اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٧ تموز ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
في دلالة واضحة على قوة المواجهة وشراستها في قطاع غزة، نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية 'حماس'، مشاهدًا توثّق تنفيذ كمين معقّد استهدف قوة إسرائيلية آليات عسكرية في وسط مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال في ضربة توصف بالأكثر دقة منذ أسابيع.
وأظهرت المشاهد إغارة مقاتلين من القسام على آليات وجنود إسرائيليين في منطقة المحطة بوسط خانيونس حيث استهدفوا دبابتي 'ميركافا' بعبوتي شواظ من المسافة صفر، كما استهدف المقاتلون ناقلة جند بقذيفة 'الياسين 105″، قبل أن يشتبك المقاتلون مع قوة الإنقاذ الإسرائيلية التي وصلت للمكان.
وتسلل 4 من مقاتلي القسام بين البيوت المدمرة في ساعات النهار حتى وصلوا إلى موضع تحرك ناقلة جند ودبابة قال أحد المقاتلين إنهما تتبعان السرية الثالثة للجيش الإسرائيلي، قبل أن تظهر دبابة أخرى في المكان.
وتقدم أحد المقاتلين في منطقة مفتوحة -حاملا عبوة شواظ- باتجاه الدبابة الإسرائيلية حتى وصل إليها وفجرها من المسافة صفر، وعاد إلى بيت مدمر كان يتمركز فيه مقاتلون آخرون. قبل أن تنفجر الآلية الثانية بينما أحد المقاتلين يهتف 'الله أكبر.. ولعت'.
بعد ذلك قام مقاتل آخر بتفجير آلية أخرى وعاد إلى زملائه حيث قاموا جميعا بالانسحاب من المكان تحت إطلاق نار كثيف من الجنود والآليات الإسرائيلية، ولاحقا، ظهر المقاتلين وهم يشتبكون بالأسلحة الخفيفة من داخل أحد البيوت مع قوة الإنقاذ الإسرائيلية التي وصلت المكان من على بعد أمتار قليلة.
ووفق محللين، فإن هذه العملية تأتي بعد أكثر من 40 يومًا من الحصار العسكري الإسرائيلي لخانيونس، في إطار حملة 'مركبات جدعون'، لتثبت كتائب القسام مرةً بعد أخرى قدرتها على المناورة الميدانية والاحتفاظ بالجاهزية القتالية في أحياء مدمّرة وتحاصرها الدبابات من جهاتها الأربع.
ويرى محللون عسكريون، أن القسام من خلال هذه العمليات المتكررة، يوجّه رسالتين مزدوجتين، تتمثل باستمرار القدرة الميدانية والتخطيط العملياتي المعقّد رغم البيئة الأمنية المشددة، والتحول من الدفاع إلى الهجوم واستنزاف الجيش الإسرائيلي داخل مناطق ظنّ أنها 'مؤمّنة'.
'أسلوب قتالي دقيق'
الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي، قال إن مصطلح 'الإغارة' الذي استخدمته كتائب القسام في وصف عمليتها الأخيرة وسط خان يونس جنوبي قطاع غزة يشير إلى أسلوب قتالي دقيق يستند إلى أسس القتال الخاص.
وأوضح الفلاحي، أن هذا الأسلوب ينفذ عبر قوة متحركة تباغت هدفا ثابتا ومحددا ثم يتبعها انسحاب فوري وسريع نحو نقطة آمنة، وتكون هذه العمليات مدعومة بفرق مساندة تكلف بمهام الحماية والستر، إلى جانب قاعدة تنطلق منها القوة المهاجمة وتعود إليها بعد التنفيذ.
وأشار إلى أن ما حدث في خان يونس يحمل مؤشرات واضحة على أن العملية كانت معقدة وناجحة، خصوصا أن الاشتباكات التي أعقبتها استمرت 5 ساعات متواصلة، ومنعت قوات الاحتلال من تنفيذ عملية إخلاء سريعة للقتلى والجرحى، في ظل كثافة النيران وصعوبة السيطرة الجوية.
وبشأن تصاعد العمليات في خانيونس تحديدا، رأى الفلاحي أن الموقع الجغرافي للمدينة واتساع مساحتها وتداخل بنيتها التحتية عوامل تجعل منها مسرحا ملائما للقتالات الخاصة، مشيرا إلى أن طبيعة الأرض هناك تفرض على جيش الاحتلال الإسرائيلي خوض معارك مزدوجة فوق الأرض وتحتها في آن واحد.
ولفت الفلاحي إلى أن تضاريس المنطقة وتراكم الأنقاض يتيحان للمقاومة تنفيذ عمليات مباغتة، مستفيدة من إمكانات التستر والتخفي، كما أن الأنفاق تعد عنصرا مفصليا في هذه المعادلة، إذ تمكن المقاتلين من الوصول إلى مناطق التماس دون رصد مسبق.
وبيّن العقيد الفلاحي أن الإصرار الإسرائيلي على البقاء في خان يونس رغم الخسائر يعكس رغبة في التوغل إلى عمق المدينة، استنادا إلى ما تدّعيه من سيطرة على مساحات واسعة هناك، لكن التكلفة المرتفعة المترتبة على ذلك قد تعيق هذا التوجه.
