اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
ما نقله وفد من المودعين عن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد لجهة تأييده فكرة إصدار قانون لإلزام من سدّد قرضاً بغير قيمته الحقيقية بدفع القيمة الحقيقية، كان ملفتاً. وحتى اليوم، تمّ تقديم مجموعة اقتراحات في هذا الشأن، لكن النقاشات لم تصل إلى نتيجة. وفي معظمها كانت تتحدث عن فرض ضريبة على المستفيدين، في حين أن سعيد تحدث عن استعادة المبالغ بالكامل. وهذا يعني استعادة 15 إلى 20 مليار دولار.
عندما أعلن حاكم مصرف لبنان أنّ الانهيار في لبنان يعتبر أزمة نظامية، إنما كان يريد أن يفتح الطريق أمام تحقيق أمرين: أوّلاً، أن تتولّى الدولة مسؤولية وضع خطة شاملة لمعالجة الأزمة، وثانياً، أن يتم إصدار قوانين استثنائية تتماهى مع هذه الخطة. إذ، وفي حالة الأزمات النظامية، لا يتم الاكتفاء بتطبيق القوانين القائمة، بل يُصار إلى إصدار قوانين خاصة بالأزمة، يتمّ تطبيقها طوال فترة المعالجة، وبعد ذلك تتمّ العودة إلى القوانين العادية.
انطلاقاً من هذه القناعة تحدّث حاكم 'المركزي' عن ضرورة صدور قانون يفرض على من سدّد قرضاً خلال الأزمة بغير قيمته الحقيقية، (لولار أو ليرة) دفع الفرق، ليصبح المبلغ المسدّد مساوياً لقيمة القرض الحقيقية.
عملياً، أدّت عمليات تسديد القروض بالليرة أو باللولار إلى انتقال الثروة من مودع إلى مقترض. وفي تقرير أصدره في العام 2022، قدّر صندوق النقد الدولي قيمة الأرباح (بالنسبة إلى المقترضين) أو الخسائر (بالنسبة إلى المودعين)، بحوالى 15 مليار دولار. وهذا المبلغ يُرجّح أنه ارتفع لأن عمليات تسديد القروض بغير قيمتها الحقيقية استمرّت بعد صدور التقرير. وهناك تقديرات بأن المبلغ وصل إلى حوالى 20 مليار دولار.
جدير بالذكر، أن قيمة محفظة القروض المصرفية للقطاع الخاص في لبنان بلغت في العام 2019، تاريخ اندلاع الأزمة، نحو 55.5 مليار دولار، منها نحو 37.5 مليار دولار بالعملات الأجنبية، و18 مليار دولار بالليرة اللبنانية.
في نهاية العام 2024، انخفضت هذه المحفظة إلى نحو 7 مليارات دولار، نتيجة لتسديد المقترضين قروضهم بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1500 ليرة للدولار أو عبر شيكات مصرفية بقيمة فعلية أقل من القروض الأصلية.
تلك القروض التي سدّدت والتي أفاد منها ليس فقط صغار المودعين الذين كانوا قد حصلوا من المصارف قبل 17 تشرين الأول 2019 على قرض سيارة أو منزل وعلقت أموالهم في المصارف وانهارت قيمة رواتبهم، وإنما كبار المستثمرين والمتمولين، وهؤلاء هم المعنيون بهذا الطرح، وهم قادرون على إعادة قيمة القروض الحقيقية، أو جزء كبير منها على الأقل.
عون يؤيد
يؤيّد عضو لجنة المال والموازنة النائب ألان عون فكرة إدخال هذا البند ضمن قانون التوازن المالي أو الـGap resolution، هذه فكرة فيها الكثير من العدالة كما قال لـ'نداء الوطن'، مشيراً إلى أن 'أموال المودعين إما ذهبت إلى لدولة أي للقطاع العام، أو كديون للقطاع الخاص من دون أن ننسى ما ذهب بسبب الفساد والهدر وغيره مما يتوجب علينا كشف المتورطين لمحاسبتهم. ولكن الديون التي أعطيت للقطاع الخاص وخاصة الديون الكبيرة التي سدّدت بمبالغ متدنّية يجب أن يُعاد النظر فيها لأنها ضاعت من أمام المودعين وهناك أفكار يمكن تطبيقها بهذا الهدف'.
وذكّر بفكرة كانت مطروحة والتي يؤيّدها، والتي تنصّ على فرض 'ضريبة الأرباح غير المتوقّعة windfall tax وهي ضريبة تُفرض من قبل الحكومات بغرض إعادة توزيع الأرباح الفائضة في قطاع معين لجمع الأموال لصالح منفعة اجتماعية عامة. وهذه الضريبة يدفعها الذين سددوا ديونهم بمبالغ أدنى من قيمتها الفعلية أي جنوا أرباحاً غير متوقعة'.
وأعطى عون مثالاً على ذلك، من كان دينه على سبيل المثال بقيمة 100 مليون دولار وسدّد دينه وفق سعر صرف بقيمة 1500 ليرة، أي بقيمة 10 مليون دولار ، حقّق ربحاً بقيمة 90 مليون دولار وهو ربح غير متوقّع وهذا المبلع 'راح من درب الودائع'.
