اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٦ حزيران ٢٠٢٥
كتب علي حيدر في 'الأخبار'
على الرغم من صمت إسرائيل الرسمي إزاء المسار التفاوضي بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن ما يجري خلف الكواليس يؤكّد أن حالة الترقّب تلك تخفي توتراً شديداً، في مقابل خطاب إيراني واثق يرسّخ معادلة «الاقتدار حيال الضغوط». ويطرح ذلك التفاوت، تساؤلات حول مدى دقّة التقدير الذي تحدّث عن ضعف إيران، والذي استند إلى المتغيّرات المستجدّة في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على «حزب الله»، والتحوّل الذي حصل في سوريا؛ كما يثير علامات استفهام حول ما سيترتّب على مآلات هذا المسار التفاوضي، في ما يتعلّق بالمعادلات الإقليمية والسيناريوات التي ستلي هذه المرحلة.
وفي الوقت الذي تخوض فيه طهران وواشنطن جولات تفاوضية جديدة بشأن الملف النووي، تلتزم تل أبيب حتى الآن صمتاً غير معتاد حيال هذه المحادثات، خلافاً لسلوكها التقليدي الذي كان دائماً يتّسم بالتصعيد والتصريحات النارية عند كل مفصل تفاوضي مشابه. وبغضّ النظر عن المدى الذي سيصل إليه هذا الصمت، فإن التحوّل في السلوك الإسرائيلي لا يعكس تغييراً في الموقف، بل حذراً تكتيكياً مدروساً يستند إلى تقدير بأن استفزاز إدارة دونالد ترامب الآن قد يأتي بنتائج عكسية، ويُضعف قدرة إسرائيل على التأثير لاحقاً.
وفي ظل هذا الترقّب، تتابع إسرائيل مجريات التفاوض عن كثب، عبر أجهزتها الأمنية والدبلوماسية، وتُبقي خطوط التواصل مفتوحة مع الولايات المتحدة. وبالفعل، كُشف أخيراً عن اتصالات هاتفية مباشرة جرت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خُصّصت للملف الإيراني، في مؤشر إلى وجود قناة مضبوطة ممنوحة لإسرائيل للتأثير على مجرى المفاوضات، وإن بدا ذلك التأثير حتى الآن محدوداً.
وبالتالي، ليس أمام إسرائيل إلا الرهان على فشل المفاوضات، والذي لا تريده لذاته فحسب، بل ولتبرّر به أيضاً موقفاً لاحقاً أكثر تصعيداً، من دون أن تتحمّل المسؤولية عن انهيار المسار الدبلوماسي؛ علماً أنها تدرك أن التوصّل إلى اتفاق نووي جديد، يمنح إيران الشرعية الدولية ويعيد تموضعها إقليمياً، ما يعني تعزيز قدرة المحور المناهض للكيان في المنطقة.
وفي مقابل هذه الحسابات الحذرة، جاء خطاب المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، بمناسبة ذكرى رحيل الإمام الخميني، ليحسم الموقف الإيراني من المفاوضات: إيران لن تتنازل، وحقّها في الصناعة النووية خط أحمر غير قابل للمساومة. والواقع أن هذا الخطاب لم يكن تقنياً أو تفاوضياً بقدر ما كان تعبيراً عن توجّهات حاسمة وخطوط حمر في مقابل الضغوط الأميركية، خاصة أنه قدّم الصناعة النووية كرمز للكرامة الوطنية والاستقلال، وربطها مباشرة بمبدأ «نحن قادرون»، والذي يتعرّض، حسب تعبيره، لمحاولات مستمرة من الأعداء للقضاء عليه.
والأهم من ذلك، أن خامنئي أكّد أن ملف التخصيب النووي لا يخضع لمساومات خارجية، بل هو شأن داخلي سيادي، ولا يحقّ للولايات المتحدة أو غيرها التدخل فيه. كما أعاد التذكير بتجربة سابقة حين نكثت أميركا بوعدها بتوفير وقود مخصّب بنسبة 20%، ما دفع العلماء الإيرانيين إلى إنتاجه محلياً، وهو ما يعتبره دليلاً عملياً على فاعلية خيار المقاومة والصمود.
وتُدرك إسرائيل جيداً أن تهديد إيران لا ينبع فقط من أجهزة الطرد المركزي، بل من منظومة فكرية وسياسية عقائدية ترى في المقاومة جزءاً من هويتها، وفي فلسطين قضية مركزية. وعليه، ترى تل أبيب أن الصناعة النووية ليست سوى عنوان لقدرات أوسع قد تغيّر ميزان القوى في الإقليم. لكن هل تكفي المراهنة على فشل المفاوضات هنا؟ الواقع أن إسرائيل تجد نفسها في مأزق متزايد التعقيد: فهي من جهة تخشى تحوّلات الإدارة الأميركية، ومن جهة أخرى تواجه واقعاً دولياً جديداً قد يساهم في تقييد الخيارات الأميركية في مواجهة إيران، الأمر الذي سينعكس على هامش تل أبيب والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه.
وعلى أي حال، يبدو الصمت الإسرائيلي كاشفاً عن قيود تفرض نفسها على أداء الكيان، في حين تُوازِن إيران بين خطاب ثابت لا يلين أمام الضغوط، وواقعية سياسية تقبل الحوار من دون تنازل عن المبادئ. وما بين هذا الصمت الإسرائيلي وذلك الصدح الإيراني، لا تزال المنطقة تمرّ بمرحلة مخاض مفتوحة على سيناريوات متعدّدة، لكنّ التطورات الأخيرة بدّدت، حتى الآن، العديد من الآمال والتقديرات الخاطئة حول موقع إيران في المعادلة، وهو الأمر الذي سيترك أثره على خرائط الردع والتأثير، وربما التوازنات أيضاً، فيما سيشكّل دافعاً إضافياً لإسرائيل لعدم التسليم بهذه النتائج.