اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
رغم الفوضى التي تحكم قطاع الدرّاجات الناريّة وما يخلّفه من فلتان على الطرقات، لا يزال النقاش محتدمًا حول امتحان السوق الجديد الخاص بالحصول على رخصة قيادة الموتو. فبينما يرى معارضوه أن الامتحان بشقّيه الشفهي والعملي صعب ومعقد إلى درجة تعيق المتقدّمين أكثر ممّا تنظم القطاع، تعلو في المقابل أصوات المختصين التي تؤكّد أنّ التشدّد في هذه الاختبارات هو السبيل الوحيد لضبط الفوضى وحقن الدماء على الطرقات. فهل يكون حاجزًا بيروقراطيًا إضافيًا أم خطوة إصلاحيّة نحو طرقات أكثر أمانًا؟
منذ ما يقارب السنوات الثلاث، توقف إصدار رخص قيادة الدرّاجات النارية، ونشأ بذلك جيل يقود الدرّاجة بلا رخصة ومن دون تعلّم أصول القيادة أو معرفة قوانين السير المرتبطة بها. ومع تزايد استخدام هذه الأخيرة ونشوء شركات كبرى تعتمد كليًا عليها، بات من الضروريّ إعادة تقييم الأوضاع ووضعها على السكّة الصحيحة. وهذا ما تحاول هيئة إدارة السير العمل به عبر إطلاق امتحان قيادة جديد للدرّاجات الناريّة والسعي إلى وضعه قيد التنفيذ قريبًا لإصدار رخص قيادة رغم أن المواعيد الأكيدة لم تحدّد بعد.
منذ أشهر، بدأ الحديث عن تنظيم امتحان لقيادة الدرّاجات وأعدّ بعض من يودّون التقدّم للامتحان الأوراق المطلوبة من سجلّ عدليّ وإفادة طبية وغيرها، ليتبيّن أن الأشهر الثلاثة انقضت وانقضت معها صلاحيّة المستندات من دون أن يحدّد موعد لانطلاق الامتحان. وكانت هيئة إدارة السير والآليات والمركبات - مصلحة تسجيل السيّارات والآليّات، قد أعلنت عن بدء استقبال طلبات المواطنين الراغبين في التقدّم لامتحانات السوق للحصول على رخصة سوق للدرّاجات من فئة A - A1 ابتداءً من تاريخ 8/9/2025 في المدارس المرخصة لإجراء التدريب والتعليم اللازم لهاتين الفئتين ولكن حتى اليوم لم يتمّ البدء بعد بإجراء الامتحان.
ولكن ليس الموعد وحده هو ما يثير الجدل بل الآلية التي سيتمّ اعتمادها في الامتحان سواء العملي أو الشفهي. وقد سرّبت خارطة المسار التي سيتمّ اعتمادها في الامتحان والعوائق البلاستيكية المتواجدة فيه، كذلك سرّبت مسوّدة لمحضر امتحان لرخص سوق الدرّاجات النارية لفئتي A1 و A وتضمّ لائحة بالأسباب التي توجب وقف الامتحان على الفور واعتبار المرشح راسبًا ولائحة مطوّلة بالمخالفات والعلامات التي تحسم من العلامة النهائية عند كلّ مخالفة. وسيحمل الامتحان على الصعيد النظري 124 سؤالًا وفق ما سرّب إلينا بعد أن كان سابقًا لا يضمّ أكثر من 15 سؤالًا.
امتحان مستعصٍ؟
رغم كون الامتحان لم يوضع قيد التجربة بعد لمعرفة مدى صعوبته إلّا أن أصواتًا معارضة بدأت تعلو مدّعية أنه سيكون من الصعب جدًا النجاح فيه كونه معدًّا للمحترفين ومستوحى من التدريبات التي يتلقاها البوليس الأميركي. كما أن الأسئلة صعبة بمفرداتها قبل إجاباتها، فيما غالبية من سيتقدّمون لامتحان قيادة الدرّاجة النارية هي من الفئات التي لا تتمتع بثقافة عالية وسوف تتقدّم عن فئة A1 وهي الفئة المختصة بالدرّاجات الصغيرة أي 250 سنتمترًا مكعبًا وما دون.
