منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تغيرت حياة مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في القطاع، بعدما وجدوا أنفسهم مجبرين على النزوح والعيش في خيام تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة.

ورغم انتهاء الحرب، فإن المعاناة لم تنتهِ، فقد أدى التدمير والقصف الإسرائيلي إلى فقدان مئات الآلاف من الأسر منازلها وكل ما تملك، مما أجبرها على العيش بين الأنقاض أو في خيام بالية، في انتظار إعادة الإعمار أو على الأقل إيجاد حلول سريعة.

ويعيش نحو 1.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة بلا مأوى، وسط ظروف إنسانية قاسية، وفق معطيات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في ظل تنصل حكومة الاحتلال من التزاماتها وتعهداتها وفق اتفاق وقف إطلاق النار، لا سيما إدخال البيوت المتنقلة والآليات الثقيلة لإزالة الركام.

وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية، تطالب الأسر الفلسطينية الجهات الدولية والمؤسسات الإنسانية بالإسراع في إيجاد حلول عاجلة لمعاناتها، مثل إدخال بيوت متنقلة وإعادة الإعمار، لتخفيف معاناتها وتوفير حياة كريمة للأطفال والعائلات التي دُمرت حياتها بسبب الحرب.

'فقدنا كل شيء'

السيدة الخمسينية، أم وائل عز الدين، من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، واحدة من مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية التي اضطرت للعيش في خيمة، بعد أن فقدت كل شيء جراء حرب الإبادة التي دمرت منزلها.

استشهد زوجها في قصف إسرائيلي أثناء حصار مخيم جباليا نهاية العام الماضي، بينما استشهد نجلها وائل أثناء بحثه عن الطعام لأسرته في ظل المجاعة التي شهدها قطاع غزة في ديسمبر 2023.

ولم تتوقف معاناة أم وائل عند هذا الحد، بل اعتقل الاحتلال نجلها الثاني بلال، بينما أصيب نجلها الثالث يوسف بجراح خطيرة في الرقبة، وما زال يعاني من مشاكل في الأوتار نتيجة الإصابة.

تروي أم وائل بمرارة لـ 'فلسطين أون لاين': 'قبل الحرب، كانت حياتنا جيدة، وكنا نعيش بأمان، لكن القصف دمر كل شيء. فقدت زوجي وأبنائي، ومعاناتنا لا تنتهي'.

كان تدمير المنزل صدمة كبيرة لها ولعائلتها، إذ فقدوا ليس فقط المكان الذي كان يمثل لهم الاستقرار، بل أيضًا كل ذكرياتهم وأحلامهم.

اليوم تعيش عز الدين 'حياة صعبة للغاية'، كما تصفها، في أحد مخيمات النزوح في مدينة غزة مع اثنين من أبنائها وابنتيها وطفلة إحدى ابنتيها. تقول: 'نعاني من نقص في الأغطية والفرش. ليس لدينا سوى ثلاث فرشات، ولا يوجد لدينا أي مصدر دخل. اضطررت لبيع أنبوبة الغاز وكيس من الطحين لتوفير النقود وشراء بعض احتياجات أسرتي'.

كومة ركام

حال السيدة الستينية أم سلمان حتحت، من سكان حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، لا يختلف كثيرًا، إذ نزحت إلى جنوب القطاع مع بدء الحرب الإسرائيلية، لكن عندما عادت إلى منزلها، وجدته قد تحول إلى كومة من الركام.

تقول أم سلمان لـ'فلسطين أون لاين': 'كان منزلي بسيطًا للغاية، لكنه كان يوفر لنا حياة مريحة، وكان يمثل لنا الأمان، لكن مع القصف الإسرائيلي، أصبح كل شيء مدمرًا في لحظة'.

تعيش السيدة الستينية مع زوجها المريض في خيمة داخل أحد مخيمات النزوح وسط مدينة غزة، وتعاني من العديد من المشاكل الصحية مثل الغضروف المزمن، إضافة إلى مشاكل زوجها الذي يعاني من السكري وارتفاع ضغط الدم ومشاكل في وظائف الكلى.

تشكو من انتشار القمامة التي تحيط بالخيام، حيث ينتشر الذباب والفئران في كل مكان. تضيف: 'الحياة هنا صعبة جدًا، ونحن في خوف دائم من الأمراض بسبب انعدام النظافة وانتشار القمامة من كل مكان'.

وتكمل: 'في المنخفض الجوي الأخير، غرقت خيمتنا، وابتلَّ كل فراشنا بالماء. الآن، نحن نعيش في خوف من أن نغرق مجددًا مع قدوم المنخفضات القادمة'، مطالبةً الجهات المختصة بضرورة توفير 'كرفانات' بأسرع وقت لحمايتهم من برد الشتاء وحر الصيف وتحسين ظروف حياتهم.

أمان واستقرار مفقودان

أم إسلام جبر، من مخيم جباليا، فقدت منزلها المكون من أربعة طوابق في الاجتياح الإسرائيلي للمخيم في نوفمبر الماضي، واضطرت للجوء مع أبنائها وزوجها إلى أحد مخيمات النزوح في مدينة غزة.

كان المنزل يمثل لها أكثر من مجرد مكان للإقامة، فقد بنته على مدار ثلاثين عامًا، حجرًا بعد حجر، ليصبح ملاذًا آمنًا لها ولعائلتها. تقول أم إسلام لـ'فلسطين': 'منذ بداية الحرب رفضت الخروج من منزلي، رغم القصف الإسرائيلي العنيف، وأصررت على البقاء، ولكن مع الاجتياح الإسرائيلي وتدمير مخيم جباليا، اضطررت للخروج تحت القصف والتدمير'.

فقدت أم إسلام 47 فردًا من عائلتها في الحرب الإسرائيلية، وكان ذلك أكبر صدمة في حياتها. تضيف بحزن: 'لقد فقدت إخوتي وأخواتي وزوجاتهم وأبناءهم. الاحتلال أخذ منا أغلى ما نملك، وما لا يمكن تعويضه'.

كانت أم إسلام قد عاشت في منزلها لثلاثة عقود، حيث بنته 'طوبة طوبة' على مدار سنوات طويلة، ولكنه تحول إلى أنقاض في لحظة واحدة. تكمل: 'عشت أجمل أيام حياتي في منزلي، لكن الاحتلال دمره بلا رحمة. كنت أتمنى أن يبقى جزء منه، على الأقل غرفة واحدة، ولكن للأسف، دُمر كل شيء'.

حياة الخيمة، كما تقول أم إسلام، مليئة بالصعوبات. لا تقتصر معاناتها على الظروف المعيشية، بل تمتد إلى حالة زوجها المريض الذي يعاني من ضغط الدم، مما يجعل الحياة أكثر صعوبة.

ابنتها سارة (8 سنوات) تختصر المأساة بقولها: 'كانت حياتنا جميلة قبل الحرب. كان لدينا ألعاب، وكنا نذهب إلى المدرسة، أما الآن، فقد انتهى كل شيء، ودُمر البيت'.

تتمنى أم إسلام العودة إلى منزلها، والعيش في الأمان والاستقرار اللذين فقدتهما. تقول: 'أفتقد كل شيء في بيتي، كل أحلامي كانت هناك. أرجو أن أتمكن من العودة إلى حياتي الأولى، حيث الأمان، وأرى أولادي يكملون دراستهم'.

ورغم الآلام التي تعيشها، إلا أن السيدة الفلسطينية لا تفقد الأمل، فهي تواصل التمسك بحلم العودة إلى بيتها، وإعادة بنائه مجددًا.