اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
تشهد محافظة حضرموت، جنوب شرق اليمن، واحدة من أخطر موجات التوتر العسكري منذ سنوات، عقب اندلاع اشتباكات بين قوات حلف قبائل حضرموت ووحدات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قرب منشأة بترومسيلة النفطية الاستراتيجية، ما أدى إلى توقفها عن العمل.
ويعيد هذا التصعيد تسليط الضوء على صراع مفتوح على النفوذ والجغرافيا والموارد، ويكشف محاولة أبوظبي والانتقالي فرض واقع جديد في شرق اليمن، بما يضع المجتمع الحضرمي أمام مشهد أكثر تعقيداً مما عرفه خلال العقد الماضي.
جاءت التطورات الميدانية عقب دفع المجلس الانتقالي بتعزيزات عسكرية ضخمة من عدن والضالع باتجاه حضرموت، تحت مسمى قوات 'الدعم الأمني' بقيادة صالح علي بن الشيخ أبو بكر، المعروف بـ'أبو علي الحضرمي'.
ووفق زعيم حلف قبائل حضرموت ووكيل أول المحافظة عمرو بن حبريش، فإن هذه القوات والمجاميع القبلية المسلحة القادمة من الضالع ويافع تهدف إلى 'اجتياح حضرموت والسيطرة بالقوة على ميناء الضبة النفطي'، مؤكداً أن المحافظة تتعرض لـ'غزو خارجي منظّم' يستهدف أرضها وثرواتها'.
وبموازاة ذلك، سارعت قوات 'حماية حضرموت' الموالية لحلف القبائل إلى تأمين منشآت حقول المسيلة النفطية في خطوة استباقية لمنع سيطرة قوات الانتقالي عليها، وهو ما أشعل فتيل التوتر الحالي وفتح الباب أمام مواجهة مباشرة بين الطرفين.
وفي اجتماع موسع، اعتبر حلف قبائل حضرموت أن أي انتشار لـ'قوات خارجية' في المحافظة يُعدّ 'احتلالاً'، متوعداً بالتصدي له بالقوة واتخاذ خطوات 'حاسمة' لوقف ما وصفه بالتحركات الخطيرة للقوى الوافدة.
ويقرأ مراقبون هذه التطورات كفصل جديد من الصراع على مناطق النفوذ بين قوى مدعومة من الإمارات والسعودية، مشيرين إلى أن ما يجري في حضرموت يعيد إلى الأذهان سيناريو سقوط عدن وشبوة بيد أدوات أبوظبي، في ظل ترتيبات إقليمية معقدة تتجاوز البعد المحلي.
حضرموت بين لعبة التوازنات الإقليمية
قال المحلل السياسي عادل المسني في تصريح لـ'المهرية نت' إن عسكرة حضرموت، بما تمثله من عمق جغرافي واقتصادي وثقافي وتاريخي، 'لا يمكن أن تخدم الاستقرار ولا السلام'، مؤكداً أن المحافظة تمثل 'شوكة الميزان' في المشهد اليمني حالياً، وهو ما لا ينسجم مع مصالح أدوات الإمارات في جنوب البلاد'.
ويشير المسني إلى أن المجلس الانتقالي يجسد المشروع السياسي والعسكري لأبوظبي في جنوب اليمن، ويرى حضرموت جزءاً محورياً من الدولة التي يسعى لتأسيسها. وبحسب المسني، فإن عدم سيطرة أبوظبي على حضرموت يشكل عقبة استراتيجية أمام مشروعها، ما يدفعها –وفق قوله– إلى محاولة فرض نفوذها على المحافظة، وإخراج ما تبقى من قوات الجيش اليمني من وادي حضرموت، بما يؤدي إلى خلق واقع جديد يكرّس هيمنة الانتقالي، كما حدث سابقاً في عدن وشبوة وسقطرى.
ويستعيد المسني تجارب سابقة، قائلاً: 'ما حدث في شبوة من اقتحام وسيطرة يقدم نموذجاً واضحاً. البعض تآمر عمداً، والبعض الآخر أخطأ التقدير، وكانت النتيجة إزاحة رجالها الصادقين وسقوط ضحايا أبرياء'.
ويضيف: 'على حضرموت اليوم أن تتصدى للمتآمرين بقوة، وعلى الحلفاء الحقيقيين أن يثبتوا صدقهم، فالمرحلة لا تحتمل التهاون'.
ويرى المسني أن الإمارات تحاول الزج بالمنطقة العسكرية الأولى وقوات حلف قبائل حضرموت في مواجهة مباشرة مع الانتقالي بهدف استنزافها وإضعافها، ومن ثم استبدالها بمليشيات موالية لها، وهو السيناريو ذاته الذي جرى –بحسب رأيه– في شبوة وسقطرى، 'بتنسيق وترتيب مع السعودية، رغم ما يظهر من خلافات في العلن'.
