اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تشهد الضفة الغربية المحتلة موجة غير مسبوقة من اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين، تتزامن مع توسع استيطاني محموم يلتهم المزيد من الأراضي والمنشآت في عموم الضفة.
ومع غياب إستراتيجية وطنية فلسطينية واضحة للتصدي لهذا التصعيد، يجد المزارعون وسكان التجمعات البدوية أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع مليشيات المستوطنين المدعومة من جيش الاحتلال.
هذا التصعيد، الذي يتقاطع مع مشاريع صهيونية لإعادة رسم الجغرافيا السكانية في الضفة، يكشف هشاشة الموقف الرسمي الفلسطيني وتراجع الفعل الشعبي المنظم في مواجهة أخطر مراحل التهويد الزاحف.
الضفة تشتعل
خلال يومي السبت والأحد، شنت مجموعات من المستوطنين المسلحين هجمات واسعة على قرى ومزارع من نابلس شمالا إلى الخليل وبيت لحم جنوبا، استهدفت المزارعين والمتضامنين الأجانب.
شملت الاعتداءات حرق ممتلكات، ورشق مركبات بالحجارة، والاعتداء الجسدي على رعاة الأغنام، إلى جانب اقتحام مدرسة في الخليل وملاحقة طلاب داخلها، ما يعكس حالة من الانفلات المنظم بدعم من جيش الاحتلال.
في المقابل، تواصل سلطات الاحتلال توسيع رقعة المستوطنات والبؤر العشوائية، فيما تتكرر الاعتداءات يوميا بوتيرة تعكس سياسة رسمية تهدف لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين وتكريس واقع الضم الزاحف.
عنف ممنهج
بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، شهدت الضفة الغربية خلال الأسابيع الأخيرة تصاعدا غير مسبوق في العنف الاستيطاني، حيث وثق الفريق الميداني أكثر من 300 اعتداء في غضون 40 يوما.
وأشار المرصد في بيان أمس، إلى أن هذه الهجمات أسفرت عن إصابة أكثر من 140 فلسطينيا وإتلاف ما يزيد على 4200 شجرة زيتون في 77 قرية، نفذ كثير منها بحماية مباشرة من قوات الاحتلال.
وبين أن العنف الاستيطاني لم يعد يستهدف الممتلكات فقط، بل الأرواح أيضا، إذ قتل 13 فلسطينيا منذ مطلع عام 2025 على يد المستوطنين، في حين شارك جنود الاحتلال في بعض الهجمات، ما يعكس وحدة المنظومة العسكرية والمدنية في تنفيذ سياسة السيطرة على الأرض.
حرب طويلة على الوجود الفلسطيني
ويرى الناشط في مواجهة الاستيطان خالد منصور، أن ما يجري ليس مجرد اعتداءات موسمية، بل حرب طويلة الأمد هدفها اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.
يقول منصور لـ'فلسطين أون لاين'، اعتداءات المستوطنين تستهدف الفلسطينيين في موسم الزيتون الذي تعتمد عليه أكثر من 150 ألف أسرة في الضفة. مشيرا إلى أن تعطيل الموسم يضرب الاقتصاد المحلي ويزرع الخوف في القرى، ما يجعل الحياة اليومية رهينة للعنف المستمر.
ويضيف، الهجمات جزء من سياسة مبرمجة تدعمها حكومة اليمين المتطرف التي سلحت المستوطنين ومنحتهم الحصانة، بهدف الاستيلاء على الأرض، وإجبار الفلسطينيين على مغادرتها تحت الضغط والخوف.
ويؤكد منصور أن غياب أي خطة فلسطينية جماعية للتصدي جعل المستوطنين 'يعملون كذراع تنفيذية لجيش الاحتلال'، داعيا إلى هبة شعبية منظمة تقودها القوى الوطنية وتتبناها السلطة الفلسطينية 'لوقف التوسع الاستيطاني وإعادة الثقة للشارع'.
ودعا إلى موقف سياسي واضح من السلطة توقف بموجبه آلية التنسيق الأمني التي أفرزتها اتفاقية أوسلو، والتي توفر الأمن للمستوطنين، بينما تترك الفلسطينيين في مواجهة غير متكافئة من عصابات مسلحة من غلاة المستوطنين.
تقطيع الضفة
بالتزامن مع الاعتداءات على المواطنين تتصاعد عمليات الاستيلاء على الأرض وإنشاء المزيد من البؤر والبنايات الاستيطانية لتقطيع الضفة الغربية وربط البؤر بالمستوطنات، كما حدث مؤخرا وسط مدينة الخليل جنوبي الضفة.
المختص في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش، يؤكد أن ما يجري في الخليل ليس حدثا منفصلا، بل جزء من رؤية إسرائيلية متكاملة لتقطيع أوصال الضفة الغربية وربط المستوطنات ببعضها عبر السيطرة على المناطق الفلسطينية الحيوية.
