اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
تعود جزيرة زقر اليمنية إلى دائرة الضوء مجدداً، بعد أن كشفت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية عن استمرار الإمارات العربية المتحدة في إنشاء قواعد عسكرية ومدارج طيران في عدد من الجزر اليمنية المطلة على البحر الأحمر والبحر العربي، ولا سيما تلك القريبة من مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
ووفقًا لتقرير الوكالة، بدأت الإمارات منذ أبريل الماضي أعمال إنشاء مدرج طيران جديد في جزيرة زقر، الواقعة على بُعد نحو 90 كيلومترًا جنوب شرق مدينة الحديدة. وتُظهر صور الأقمار الصناعية مراحل متتابعة من أعمال البناء: بدءًا من تسوية الأرض وإنشاء رصيف بحري، مرورًا برصف الإسفلت في أغسطس، وصولاً إلى طلاء علامات بيضاء واضحة على المدرج في أكتوبر الجاري. وتشير هذه التطورات إلى نشاط هندسي إماراتي منظم ضمن خطة أوسع لتثبيت حضور عسكري طويل الأمد.
تُعد زقر من أكبر الجزر اليمنية في البحر الأحمر، إذ تبلغ مساحتها نحو 185 كيلومتراً مربعاً، وتبعد عن الساحل اليمني نحو 32 كيلومتراً. وتحتل الجزيرة موقعًا استراتيجيًا استثنائيًا، إلى جانب جزيرة حنيش، إذ تشرف على ممر مائي دولي حيوي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.
لكن هذا الوجود ليس معزولاً، بل يأتي امتدادًا لسلسلة من التحركات الإماراتية المتواصلة منذ عام 2015، حين بدأت أبوظبي تعزيز وجودها العسكري في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن تحت مظلة عملية 'عاصفة الحزم' التي قادتها السعودية.
ومنذ ذلك الوقت، عملت الإمارات على بناء شبكات نفوذ محلية من خلال دعم شخصيات انفصالية وتشكيل قوى عسكرية خارج اطار الدولة اليمنية, الذي مثّل غطاءً سياسياً لتوسعها في الجزر والموانئ اليمنية.
في أبريل 2018، وصلت القوات الإماراتية إلى جزيرة سقطرى وسيطرت ميدانيًا على المطار والميناء وعدد من المنشآت الحكومية، ورفعت علمها فوق مبانٍ رسمية، ما تسبب في توتر مع الحكومة اليمنية. ورغم التوصل إلى اتفاق بوساطة سعودية في مايو من العام ذاته، استمر الوجود الإماراتي الفعلي في الجزيرة. ومنذ ذلك الحين، تحولت سقطرى إلى مركز لوجستي ضمن حلقة قواعد تمتد عبر البحر الأحمر وخليج عدن، تشمل ميون (بريم)، وعبد الكوري، وسمحة، وصولًا إلى زقر.
بين عامي 2023 و2025، رصدت صور الأقمار الصناعية نشاطًا مكثفًا في أرخبيل سقطرى، تضمن بناء مدارج ومرافق دعم لوجستية ومبانٍ جديدة، بعضها يحمل شعارات رمزية مثل عبارة “I LOVE UAE” التي ظهرت في جزيرة عبد الكوري قرب أحد المشاريع. وتؤكد هذه المشاهد، بحسب خبراء عسكريين، على مشروع جيوعسكري متكامل يمنح الإمارات قدرة على مراقبة الممرات البحرية والتحكم في نقاط الاتصال بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وفي جزيرة ميون، الواقعة في قلب مضيق باب المندب، بدأت الإمارات منذ عام 2016 إنشاء مدرج طيران بطول ثلاثة كيلومترات، وتواصلت الأعمال عليه بوتيرة متقطعة حتى عام 2024. ويُعتقد أن الهدف من هذه المنشأة هو تمكين الرقابة الجوية على المضيق والملاحة الدولية، وهو ما يعزز النفوذ الإماراتي في أحد أهم المعابر البحرية العالمية التي تمر عبرها نحو 5% من التجارة العالمية.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن تصاعد النفوذ الإماراتي في الجزر اليمنية لا يخدم مصالح اليمنيين، بل يعكس اتجاهاً نحو تنفيذ أجندات إقليمية تتجاوز حدود أبوظبي. ويشير هؤلاء إلى أن إسرائيل تبدي اهتماماً متنامياً بالمواقع الاستراتيجية في البحر الأحمر، ما يجعل من التقاطع الجيوسياسي بين أبوظبي وتل أبيب جزءاً من مشروع أوسع يستهدف مراقبة خطوط الملاحة الدولية والتحكم في المضائق الحيوية بالمنطقة.
استراتيجية 'الوكلاء المحليين'
ويرى الباحث اليمني مجيب الشرفي أن الإمارات تبنت سياسة تقوم على 'تنمية الوكلاء المحليين' كأداة لضمان السيطرة على الموانئ والجزر والممرات الحيوية اليمنية. ويشير في حديثه لموقع 'المهرية نت' إلى أن أبوظبي، بعد إعلانها سحب قواتها رسميًا في فبراير 2020، لم تغادر فعليًا، بل تركت وراءها شبكة من القوى المحلية الموالية تدير أنشطتها باسمها، سواء في الجزر أو في المياه الإقليمية اليمنية.
