أطلقت الحرب في قطاع غزة، بحسب إعلام عبري، عمليات في دول المنطقة سيستغرق فك شفراتها سنوات طويلة في المستقبل، ومصر هي الدولة الأكثر تأثرا بالحرب في غزة من أي دولة عربية أخرى.

وذكرت السفيرة الإسرائيلية السابقة في مصر، أميرة أورون، في مقال أن 'مصر كلاعب إقليمي مركزي، هي الدولة التي تأثرت بالحرب أكثر من أي دولة عربية أخرى. السبب المباشر يعود إلى حقيقة أن الحرب تدور على عتبة بابها – الحدود المشتركة بين قطاع غزة وسيناء'.

وأضافت: 'بعد 18 شهرا من الحرب، سيكون من الصحيح تقييم تأثيرها على مكانة مصر الإقليمية، التي تتغذى أيضا من علاقاتها مع إسرائيل من جهة ومع المعسكر الفلسطيني، المكون من السلطة الفلسطينية وحماس، من جهة أخرى، وكذلك الروابط القائمة ضمن نسيج هذه العلاقات. الحرب عكست بشكل حاد تعقيد العلاقات بين مصر وإسرائيل والفلسطينيين، الذي كان قائما منذ بداية إقامة العلاقات بين الجانبين في معاهدة السلام الموقعة قبل 46 عاما، في 26 مارس 1979'.

وأكدت أن 'مراقبة أشهر الحرب في منظور زمني طويل للسلوك المصري، مع التركيز على سياستها الخارجية، يسمح بتحديد أن الحرب عززت وأبرزت الرؤى القائمة فيما يتعلق بمكانتها الإقليمية، وعلاقاتها مع اللاعبين الثلاثة الرئيسيين في القضية الفلسطينية – إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس'.

ولفتت في المقال إلى أن 'مكانة مصر القيادية في ساحة الشرق الأوسط هي مبدأ أساسي في السياسة الخارجية المصرية، التي تسعى لتعزيزه والحفاظ عليه. هذه المكانة برزت في أعقاب عمليات التفكك التي تمر بها سلسلة من الدول العربية في العقدين الأخيرين، وخاصة بعد أحداث الربيع العربي'.

وأضافت: 'ترى مصر نفسها كالدولة القائدة في العالم العربي بسبب حجمها وماضيها الطويل الذي يمتد لآلاف السنين والذي كانت فيه موجودة كوحدة سياسية كما نعرفها اليوم، وبفضل قوتها السياسية والعسكرية. كذلك، قوتها الناعمة، المتجسدة في ممتلكات ثقافية مثل فن السينما، الموسيقى وكذلك مؤسسة الأزهر التي تمنح القاهرة تأثيرا كبيرا على جماهير واسعة في الدول العربية والدول الإسلامية. كما أن مقر جامعة الدول العربية يقع في العاصمة والأمين العام الذي يرأس المنظمة يكون وزير خارجية مصري سابق'.

عنصر آخر مهم يساهم في مكانة مصر الإقليمية هو شبكة العلاقات الواسعة التي تحافظ عليها وتعززها مع العديد من دول العالم، في مناطق جغرافية مهمة مثل دول إفريقيا، الاتحاد الأوروبي، دول البحر المتوسط وكذلك المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمات الأمم المتحدة. ولمصر أيضا شبكة علاقات مهمة ومعقدة مع الولايات المتحدة، التي ولدت من القرار التاريخي للرئيس أنور السادات بالتحرر من الارتباط بالاتحاد السوفيتي. هذه الشبكة من العلاقات تلقت دفعة بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، وهي تتجلى في مجالات عديدة: العسكري-الأمني، في شكل شراء معدات وأسلوك وكذلك تدريب، تعاون اقتصادي يشمل تطوير مشاريع مختلفة في مصر بمساعدة الولايات المتحدة، نشاط في المجال التعليمي والأكاديمي وغيرها'.

إلى جانب ذلك تواصل مصر تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، وكذلك مع قوى أخرى منها الهند، في إطار أجندة مشتركة لمجموعة دول الجنوب العالمي. هذه العلاقات تسمح لمصر بقيادة سياسة خارجية موجهة نحو الجهد الاقتصادي الرئيسي الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي – تطوير شامل للدولة المصرية في إطار رؤية الجمهورية الجديدة التي وضعها. مصر تحتاج لاستثمارات ومساعدة من المجتمع الدولي. مكانتها الإقليمية البارزة وصورتها المستقلة والمتوازنة تساعد كثيرا في تحقيق هذه الأهداف.