يقول حنتش لـ'فلسطين أون لاين'، الاستيطان في وسط الخليل جزء من خطة تهدف لتفكيك المدينة ديموغرافيا وجغرافيا عبر إنشاء كتلة استيطانية متصلة تسيطر على قلب المدينة وتعزل الفلسطينيين عن محيطهم.'
ويضيف أن الاحتلال يعمل على ربط العمارات الجديدة بالبؤر المحيطة بالمسجد الإبراهيمي 'تمهيدا لتهويد المدينة وإخراج الفلسطينيين من مركزها التجاري والديني'.
ويشير إلى أن اعتداءات المستوطنين على المتضامنين الأجانب تهدف 'لإرهابهم ومنعهم من توثيق الجرائم'، مؤكدا أن تراجع الوجود الدولي في الخليل خلال العامين الأخيرين منح المستوطنين مساحة أكبر للتوسع.
ويوضح أن العنف اليوم يستخدم كأداة سياسية بيد حكومة اليمين المتطرفة 'لتحقيق الضم التدريجي على الأرض دون إعلان رسمي، عبر تفريغ القرى وإضعاف الوجود الفلسطيني'.
غياب الخطة الوطنية
ويربط الخبير في الشؤون السياسية د. أحمد فارس عودة، تصاعد عنف المستوطنين بفشل السلطة الفلسطينية في صياغة استراتيجية وطنية موحدة لمواجهة الاستيطان.
يقول عودة لـ 'فلسطين أون لاين'، إن التحركات الشعبية مشتتة، لا يوجد تنسيق ميداني بين القرى، ولا رؤية وطنية من السلطة في رام الله أو الفصائل في الضفة. لافتا إلى أن كل تجمع يواجه مصيره منفردا، وهذا ما شجع المستوطنين على التمادي.
ويضيف أن استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال يمنع أي رد ميداني حقيقي، في حين يترك المواطن الفلسطيني في مواجهة العنف وحده.
ويؤكد أن المبادرات الفردية دون غطاء رسمي تبقى محدودة التأثير، داعيا إلى 'إطلاق خطة وطنية موحدة لحماية المزارعين والمناطق المهددة بالاستيطان.
ويرى أن الرد الشعبي المنظم، إذا دعم سياسيا وميدانيا، يمكن أن يخلق توازن ردع ويعيد بعض زمام المبادرة المفقود منذ سنوات.
الاقتصاد والزراعة في قلب الاستهداف
يتفق الخبراء على أن استهداف الأراضي الزراعية يمثل هجوما اقتصاديا مقصودا يهدف إلى تجويع الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة القسرية عن أراضيهم وقراهم في الضفة.
وتؤدي الاعتداءات المتكررة إلى خسائر سنوية بملايين الدولارات نتيجة حرق الأشجار وسرقة الثمار ومنع وصول المزراعين إلى الأراضي.
هذه الممارسات، إلى جانب توسيع المستوطنات، تهدف إلى خلق واقع اقتصادي خانق، حيث يحول المزارع الفلسطيني إلى 'لاجئ في أرضه'، معزولا عن مورد رزقه الوحيد، وفق الخبراء.
الفراغ السياسي وغياب الرد الوطني
ويرى الخبراء، أن أخطر ما في المشهد هو الفراغ السياسي الفلسطيني الذي ترك الساحة مفتوحة أمام المشروع الاستيطاني. فبينما تنشغل السلطة بالصراعات الداخلية، تتراجع الفصائل عن أي فعل منسق، وتتحول بيانات الشجب إلى بديل عن الموقف الميداني.
ويصف منصور، هذا الواقع بأنه 'صمت رسمي يشجع المستوطنين على المضي في مشروع التهويد دون كلفة'، بينما يحذر حنتش من أن 'كل يوم تأخير يعني فقدان مزيد من الأرض'.
أما عودة فيؤكد أن أي تحول جدي يبدأ بوقف التنسيق الأمني، وصياغة خطة حماية وطنية تستعيد ثقة الشارع وتوحد القوى تحت هدف واحد 'الدفاع عن الوجود الفلسطيني'.
ويشير إلى أن المواجهة الآن لم تعد بين جيش ومقاومة، بل بين شعب أعزل ومستوطنين مسلحين يتصرفون فوق القانون.
ويقول منصور، المشهد العام في الضفة الغربية يظهر أن المشروع الاستيطاني لم يعد مجرد توسع عمراني، بل عملية تهويد شاملة تنفّذها حكومة اليمين المتطرفة عبر أدواتها المدنية والعسكرية والمستوطنين المسلحين.
في المقابل، لا يزال الشارع الفلسطيني ينتظر مبادرة وطنية تعيد تنظيم الفعل الشعبي وتربط الميدان بالقرار السياسي.

























