ويؤكد المسني أن التنافس الإماراتي السعودي في حضرموت بات واضحاً، حيث تسعى أبوظبي لتثبيت حضورها عبر قوات الانتقالي، بينما تحاول الرياض خلق دور موازٍ في المحافظة، في مشهد يصفه بأنه 'تجاذبات بين مدّ وجزر' تعيشه حضرموت منذ سنوات، وقد كشفت خلاله كثير من الأوراق والنوايا.
تماهي الرياض مكّن أبوظبي من النفوذ
قال الصحفي عبدالوهاب الجريري إن التنافس السعودي–الإماراتي في حضرموت لم يبدأ اليوم، بل تأسس –وفق وصفه– على مرحلة طويلة من التماهي السعودي، سمحت لأبوظبي بتعزيز نفوذها جنوب اليمن دون مقاومة تذكر.
وأشار إلى أن سقوط مؤسسات الدولة في عدن بيد قوات المجلس الانتقالي كان مثالاً صارخاً على ذلك، إذ حدث والقوات السعودية موجودة في المدينة دون أن تتحرك، مستشهداً بالخطاب الشهير لوزير الداخلية الأسبق أحمد الميسري حين قال إن 'الأشقاء ذبحونا من الوريد إلى الوريد.
وأضاف الجريري في تصريح لـ'المهرية نت' أن الصراع المتجدد في حضرموت ينعكس بشكل مباشر على المجتمع الحضرمي، لافتاً إلى أن تدهور الخدمات وغياب الأمن جزء من نتائج التوتر بين قوات الانتقالي القادمة من عدن والضالع، وبين قوات حلف قبائل حضرموت التي تحاول –بحسب تعبيره– حماية وحدة النسيج الاجتماعي بعيداً عن 'منطق القرية والتشرذم' الذي يهدد المحافظة.
وأوضح أن الصراع على المصالح والأطماع بين الرياض وأبوظبي ألقى بظلال قاتمة على مختلف جوانب الحياة في حضرموت، بدءاً من الخدمات، مروراً بالأوضاع الأمنية والعسكرية، وصولاً إلى تشظي اللحمة الوطنية.
وأضاف أن الإمارات انحرفت عن الهدف المعلن للتحالف منذ الغارة على قوات الجيش اليمني في العبر عام 2015، 'بتمهٍ وتنسيق غير معلن مع السعودية'.
في سياق حديثه عن دور السعودية في المشهد الحضرمي، أشار الجريري إلى أن ما يحدث اليوم يعيد إلى الأذهان السيناريو ذاته الذي جرى في شبوة قبل أعوام، عندما دفعت الرياض –وفق قوله– باتجاه إقالة المحافظ محمد بن عديو، المعروف بمواقفه الوطنية، واستبداله بشخصية موالية للإمارات، الأمر الذي فتح الطريق أمام سقوط المحافظة بيد مليشيات المجلس الانتقالي..
ويرى الجريري أن اللعبة تُستنسخ اليوم في حضرموت؛ إذ جرى تغيير المحافظ مبخوت بن ماضي بشخصية تعمل –بحسب تعبيره– على تهيئة المحافظة للوقوع في قبضة التشكيلات المسلحة القادمة من الضالع ويافع، ما يعكس تكرار أدوات التأثير نفسها التي استخدمت في شبوة وعدن وسقطرى، ولكن هذه المرة في قلب أكبر محافظات اليمن وأثقلها اقتصاداً.
وانتقد الجريري ما وصفه بـ'الصمت المريب' للنخب السياسية اليمنية والمجلس الرئاسي، معتبراً أنهم يقفون موقف المتفرج بينما البلاد تتفكك 'باسمهم وهم على رأس الهرم'، مشيراً إلى أن تحميل التدخل الخارجي وحده مسؤولية ما يجري هو محاولة للتنصل من دور القوى السياسية اليمنية في صناعة هذا الواقع.
وختم قائلاً إن اليمنيين اليوم يعيشون 'واقعاً مريراً' نتيجة تخاذل القوى السياسية وترهل مؤسسات الشرعية وارتهانها للخارج، مؤكداً أن القرار لم يعد وطنياً وأن الآمال الوطنية تلاشت، داعياً إلى الاعتراف أولاً بالأخطاء الذاتية قبل توجيه اللوم للآخرين.













































