اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٩ أيار ٢٠٢٥
ساعات فقط فصلت بين استقبال الشهيد الصحفي يحيى صبيح (32 عامًا) لصرخة الحياة الأولى لابنته، واحتضانه لها في صورة نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي مرحّبًا بها إلى أسرته، وبين استشهاده في إثر غارة إسرائيلية غادرة أدّت إلى ارتقائه شهيدًا.
وكان الشهيد صبيح يُحضّر مفاجأة لوالدته بأنه سمّى مولودته 'سناء' تيمنًا باسمها، لكن تلك المفاجأة السارة لم تكتمل، فبدلًا من السعادة بالاسم والمولودة الجديدين، جاءها ابنها يحيى شهيدًا محمولًا على الأكتاف!
ولم يكن يحيى وحيدًا، بل أخذ معه كل الأحباب – كما يبين شقيقه الوحيد يوسف – فقد استُشهد برفقة ابن عمه وزوج شقيقته، الشهيد رامي صبيح، وصديق عمره الذي تعتبره عائلتهم ابنًا لها، يوسف العفري.
وإذ يأمل يوسف – الذي كان وقع الصدمة عليه كبيرًا – ألا يكون يحيى مجرد رقم، بل أن يظل مذكورًا بين الناس كصحفي بارع لم يبرح التغطية يومًا طوال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، موقنًا بأن الحياد في ظل المقتلة التي يمر بها أبناء شعبه جريمة.
وقد كتب الله النجاة ليحيى عدة مرات أثناء عمله الصحفي خلال الحرب، لكنه كان مصرًّا على المضي في أداء رسالته مهما كانت الظروف. يقول يوسف بصوت متقطع لـ 'فلسطين أون لاين': 'كانت أصعب تلك الظروف عندما حوصرنا في الحصار الإسرائيلي الأول لمشفى الشفاء، لكن رغم كل شيء رفض يحيى النزوح من غزة إلى الجنوب، وبقينا صامدين هناك'.
وفي بيت يحيى القريب من مفترق فلسطين، تجمّعت العائلة بأكملها. 'لقد فتح بيته للقريب قبل البعيد، ممن لم ينزحوا إلى جنوب القطاع. عشنا كل مرارات الحرب معًا'.
ويحيى هو الأخ الوحيد ليوسف، الذي يقول: 'لم يكن مجرد شقيق، بل أبًا وصديقًا وداعمًا وملهمًا. كان لي كل شيء. كنت أرافقه في عمله وأحضر له كل ما يحتاجه. عشر دقائق فقط فصلتني عن الشهادة معه'.
ويضيف: 'كان يحيى قد اتصل بي لأجلب له بعض المعدات الصحفية. طلبت منه أن يمهلني عشر دقائق فقط لإنجاز مهمة أخرى لدي، وفي تلك اللحظات جاءتني شقيقتي لتخبرني بأنه تم استهداف يحيى'.
ويمضي بالقول: 'لم يستهدفوا يحيى فقط ويُيتِّموا أطفاله الثلاثة براء وكنان وسناء، بل استهدفوا معه أيضًا أبناء عمي وأشقاء روحي؛ فقد استُشهد رامي، وهو زوج شقيقتي التي استُشهدت في بداية الحرب، ليُصبح أطفالهما الخمسة بلا أب أو أم، في حين يعاني شقيقنا محمد إصابة خطيرة يرقد على إثرها في المستشفى'.
وبرفقة رامي أيضًا، استُشهد رفيق دربه يوسف الغفري. 'لم يكن يوسف صديقًا ليحيى فقط، بل أخًا لنا. افتتحا سويًا شركة إنتاج إعلامي قبيل الحرب بأسبوع فقط، وجعلها الاحتلال ركامًا عندما استهدف برج وطن حيث مقرّها'.
ورغم كل المخاطر التي مر بها يحيى أثناء عمله الصحفي خلال الحرب، فإنه لم يتوقف عن أداء مهمته يومًا، فهو المجال الذي يعشقه ويوقن بأنه يوصل رسالة شعبه وغزة الجريحة إلى العالم. 'كنا نخشى في أي لحظة أن يصلنا خبر استشهاده، لكن لم نتوقع أن يكون الأمر بهذه القسوة... في يوم ميلاد ابنته'.
ويقول يوسف بصوت متحشرج: 'قبلها بساعات فقط، كنت قد اتصلت به مهنئًا بميلاد ابنته التي كان سعيدًا بها جدًا، واليوم أنا وحيد بلا شقيقي ورفيق دربي وصديق عمري الذي لم نكن نفترق إلا قليلًا'.