ويقول أحد أصحاب مكاتب تعليم القيادة، إن الامتحان صعب، والاكتفاء بمسار مقفل داخل مربّع والتسلّل بين مخروطات بلاستيكية لا يبعد الواحد عن الآخر أكثر من مترين لا يعنيان إجادة قيادة الدرّاجة، فالتحدّي الأكبر هو قيادتها على الطريق بين السيارات فيما هذا القسم غير موجود مطلقًا في الامتحان.
ويقول أحد المخضرمين المحترفين في قيادة الموتو وتعليم قيادتها، إن المشكلة الكبرى تكمن في الشرط الذي ينصّ على أن يكون الطالب قد درس في مدرسة لتعليم قيادة الموتوسيكل وأن يكون المكتب لديه خبرة في التدريب والمدرب حائزًا دفتر قيادة درّاجة منذ وقت طويل. لكن معظم المكاتب المرخصة باتت قديمة العهد ومن يتولّون التدريب فيها باتوا كبارًا في السن وغير مؤهّلين للتدريب ولم يخضعوا لدورات تدريب جديدة كما لم يتمّ إعطاء رخص لمكاتب جديدة منذ فترة طويلة جدًا.
ومن الاعتراضات التي يسوقها المعارضون أن تنظيم أمور الدرّاجات النارية لا يحتاج إلى الخضوع لامتحان قيادة مستعصٍ لمعرفة نقاط الضعف، بل الأصحّ تسهيل الامتحان لقوننة كلّ الموتوسيكلات التي تسير على الطرقات بلا دفتر قيادة والتشدّد في مراقبتها وتطبيق قانون السير واعتماد قانون ملائم للبنان بدل تطبيق قوانين عالمية لا يمكن أن تتماشى مع وضع البلد والطرقات فيه لا سيّما بغياب مسالك خاصة على الطرقات للدرّاجات النارية.
حقنًا للدماء
كلّ ما ذكر سابقًا من اعتراضات على امتحان قيادة الدرّاجات الناريّة ليس سوى محاولة لذرّ الرماد في العيون والتنصّل من المسؤولية الوطنية ودماء الضحايا بحسب ما يقول أكثر من مرجع رسميّ. وكأن الحرب بين من يؤيّدون التساهل في الامتحان تسهيلًا لأمر الناس وشرعنة أوضاعهم غير القانونية بدل تركهم يقودون بلا دفاتر سوق رغم أنف الدولة، وبين أصحاب القرار وجمعيات السلامة المروريّة ومكاتب تعليم قيادة السيارات والدرّاجات الذين يرون أن التشدّد في الامتحان هو الحلّ الوحيد لحفظ أرواح الناس على الطرقات وحقن الدماء.
أحد المسؤولين في نقابة بيروت لتعليم قيادة السيّارات وفي اتصال ناريّ معه يسأل بغضب: هل المطلوب منا إجراء فحص بسيط وإعطاء رخصة سوق لا يكون معترفًا بها عالميًا تلبية لمصالح البعض؟ ألا يكفي عدد الحوادث اليوميّة والقتلى والجرحى والفوضى على الطرقات للسعي إلى تنظيم هذا القطاع ووضع الأطر الصحيحة له؟ التجربة وحدها ستبرهن إذا ما كان الامتحان صعبًا. لا شك أن النقابة لديها تحفظات ولكن لا يمكن الاعتراض على أمر لم يجرّب بعد. صحيح أن القرار لم ينشر في الجريدة الرسمية بعد لكنه على السكّة الصحيحة والعميد نزيه قبرصلي رئيس مصلحة تسجيل السيارات والمركبات والآليّات يريد نقاشًا جديًا وعلنيًا مع اللجان الفاحصة والنقابات التي تتولّى تمثيل أصحاب المدارس وثمة جدية أكيدة في التعاطي لكن لم يحسم النقاش بعد والأفكار المقترحة لا تزال على طاولة النقاش.
