرير الشيخ احمد ياسين مقابل تسليم العميلين ، ولكن الجانب الاردني اراد ما هو اكثر فوافقت اسرائيل على تحرير الشيخ ياسين المحكوم بمؤبد اضافة الى 17 عاما فوق المؤبد ، الى جانب تحرير 50 اسيرا فلسطينيا و23 اسيرا اردنيا من معتقلاتها .
( ادعى مستشارعرفات بسام ابو شريف لاحقا ان ياسرعرفات وخلال اتصال هاتفي اجراه مع الحسين من صنعاء هو من اقترح تحرير الشيخ ياسين ، ولكن هذه الرواية الضعيفة لم ترد الا على لسان ابو شريف وشخصيا استبعد صحتها ) .
ابعد رئيس الوزراء الاسرائيلي ومكتبه عن الصفقة بطلب من الحسين ، فلا يمكن من كان سبب المشكلة ان يكون الحل ، واوكل الامر الى شارون لاتمامها الذي رحب بذلك فنتنياهو منافسه الحزبي ، ولعب مجلي وهبة دورا كبيرا في المساعي بين الجانبين الاردني والاسرائيلي ، وتم اتمام الصفقة ... الافراج عن العميلين مقابل اطلااق سراحالشيخ ياسين وبقية الاسرى المتفق عليهم .
ادار الحسين بحنكته الازمة ، قام الاردن بتصعيد الازمة ولوح بانهاء المعاهدة واعدام العملاء ، كما كسب الموقف الامريكي الى جانب الاردن منذ البداية ، فحصل على الدعم والتأييد ، فاحكم السيطرة على تفاصيل الموقف واداره بما يرضي جميع الاطراف.
( كان الحسين قد ابلغ الرئيس كلنتون ان لم يستجب نتنياهو لطلبه سيخرج عبر شاشات التلفزيون ويعلن امام العالم موت معاهدة السلام بين الاردن واسرائيل ).
بعد خمسة ايام من محاولة اغتيال مشعل ، وفي ليلة الثلاثين من سبتمبر حطت المروحية التي تقل الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس على مهبط المروحيات في مدينة الحسين الطبية واستقبله الحسين من داخل المروحية .
وسجل التاريخ ان اول صفقة تبادل للاسرى تمت بين حماس واسرائيل قادتها المملكة الاردنية الهاشمية المشكوك الان بمواقفها بسبب اعلام هزيل ، عاجز ومهزوز ، منفصل عن التاريخ ومنعزل عن الواقع .
اصبحت مدينة الحسين الطبية محط انظار وكالات الانباء والتلفزة وقدم ياسر عرفات وشخصيات كثيرة للسلام على الشيخ ياسين ، و كانت المرة الاولى الذي يلتقي فيها الشيخ ياسين بقيادات حماس في الخارج ، اللقاء الذي كان له دلالات كثيرة وفتح افاق كبيرة لقيادات حماس في الخارج .
كان خوف الشيخ ياسين وصوله الى الاردن يعني ابعاده الى خارج غزة ، ولكن بدد الحسين تلك المخاوف بقوله ' مرتاح لوصول الشيخ الى وطنه الثاني ، وهو الان يلقى كل الرعاية التي يستحقها ... هو في وطنه ويقررعندما يشاء العودة الى ديرته ' .
قبيل مغادرته الى غزة وخلال مؤتمر صحفي للشيخ ياسين بدأ هدير المروحيات يسمع في الافق فوق دائرة المخابرات العامة الملاصقة لمدينة الحسين الطبية ،لتكشف الوكالة الفرنسية للانباء عن بنود الصفقة السرية .
لاحظت رندة حبيب خلال حضورها المؤتمر حركة المروحيات ، فاتصلت مع عدد من المسؤولين للاستفسار فتهرب الجميع من الاجابة ، وعند اتصالها بفايز طراونة وسؤالها ان كان سيتم اطلاق سراح العميلين فهمت من طريقة اجابته ان ذلك سيحدث ، وحين استفسرت عن تأخير سفر احمد ياسين الى غزة وهل ذلك مرتبط بتسليم العميلين ، اخبرها طراونةان المروحيات ستحلقان في السماء بنفس التوقيت .
اطلق على صفقة التبادل (دبلوماسية المروحيات ) كما ذكر ذلك مستشار الملك اللواء علي شكري .
غادر الشيخ الى غزة يوم السادس من اكتوبر ... ( بعدها بفترة خرج من غزة الى قطرلاستكمال العلاج كما زار عدة عواصم عربية ، واجرىاللقاء الشهير الممتد على عدة حلقات وساعات مع الاعلامي احمد منصور حيث ادلى بشهادته على العصر ، واللقاء يعتبر الوثيقة التاريخية الوحيدة التي سجلت مسيرة حماس منذ البداية على لسان مؤسسها والمرجعية الاولى لكل دارس وباحث ) .