ووفق تلك المعادلة يوضح 'من لم يسدّد دينه ولم يحقق أرباحاً لا تطاله الضريبة، ويمكن وضع سقف للقروض التي ستشملها الضريبة، هذه فكرة من الأفكار التي طرحت'.
وهنا لا بدّ من التذكير بأن حاكم مصرف لبنان بالإنابة السابق وسيم منصوري كان اقترح ايضاً فرض ضريبة لمرة واحدة على أرباح المستثمرين الذين استفادوا من فروقات تسديد القروض خلال الأزمة المالية. ويستهدف هذا الاقتراح المستثمرين الذين حصلوا على قروض كبيرة بالدولار قبل الأزمة، ثم سددوها بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1500 ليرة، مما أدى إلى تحقيق أرباح كبيرة نتيجة الفروقات في سعر الصرف .
وتهدف هذه الضريبة إلى استعادة جزء من الأموال لصالح المودعين، حيث يُقترح إنشاء صندوق خاص تُودع فيه العائدات المحصلة من هذه الضريبة، ليتم توزيعها على المودعين كجزء من مستحقاتهم . وكان من المتوقع أن تتراوح نسبة الضريبة بين 15 و 17 %، وتُفرض فقط على الأرباح الناتجة عن هذه العمليات، مع استثناء القروض السكنية أو الاستهلاكية، والتركيز على القروض الإستثمارية الكبيرة. مع ذلك، يتطلب تنفيذ هذا الاقتراح إقرار قانون من قبل البرلمان اللبناني.
رأي قانوني
تلك الاقتراحات المقدمة، والتي قد يضعها الحاكم سعيد على الطاولة للبحث هي منطقية ويمكن أن تحظى بالتوافق عليها كما حصل مع قانون السريّة المصرفية الذي أقرّ مع مفعول رجعي استثنائياً وتحقيقاً للمصلحة العامة، إلا أنه يبقى قابلاً للطعن، من الناحية القانونية .
وفي هذا السياق ورغم انه لا مفعول رجعياً عادة في القوانين التي تصدر كما يقول الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لـ'نداء الوطن'، 'من الضروري أن تعترف الدولة بمسؤوليتها وفقاً لقانون النقد والتسليف، خاصة المادة 113 التي تُلزم الدولة بتغطية خسائر مصرف لبنان'. وأضاف 'إن اعتبار الأزمة نظامية سيساهم في تسهيل مشاركة الأطراف الثلاثة في تحمل المسؤوليات، ويُفتح الباب لإقرار قوانين من بينها قانون يلزم من سدّد قروضاً بقيم غير حقيقية بإعادة دفع القيمة الحقيقية'.
وفي الوقت نفسه يشير إلى أنّ 'من أقدم على تسديد قروضه إلى المصارف، يعتبر ذلك تماشيا مع أحكام القانون لا سيما قانون النقد والتسليف وعملاً بقاعدة القوة الإبرائية للعملة الوطنية. أما اليوم فإن التلويح بإصدار قانون يمكن أن يطال هؤلاء ضمن إطار مفعول رجعي لا يستقيم مع المبدأ القانوني أنّ لا مفعول رجعياً للقوانين التي تصدر. بالتالي عندما سدّد هؤلاء قروضهم على القيمة الحقيقية يومها أبرأوا ذمتهم أصولاً، وذهب الاجتهاد القضائي أيضاً بهذا الاتجاه، رغم أن الاجتهاد القضائي العدلي الحالي عدّل في هذه النظرية. ولكن إصدار قانون اليوم يمكن أن يجرّم أو يغرّم أو يُلزم من سدّد قرضه في حينه على القيمة الرائجة حينها، لا يمكن أن يصل إلى مبتغاه لأن المجلس الدستوري سيتصدّى لأي طعن في هذا القانون في حال صدر'.
ومع ذلك، فإن إمكانية صدور قانون من هذا النوع جائز إذا أدرج في خانة القوانين الاستثنائية، والإجراءات الاستثنائية، تحت مظلّة معالجة أزمة نظامية غير مسبوقة، سبق ووصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أعظم ثلاث أزمات انهيار عبر التاريخ الحديث شهدها العالم. ومثل هذا التوصيف، من البديهي انه يتيح إصدار قوانين استثنائية لمعالجة هذا الانهيار الشامل غير المسبوق، علماً أن تلك القوانين مثل قانون السريّة المصرفية الذي صدر استثنائياً أيضاً مع مفعول رجعي، تبقى قابلة للطعن.
إذاً لكل قاعدة قانونية استثناء وهذا الاستثناء وإن تمّ العمل به كإصدار قانون إعادة أموال القروض التي سدّدت بغير القيمة الحقيقية والتي حرمت المودع من الحصول على أمواله، قد يشكّل أحد الإجراءات التي تسمح بإعادة حقوق المودعين. وفي حال التوافق حول هذا القانون الاستثنائي الذي قد يحظى بمعارضة من البعض، لن يتمّ التوقّف أمام احتمال الطعن، حتى لو توفّرت الأرضية القانونية اللازمة له، عملاً بمبدأ المصلحة العامة هي الأساس.