لا يمكن المساومة على أرواح الناس، يقول المسؤول الذي يرفض ذكر اسمه وسط الحرب الدائرة، ونحن كنقابة بيروت نسعى للدفع بالامتحان ليكون بمستوى الامتحانات العالمية ومبنيًا على القواعد المتبعة هناك وعلى اتفاقية فيينا العالمية للسير. الامتحان القديم كان يضمّ 15 سؤالًا ومن نجحوا فيه هم أنفسهم من يسبّبون الفوضى على الطرقات ويتسبّبون في الحوادث. فهل نريد نحن إعادة عقارب الزمن إلى الوراء أم السير خطوات واثقة إلى الأمام؟
على السكّة الصحيحة
لا شك لدى النقابة تحفظات على طريقة التقييم المعتمدة وجدول العلامات وهي تعمل على التخفيف من حدّة احتساب العلامات المحذوفة عند كل خطأ وبهذا يصبح الامتحان أكثر عدالة ولا يظلم المتقدّم إليه. لكن لا يمكن التهاون بالمقاييس التي تحمي الناس وسائق الدراجة أوّلهم، كما لا يمكن التهاون بصيت لبنان في الخارج ولا بدّ من الالتزام بالمقاييس العالمية.
وزير الداخلية السابق القاضي بسام مولوي كان قد طلب تجهيز ضباط ليكونوا في اللجان الفاحصة وأعدّت لهؤلاء دورة تدريبيّة وتمّ إعطاؤهم المبادئ التوجيهية الأساسية ليتمكّنوا من تقييم الامتحان، وطُلب من نقابتي تعليم قيادة السيارات والدرّاجات الناريّة في بيروت والنبطية كما من الجمعيّات الأهلية المختصة بالسلامة المروريّة إعداد الأسئلة ووضع الامتحان العملي وضبط المعايير المرتبطة بالمقاييس العالمية مع وجود ممثلين عن الدولة اللبنانية من قوى الأمن وهيئة إدارة السير ووزارة الأشغال. وثمّة إصرار اليوم من مكتب وزير الداخلية الحالي أحمد الحجار على الإسراع في الإجراءات لوضع الامتحان قيد التنفيذ كما يقول المسؤول في النقابة.
لكن قبل الوصول إلى امتحان قيادة الدرّاجات العتيد لا بدّ من الإضاءة أولًا على المدرّبين. هل هم مؤهّلون للتدريب أم أن بعضهم قد أنشأ مدارس على حسابه خارج الإطار القانوني؟ هل يمكن لهؤلاء المدرّبين أنفسهم أن ينجحوا في الامتحان إذا ما خضعوا له؟ أليس حريًا بهم أن يكونوا أوّل من يخضع له للتأكد من أهليّتهم لتدريب جيل جديد من سائقي الدرّاجات الناريّة؟
ثمّة حديث عن إجراء دورة مختصرة لتدريب المدرّبين على أن تكون هناك دورة أطول في ما بعد مع امتحان أقسى بغية الحصول على رخصة للتدريب. كذلك لا بدّ من النظر إلى شرعية مكاتب تعليم القيادة حيث إن القانون يقترح إلزامية أن يحمل المتقدّمون من هذا الامتحان إفادة رسمية من مكاتب تعليم السوق المرخصة في لبنان، تؤكّد أهليتهم وقدرتهم على قيادة الدرّاجات الناريّة، وبهذا يصبح الباب مفتوحًا للغش والرشاوى على الطريقة اللبنانية و تفريخ المزيد من مدارس تعليم قيادة الدرّاجات غير الشرعيّة، علمًا أن عدد المكاتب المرخصة التي يحق لها التدريب على قيادة الدرّاجة النارية هو 322 مكتبًا موزعة على كافة الأراضي اللبنانية.
في انتظار أن يتمّ إقرار الامتحان والبدء بتنفيذه يبقى التساؤل عن مدى الجدية في تطبيقه ومنع أي تحايل يؤدّي إلى نجاحه بالقوّة.