شهادة الشيخ ياسين ما كانت لتروى على لسانه والتاريخ لم يكن ليكتب لولا ادارة الاردن للازمة التي نجمت عن فشل عملية ' سايروس ' الموسادية بعمان .
انهت الصحفية حبيب ما بدأته صحفيا ...
هذه الاعمال لا نعتبرها الا صفعة لنا جميعا ، ورددت
عملية ' سايروس' الفاشلة احيت قائدين لحماس مشعل وياسين ، و بدلا من قتل مشعل كرسته زعيما لحماس حتى اليوم ، واعادت الشيخ احمد ياسين الاب الروحي لحماس لقيادة الحركة ليشعل بعد بسنوات انتفاضة الاقصى ( الانتفاضة الفلسطينية الثانية ) .
تسببت العملية التي ارادها نتنياهو صامتة بازمة داخلية في اسرائيل فخسر الانتخابات واعتزل حتى عودته عام 1999 ، كما اقيل داني ياتوم من الموساد وتسلم' افرايم هاليفي' ادارة الموساد بعد دوره الكبير في الصفقة ، كما تسببت العملية بازمة دبلوماسية بين كندا واسرائيل ، اما الاردن فحقق بحنكة الحسين ورجاله وحسن اداراة الازمة مكاسب كثيرة .
تم ابعاد قادة حماس من الاردن بعد الازمة بسنوات قليلة ، القرار الذي يثير الجدل حتى اليوم .
اقوال عن العملية
مشعل ... محطة فاصلة في تاريخ حركة حماس ، على يد حماس تهشم جزء من صورة الموساد ، وتحولت محاولة ارادها نتنياهو وياتوم هادئة الى صاخبة ، واظهرت ان الموساد ليس اسطورة وان رجلا واحدا افسد العملية ، لاحقا باسترجاع القراءة فان الافراج عن الشيخ سيعتبرعلامة فارقة في مسار الحركة .
محمد نزال ... استطاع الملك حسين ان يتعامل بدهاء وذكاء وحنكة مع الحادثة ، واستطاع ان يجير الخطيئة الاسرائيلية لمصلحة الاردن فحقق الاردن مكاسب كبيرة .
بوول ماغو ( مؤلف كتاب اقتل خالد ) ... كان الحسين بطلا حقيقيا ، دافع الحسين عن نفسه ووطنه ، وقام بدور سياسي معقد وعقد صفقة ارضت جميع الاطراف .
رونين بيرغمان ( صحفي اسرائيلي ) ...كرست العملية الفاشلة زعامة خالد مشعل لحركة حماس .
احمد منصور ( اعلامي ) ... عملية فاصلة غيرت تاريخ القضية الفلسطينية ، لقد كان الحسين سياسيا محنكا .
داني ياتوم .... اتحمل مسؤولية فشل العملية ولكن النجاح الوحيد الذي حققناه ان حماس عرفت اننا سنطاردهم اينما كانوا ، لن ينعموا بالراحة ، لا يوجد ملاذ آمن لاي ارهابي ، ولن يتمتعوا بالحصانة وستتم ملاحقتهم حتى تصفيتهم .
اما الحسين فاوجز وابلغ ، وكأنني اسمعها بصوته يقول ' تعرض احد ابناءنا لمحاولة اثمة استهدفت حياته ، وعولج الامر بما استحق ' ... ' هذه الاعمال لا نعتبرها الا صفعة لنا جميعا ، ورددت ' .
ذهب ابطال القصة كل في طريقه ، فمنهم من رحل ومنهم ما يزال حيا ، ولكن يبقى ما حدث في عمان يوم الخامس والعشرين من سبتمبر عام 1997 وما بعده ملك للاجيال لاعادة قراءته كل بمفردات عصره .
اخيرا ... اتساءل هل انهى الدكتور مشكا بن دافيد رواية ( الحارس في حقل الشوفان ) للكاتب الأمريكي جيروم سالينجرالتي كان يقرأها بجانب حوض السباحة في فندق الاردن عند ابلاغه بفشل العملية ظهيرة يوم 25 سبتمبر ؟!
المراجع :
برامج وثائقية ( الجزيرة )
لقاء مع ميشكا بن دافيد ،فضائية اي 24
ياسر ابو هلالة ( اقتلوه بصمت) ، فلم وثائقي ،الجزيرة
وثائقيات الجزيرة
احمد منصور ، شاهد على العصر ، الجزيرة
حميدعبدالله ، لقاء مع سمير مطاوع ، برنامج شهادات خاصة
بول ماغو ، اقتل خالد ، كتاب
آفي شلايم ، اسد الاردن ، كتاب
رونين بيرغمان ، انهض ... اقتل اولا، كتاب
ميشكا بن دافيد ، دويتو في بيروت ، رواية
اخبار في مواقع الكترونية
داني ياتوم متاهة القوة - سيرة
افرايم هاليفي - رجل الظلال - سيرة
فرصتنا الاخيرة ، الملك عبدالله الثاني - سيرة
كان العملاء قد تلقوا تدريبات مكثفة ومحاكاة عملية التنفيذ في شوارع ، كانوا يختارون مارة بشكل عشوائي ويرشونهم بالمادة السمية ، بحيث يقترب عميلان من الهدف ويقوم احدهم برشه بالسم والاخر بكوكا كلا من زجاجة يحملها لاخفاء الشعور الرطب الذي ستشعر به الضحية ، ثم يعتذران منه .
