اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
كتبت جومانا زغيب في 'نداء الوطن':
الاعتراض على استعادة المغتربين حق التصويت للمرشحين في الدوائر التي ينتمون إليها في الوطن الأم، يعكس نوايا خبيثة تستهدف في ما تستهدف إضافة دقّ مسمار جديد في النعش العتيد للشراكة الوطنية في حال استمر المنحى الراهن، وتكريس التنكيل بالميثاق الوطني وما يعنيه من علة للبنان الوطن. وهذا الاعتراض يقوده 'الثنائي الشيعي' بشكل أساسي ويتماهى معه 'التيار الوطني الحر'. فـ 'الثنائي' يدّعي الخشية من مساهمة أصوات الاغتراب الشيعي بخاصة، كما الاغتراب غير الشيعي ولو بنسبة أقـل، في ترجيح كفة خرق لوائحه وتاليًا انتزاع مقعد أو أكثر منه، ما يحرمه حصرية تمثيل الشيعة ويضعف موقعه في رئاسة المجلس، بحيث يصبح متاحًا انتخاب نائب من خارج سطوة 'الثنائي' رئيسا للسلطة التشريعية. ومرد ذلك إلى أن المغتربين بعامة متحررون بنسبة كبيرة من هيمنة 'حزب الله' بالدرجة الأولى ومن قدرته على التهديد والوعيد والابتزاز، خصوصًا وأن شريحة لا بأس بها من المغتربين الشيعة تحديدًا، تسجل لومًا أساسيًا على 'حزب الله' الذي خاض مغامرة غير محسوبة، أودت بجنى عمر عدد كبير من المغتربين الذين عادوا إلى بلداتهم وابتنوا قصورًا وفيلّات ومنازل، أو استثمروا بعضًا من أموالهم في مشاريع مختلفة، ليجدوا أن ما بنوه بات خرابًا وضاع الرهان على قضاء ما بقي من العمر براحة وطمأنينة في لبنان.
أما خشية 'التيار الوطني' فهي تكاد تكون السبب الرئيسي ذاته، لأن 'التيار' يدرك جيدًا أن رصيده في الاغتراب متراجع بشكل ملفت، وأن الأكثرية الساحقة من المنتشرين اللبنانيين في العالم سيادية الهوى وتصب أصواتها في غالبيتها للأحزاب والقوى السيادية، ما يهدد فرصًا أو مقاعد عدة لـ 'التيار' في دوائر متنوعة، لمصلحة السياديين ولا سيما للخصم الأبرز 'القوات اللبنانية'.
على أن حسابات 'الثنائي' تختلف عن حسابات 'التيار' في البعد الفعلي للموقف، باعتبار أن 'حزب الله' يسعى إلى تكريس هيمنته العددية ولو في ظل المناصفة شكلًا، انطلاقًا من معرفته بأن غالبية المغتربين من المسيحيين، وأن شرائح واسعة منهم باتت في حالة هجرة دائمة ولن تعود إلى لبنان في ظل المعادلة الراهنة، لا سيما وأن الانتشار المسيحي بنسبة تقارب الـ 75% موجود في المغتربات البعيدة، أي في القارة الأميركية وأستراليا، بينما الواقع معكوس بالنسبة للانتشار الشيعي الذي يتركز في القارتين الأفريقية والأوروبية وفي بعض الدول العربية، وبالتالي فهو انتشار موقت، نظرًا لقرب الدول التي يقيم فيها إلى لبنان أو لصعوبة الاندماج، وبالأخص في أفريقيا.
ولذلك يراهن 'الثنائي' على إحداث المزيد من الخلل الديموغرافي عبر إضعاف صوت الناخب المسيحي في مسقط رأسه، وكأنه لا يكفي أن يكون الثنائي، من خلال الحروب العبثية التي أطلقها ومن خلال هيمنته بالسلاح على الدولة، ومن خلال مساهمته في الفساد والانهيار المريع، وراء السبب الأساسي في هجرة المسيحيين الذين يبقى همهم الأبرز الاطمئنان إلى المستقبل والعيش بحرية وكرامة وأمان.
وتقول أوساط سيادية مسيحية بارزة، إذا كانت لـ 'الثنائي' أهداف تمس بالتوازن الوطني ولا تقيم وزنًا للميثاق والشراكة خدمة لحساباته السياسية، فكيف يمكن فهم موقف 'التيار الوطني الحر' الذي يعترض على مطلب إلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب، كي يمنع الأكثرية الاغترابية من التصويت للقوى السيادية. وهو ما يبلغ حد الفضيحة لجهة التنكيل بحق المسيحيين في إيصال النواب المسيحيين بأصواتهم، علمًا أن أهل 'التيار' ما زالوا يتحدثون 'كل ما دق الكوز بالجرة' عن إيجابيات القانون الأرثوذكسي، والذي كانوا أول من أطاح به عندما مشوا بقانون الدوائر المتوسطة يوم كان لديهم الثلث المعطل، ومع حلفائهم ثلثا حكومة الرئيس ميقاتي والتي استمرت بين العامين 2011 و2014.
في أي حال، الملفت النوعي في قضية اقتراع المغتربين، هو الرفض القاطع لدى الكنيسىة المارونية لاستبعاد الصوت الاغترابي عن انتخاب المرشحين في دوائر الوطن الأم. وقد اتخذ مجلس المطارنة الموارنة موقفًا واضحًا وحازمًا في هذا الشأن بمباركة من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وتم الاتفاق على أن يتولى مطارنة الانتشار التحرك الأساسي محليًا وفي ديار الاغتراب، وفق أجندة منتظمة وبناء على حيثيات قوية ومتماسكة. وخلفية موقف الكنيسة لا علاقة لها بالسياسة وحسابات الأحزاب، بل تنطلق من اعتبارات وطنية تتصل بعناوين الشراكة والميثاق والتوازن، إذ لا يجوز كما يقول أحد المطارنة، التعاطي مع المغترب الذي هاجر قسرًا بتمييز، وهو الذي ما زال يحمل الهوية اللبنانية ويحرص على أشد الروابط مع وطنه وأهله وبلدته وتاريخه. ويكشف أن من بين الخطوات إطلاق حملة توعية وشرح لموقف الكنيسة مع كهنة الأبرشيات الاغترابية كي يتولى الكهنة بدورهم الشرح المطلوب للرعايا، بما يترافق مع حملة موازية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن إعداد مذكرات وعرائض لإبلاغها إلى أهل الحكم والقادة السياسيين، ولن تستكين الكنيسة حتى الوصول إلى إلغاء المادة التي تحمل في طياتها محاولة لإلغاء الجناح الآخر من الوطن.