كتب سعد الياس في 'القدس العربي':

شكّلت زيارة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع هذا الأسبوع إلى قصر بعبدا للمرة الأولى منذ انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون حدثاً بحد ذاته، وضع حداً لسلسلة التحليلات عن جفاء بين بعبدا ومعراب وعن محاولات قواتية لإضعاف موقع رئاسة الجمهورية. وجاءت هذه الزيارة لتضع حداً للتضليل والتشويش على العلاقة بين القوات من جهة والرئاسة الأولى من جهة أخرى استناداً إلى فريق العمل المحيط بالرئيس عون والذي انضم إليه أخيراً وزير “حزب الله” السابق علي حميّة كمستشار لشؤون إعادة الإعمار، وهو تعيين لم يلق ارتياحاً في صفوف الأحزاب المسيحية وفي أوساط لبنانية أخرى.

وكعادته، لم يغلّف جعجع زيارته إلى رئيس الجمهورية بعبارات مبهمة، بل دخل في صلب الموضوع وهو نزع سلاح “حزب الله”، وترافقت زيارة جعجع مع رسالة حازمة نقلها الموفد الأمريكي توم برّاك إلى الرؤساء الثلاثة في لبنان بضرورة حسم موضوع حصرية السلاح في مهلة غير مفتوحة، وأنه عائد في الأيام الأولى من شهر تموز لتلقي جواب الدولة اللبنانية، داعياً إلى تطبيق القرار 1701 وما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري حول احتكار الدولة للسلاح.

وبدا أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط التقط الإشارات حول متغيرات في المنطقة بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية والدخول الأمريكي على الخط، فوجّه بدوره رسالة إلى كل حزب لبناني أو غير لبناني بضرورة تسليم السلاح إلى الجيش اللبناني، مخالفاً وجهة نظر صديقه وحليفه الرئيس نبيه بري الذي يربط تسليم السلاح بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة في جنوب لبنان، عبر قوله “هذا السلاح لا يقدم ولا يؤخر في موضوع الانسحاب الإسرائيلي”.

وأثارت هذه المواقف حفيظة “حزب الله” الذي تحدث مجددا عن انتصار وحشد متظاهرين أمام السفارة الإيرانية في بيروت، رافعاً لافتات على طريق المطار يحذّر فيها من قطع اليد التي تمتد على السلاح، ليطل بعدها أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في أول أيام عاشوراء ليعلن “الثبات على خيار المقاومة وعدم الخضوع لأي إملاءات مهما بلغت التضحيات”، في إشارة واضحة إلى عدم اقتناع “الحزب” بعد بتسليم السلاح للدولة.

ويعيش الشيخ نعيم حالة من القلقٍ والحذر من توجّه الدولة لاحتكار السلاح وبسط سيادتها على كامل أراضيها ولعدم استخدام أركان الحكم تعبير “المقاومة” في تصريحاتهم، حيث أن الخطاب الرسمي ينحصر باسترجاع قرار الحرب والسلم والتعب من الحروب وعدم قدرة أحد على تحمّل كلفتها.

واللافت أن الشيخ نعيم خرج في الأيام الأولى لعاشوراء ليتباهى بانتصار إيران وليتحدث عن فشل أهداف الضربات الإسرائيلية والأميركية، وذلك بعد يوم واحد على توجيه تظاهرة لمناصري “الحزب” للاحتفال أمام السفارة الإيرانية، في وقت رفعت لافتات على طريق مطار بيروت تعيد التحذير من أن “اليد التي ستمتد للسلاح ستُقطع”، فيما علق البعض من اللبنانيين على هذا المشهد بالتساؤل: “عن أي انتصار يجري الاحتفال به أمام السفارة الإيرانية، فهل هو انتصار قتل العلماء والقادة الإيرانيين على يد إسرائيل أم انتصار تدمير المفاعلات النووية الإيرانية على يد القوات الأمريكية، أم لأن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لم يستطع السفر إلى أوروبا من دون الحصول على إذن من إسرائيل من أجل إتمام صفقة الانتصارات؟”.

لكن البعض الآخر يرى في الحديث الدائم عن انتصارات محاولة لحفظ ماء الوجه ولإظهار فائض من القوة وبعث رسائل للدولة اللبنانية بأن “حزب الله” لا يزال قوياً، وأن الحرب الإسرائيلية لم تفتّ من عضده ولم تغيّر التوازنات في الداخل، متجاوزاً أن أهداف الضربات لم يكن من بينها إسقاط النظام، بل تدمير المنشآت النووية الإيرانية، واغتيال قادة الصف الأول من العلماء النوويين والقادة في الحرس الثوري وهذا ما حصل بالفعل، وبذلك أصبح البرنامج النووي الإيراني من الماضي، وأصبح التوسع الإيراني في المنطقة مشلولاً بدليل التصعيد الإسرائيلي قبل يومين على محيط النبطية وكفررمان وجبل الشقيف ومعاودة اغتيال كوادر “حزب الله” من دون أن يتمكن الأخير من الرد، متسلحاً كما يقول “بالصبر والثبات”، ومحملاً الدولة الفشل الذريع في حماية لبنان.

وليس هذا حال “حزب الله” فقط بل هو حال باقي الأذرع الإيرانية التي لم تدخل الحرب في غياب توازن القوى والردع، الأمر الذي يدفع بالدولة اللبنانية التي تكثفت المشاورات بين رؤسائها الثلاثة في اليومين الماضيين إلى عدم التباطؤ في مسألة تسلم السلاح كما فعل طوعاً الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وإلا “سيبقى لبنان غارقاً في الفوضى وعدم الاستقرار وعدم الإعمار”.