ويضيف الشرفي أن استمرار هذه الأنشطة يعكس غياب سلطة مركزية حقيقية في اليمن، بعد أن باتت البلاد ساحة مفتوحة لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، وتحولت الجزر اليمنية إلى منصات عمليات عسكرية واستخباراتية لدول تتنافس على النفوذ والممرات التجارية.
وبينما تلتزم الحكومة اليمنية وأطراف التحالف صمتًا ملحوظًا تجاه هذه التحركات، يرى مراقبون أن ما يجري يمثل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا، يعيد تشكيل الجغرافيا اليمنية بما يخدم توازنات إقليمية جديدة. ويصف بعض المحللين الوضع الحالي بأنه “وليمة للضباع السياسية”، حيث تتقاسم قوى محلية مدعومة من الخارج الجزر والموانئ، بينما يتآكل مفهوم السيادة الوطنية تدريجيًا.
وفي السياق, يقول الباحث والكاتب اليمني الدكتور أحمد العلي بأن الحديث عن الوجود الإماراتي في جزيرة زقر وبقية الجزر اليمنية ليس جديدًا، بل يمتد إلى عام 2017، حين بدأت أبوظبي أولى خطواتها لترسيخ نفوذها في الجزر ذات الموقع الإستراتيجي. ويشير إلى أن المستجدات الأخيرة قد تعكس بداية بناء قاعدة عسكرية كبيرة في الجزيرة، ضمن سلسلة منشآت مماثلة تمتد على طول السواحل اليمنية.
ويؤكد العلي أن الإمارات، رغم إعلانها المتكرر الانسحاب من اليمن، لم تغادر فعليًا الميدان، بل أعادت تموضعها عبر وكلاء محليين موالين لها.
ويضيف أن أبوظبي نفسها أقرت بتدريب ما يقارب 180 ألف مسلح منذ تدخلها إلى جانب السعودية عام 2015، ما يعزز قدرتها على إدارة مصالحها الميدانية دون حضور عسكري مباشر. ويصف هذا النهج بأنه انسحاب تكتيكي شكلي يهدف إلى تخفيف الضغوط السياسية والإعلامية، دون التخلي عن أدوات النفوذ والسيطرة.
وفي حديثه لموقع 'المهرية نت'، دعا العلي الحكومة اليمنية إلى تحمل مسؤولياتها الوطنية، مطالبًا إياها بإعلان موقف واضح تجاه ما يجري في جزيرة زقر وغيرها من الجزر اليمنية، وعدم الصمت أمام ما وصفه بـ'التجريف الممنهج' للسيادة اليمنية. وشدد على أن بناء قواعد عسكرية أجنبية دون موافقة الحكومة يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولحقوق الدولة اليمنية في إدارة أراضيها ومياهها الإقليمية.
ويضيف العلي أن الإمارات تعمل على إضعاف مؤسسات الدولة في المناطق الجيوستراتيجية، من خلال دعم قوى محلية تابعة لها في المناطق المحررة، لتسهيل تحركها العسكري لاحقًا. ويذهب إلى أن جزر سقطرى وميون وزقر أصبحت فعليًا خارج نطاق السيادة اليمنية، في ظل حالة الانقسام الداخلي الحاد والصراع بين القوى اليمنية المتناحرة.
ويحذر العلي من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى ترسيخ واقع التقسيم وتعدد الولاءات، مشيرًا إلى أن الوقت قد حان لاتخاذ موقف وطني موحد لطرد القوات الإماراتية من جميع الجزر والمواقع الحيوية، بما في ذلك بلحاف وميون وسقطرى، داعيًا المجلس الرئاسي اليمني إلى الاضطلاع بمسؤوليته الدستورية في حماية الأراضي والمياه اليمنية.
ورغم إقراره بخطورة المشروع الإيراني في المنطقة، يؤكد العلي أن مواجهة ذلك لا تبرر التغاضي عن الانتهاكات الإماراتية في الشرق والجنوب، مشددًا على أن أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب لا يتحقق عبر القواعد العسكرية الأجنبية، بل عبر استعادة الدولة اليمنية بمؤسساتها الموحدة، وإنهاء حالة التفكك والوصاية الإقليمية.
ويختتم العلي حديثه بالتأكيد على أن الاستقرار الإقليمي لن يُبنى على النفوذ العسكري الخارجي، بل على دولة يمنية قوية قادرة على إدارة مواردها وجغرافيتها بنفسها. فـ'استعادة مؤسسات الدولة، وتوحيد القرار الوطني، ووقف الفوضى الداخلية'، كما يقول، هي الشروط الجوهرية لاستقرار اليمن ومحيطه البحري والإقليمي، وليس عبر بناء قواعد تحرس مصالح الآخرين على أرض فقدت سيادتها.