وأضاف أن الجيش إذا قرر توسيع عملياته فسيصطدم بجملة من التعقيدات، أبرزها الكثافة السكانية ومخاطر المساس بالأسرى وصعوبة القتال في الأحياء الحضرية الضيقة التي لم تُخترق بالكامل في السابق، فضلا عن ضيق الوقت السياسي الممنوح للعمليات الميدانية.
وأشار الفلاحي إلى أن المقاومة أثبتت خلال الأشهر الماضية كفاءة قتالية متنامية في حرب المدن، وأنها تمكنت من تحويل التوغل الإسرائيلي إلى عبء عسكري مستنزف عبر عمليات نوعية متواصلة منذ منتصف مايو/أيار الماضي طالت وحدات الاحتلال بشكل يومي تقريبا.
'ذروة استنزاف جيش الاحتلال'
ومن جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن المقاومة الفلسطينية وصلت إلى ذروة استنزافها لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، معتمدة على تكتيكات متقنة لحرب العصابات تجمع بين الرصد الدقيق والكمائن المركبة والمباغتة القتالية، وذلك يجسد -برأيه- روح الجرأة والمبادرة التي لم تتوقف منذ بدء الحرب.
وأوضح الدويري، أن الفصائل الفلسطينية تبدي إصرارا غير مسبوق في مواجهة الاحتلال، مشيرا إلى أن الجرأة التي يتحدث عنها جيش الاحتلال ليست طارئة، بل هي السمة الملازمة لأداء المقاومة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ لم تنقطع الاشتباكات والعمليات النوعية إلا خلال فترات التهدئة المؤقتة.
واعتبر أن كل طرف من أطراف الصراع يبذل أقصى جهده العسكري لتقوية موقفه في أروقة التفاوض، خاصة مع التلميحات إلى اقتراب اتفاق تهدئة محتمل، مما يجعل الميدان يشهد تصعيدا محسوبا من الطرفين.
وتعليقا على أسلوب العمل الميداني للمقاومة، قال اللواء الدويري إن فصائل المقاومة اضطرت إلى تطوير تكتيكاتها استنادا إلى متغيرات الميدان، مشيرا إلى أن ما يسمى بمرحلة 'عربات جدعون' التي دخل بها جيش الاحتلال تمثل المرحلة الثالثة من العملية البرية، والتي واجهتها المقاومة بتحول كامل نحو حرب استنزاف.
وبيّن أن هذا النوع من الحرب يعتمد على الكمائن المتحركة والثابتة، وعلى عمليات الإغارة المفاجئة التي تقوم على الرصد والمباغتة، مؤكدا أن عناصر المقاومة يظهرون من مواقع خفية كالأنفاق أو بين الأنقاض ويشنون الهجمات في لحظات حاسمة.
ووصف الدويري المرحلة الحالية بأنها ذروة استنزاف الجيش الإسرائيلي، لافتا إلى أن عمليات نوعية نُفّذت في الأسبوعين الماضيين أبرزت قدرة المقاومة على إلحاق أذى فعلي بقوات الاحتلال، مستشهدا بلقطات مصورة لمقاتل صعد على دبابة وأدخل عبوة ناسفة أدت إلى حرق من بداخلها، وكذلك بمقاتل آخر دمر دبابة وتعامل مع قوة نجدة خلال 5 ساعات كاملة.
واعتبر أن من أبرز ما نفذ هو كمين الشجاعية الذي بثت سرايا القدس تفاصيله، مؤكدا أن هذا النوع من العمليات يستحق أن يدرّس عسكريا نظرا لدقته وتعقيده، وقال إن الكمين جسّد حرفية عالية في الإعداد والتنفيذ، وهو نموذج للتطابق المثالي بين الخطة العسكرية والتطبيق الميداني.
ويرى الدويري أن السر في تفوق المقاومة يعود إلى قدرتها الاستباقية، مشيرا إلى مثال من فيديو الشجاعية الذي أظهر حفر نفق فرعي في 3 أيام فقط للوصول إلى نقطة تنفيذ الكمين، بعد مراقبة دقيقة لتحركات قوات العدو، مما يعكس درجة عالية من التخطيط المدروس.
وأضاف أن ما ميز العملية أيضا هو توزيع الأدوار بين فرق الاستطلاع والهجوم والمساندة، إذ تولت كل مجموعة مهامّ دقيقة بأسلحة متنوعة، مما ضاعف من فرص نجاح الكمين وأربك محاولات الإنقاذ.
وأكد أن في أكثر من 80% من العمليات القتالية عادة ما تعدّل الخطط ميدانيا استجابة للمتغيرات، لكن في هذه الحالة نجحت المقاومة بتنفيذ الكمين طبقا للخطة من دون أي تغيير، مشددا على أن ذلك يعكس استشرافا عملياتيا متقدما وفهما عميقا لطبيعة تحرك العدو وتكتيكاته.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تتسارع فيه الاتصالات السياسية بشأن التوصل إلى اتفاق تهدئة، إذ أعلنت حماس تسليم رد 'إيجابي' للوسطاء، وسط ترقب لزيارة مرتقبة لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن يوم الاثنين المقبل.