كان الدكتور موسى ابو مرزوق على قائمة الاهداف ولكونه يحمل الجنسية الامريكية تم استبعاده وتحديد مشعل كهدف للعملية ( لم يكن مشعل معروفا كما بعد العملية ) ، امام تهمتهما الامربتنفيذ عمليات انتحارية داخل اسرائيل ، واخرها تفجيران انتحاريان في القدس اوقعا العديد من القتلى ، فاطلق نتنياهو يد الموساد للتخطيط والتنفيذ .
اقترح فريق التخطيط ان يتم قنص مشعل من المبنى المقابل لمكتبه والمغادرة ، لكن نتنياهو اصر على ان تكون العملة صامتة وغير اعتيادية لحساسية العلاقة مع الاردن خاصة ان مداد اتفاق وادي عربة لم يجف بعد ، فاختار داني ياتوم طريقة صامتة غير عادية ، ستكلف نتنياهو فيما بعد خسارة الانتخابات ، وطرد ياتوم من رئاسة الموساد .
وقال ياتوم في مقابلة تلفزيونية ... ' ان اسحق رابين كان قد طلب من الملك اكثر من مرة وقف نشاط حماس في عمان ولكن الحسين لم يستجب ' .
قام العملاء بعد وصولهم الى عمان بعمليات المراقبة والمتابعة وتم تأجيل العملية عدة مرات حتى كان يوم 25 سبتمبر اخر فرصة امامهم للتنفيذ ، وللتغطية قاموا بالتقاط بعض الصور في اماكن سياحية في عمان وبالقرب منها.
رفض الحسين التعامل مع نتنياهو حتى انه رفض مقابلته في وقت سابق عند حضوره الى عمان يراس وفدا رفيع المستوى واوكل الامر انذاك الى الامير الحسن وعلي شكري وسميح بطيخي .
في الجانب الاخر استدركت الحكومة الاسرائيلية الامر حيث اوكلت مهمة التفاوض لوزير البنى التحتية ارئييل شارون ، واصبح نتنياهو خارج الصفقة وقريبا خارج الحكومة ...
حضر شارون ووزير الدفاع اسحق مردخاي وافرايم هاليفي سفير تل ابيب في بروكسل الذي تربطه بالحسين علاقة متينة والياكيم روبنشتاين النائب العام ومستشار شارون للشؤون العربية مجلي وهبة وبدا الاعداد لصفقة التبادل .
وافق الاردن على تسليم العميلين مقابل ان تفرج اسرائيل عن الشيخ احمد ياسين و50 اسيرا اردنيا وفلسطينيا من المعتقلات الاسرائيلية .
غادرت المروحيات من اسرائيل باتجاه عمان ومن دائرة المخابرات العامة باتجاه تل ابيب في الوقت نفسه لتتم صفقة التبادل الاولى في تاريخ حركة حماس والتي قادها بشجاعة وحزم الملك الحسين ورجاله .
بعد خمسة ايام من محاولة اغتيال مشعل ، وفي ليل الثلاثيين من سبتمبر وصلت المروحية التي تقل الشيخ احمد ياسين مؤسس حماس والمحكوم في اسرائيل بالمؤبد وعشرات السنوات فوق المؤبد الى مهبط المروحيات في مدينة الحسين الطبية وكان في استقباله الحسين شخصيا واركان الدولة الاردنية .
اصبحت مدينة الحسين الطبية بمثابة سفارة مؤقتة لحماس حيث اقبلت الوفود للسلام على الشيخ ياسين من كل حدب وصوب ، وكانت المرة الاولى الذي يلتقي فيها الشيخ بقيادات حماس في الخارج ، غادر ياسين الى غزة . بعدها بفترة خرج الى قطر وزار عدة عواصم عربية لتلقي العلاج ، وكان ابرز ما قام به اللقاء الشهير الممتد على عدة حلقات مع الاعلامي احمد منصور حيث ادلى بشهادته على العصر ، الشهادة التي ما كانت لتكون لولا عملية الاغتيال الفاشلة التي امر بها بنيامين نتنياهو .
بعدها بسنوات اقدمت اسرائيل على اغتيال الشيخ الشهيد احمد ياسين في غزة .
الحلقة المفقودة