ولفتت السفيرة الإسرائيلية إلى أن 'إقامة العلاقات مع إسرائيل منحت مصر القدرة على الدخول في حوار مع كل الأطراف – الدول العربية، الفلسطينيين وإسرائيل، ودول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة. مثال بارز على ذلك هو جهود الوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس في العقدين الأخيرين في إطار جولات القتال في غزة، الحرب في قطاع غزة عززت كل خصائص المكانة الإقليمية لمصر وأكدتها من جديد'.

برلماني مصري يحذر إسرائيل من حرب مدمرة ويوجه رسالة واضحة لنتنياهو ـ فيديو

وأوضحت 'جمعت مصر عدة مرات قادة الدول العربية لتنسيق موقف عربي مشترك بشأن الحرب، الذي تمحور حول دعوة لوقف فوري لإطلاق النار والتوجه لإعادة إعمار القطاع. مصر أيضا وقفت خلف قمة القاهرة للسلام في 21 أكتوبر 2023 وقمة الطوارئ العربية التي عقدت مؤخرا، في 4 مارس، في القاهرة. سميت قمة فلسطين، وفيها تمت المصادقة على الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة. كما أنها كانت شريكا رئيسيا في كل تجمعات قادة العرب في أطر أكثر ضيقًا، وعلى رأسها مجموعة الدول العربية الست التي تدفع بالقضية الفلسطينية: مصر، الأردن، السعودية، الإمارات، قطر والسلطة الفلسطينية. واستضافت عشرات الزيارات لرؤساء دول ووزراء خارجية قدموا إلى القاهرة للتشاور وصياغة سبل عمل بشأن الحرب'.

بالإضافة إلى ذلك، الرئيس السيسي ووزراء الخارجية المصريون سامح شكري وبدر عبد العاطي قاموا بزيارات لعواصم عديدة في العالم وشاركوا في العديد من المنتديات، التي سعوا خلالها لإنهاء الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967.

وفي مهمة الوساطة بين إسرائيل وحماس، تلعب مصر دورا مركزيا يشمل طرح مبادرات ومقترحات لتسوية توقف إطلاق النار، ولو مؤقتا، وتؤدي لإطلاق الأسرى كشرط ضروري لمرحلة تقديم المساعدة وإعادة إعمار القطاع. من المهم ذكر أن موقف مصر الحازم ضد الهجرة القسرية لأهالي غزة إلى أراضيها تم تبنيه بالإجماع من قبل الدول العربية وكذلك العديد من دول العالم. وناقشت مصر مع الإدارة الأمريكية لتثبيت هذا الموقف، كجزء من الخطة التي قدمتها في القمة العربية.

وأضافت السفيرة الإسرائيلية: 'لفهم موقف مصر من إسرائيل والسلام معها، يجب ذكر سمتين رئيسيتين – علاقات السلام تتأثر بالقضية الفلسطينية، ما أدى لصعود وهبوط في العقود الخمسة من السلام بينهما. بالإضافة إلى ذلك، هناك فجوة في الموقف من إسرائيل بين موقف النظام وموقف الجمهور. على مدار أشهر الحرب، قيادة مصر أعادت التأكيد على التزامها بمعاهدة السلام مع إسرائيل، لأنها عنصر مهم في الأمن القومي المصري. هكذا أيضا يتم عرض الأمور من قبل المحللين والصحفيين الكبار، وكذلك أمام الجمهور المصري'.

وتابعت: 'الرئيس السيسي أكد مرارا في كلماته، مثلا خلال القمة العربية الأخيرة، على حل الدولتين ورفع أيضا معاهدة السلام مع إسرائيل كمثال يستحق التحول من حالة عداء إلى سلام دائم. مع ذلك، وزارة الخارجية المصرية نشرت عشرات الإدانات للنشاط العسكري في قطاع غزة، الذي يتم تصويره كعنيف وصعب وكما يؤدي لقتل وتدمير كبيرين، وكذلك للنشاط الإسرائيلي على أراضي لبنان وسوريا'.

مصر لإسرائيل.. استئناف الحرب تصعيد خطير

ولفتت إلى أن 'الإعلام المصري والجمهور المصري عبروا بأقسى العبارات ضد إسرائيل، حكومتها وجيشها. كثيرون وصفوها بالكيان الصهيوني، التي تتسم سياستها بالتطرف والقسوة، ونسبوا لها رغبة في طرد الفلسطينيين مع تنفيذ مجزرة بل وإبادة جماعية، سعيا للسيطرة على الأراضي العربية أينما كانت'.

وبحسب السفيرة: 'ترى القاهرة أن مرحلة حيوية وضرورية ستساعد في دفع إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل هي المصالحة بين حركة فتح وحماس، ولأجل ذلك استثمرت جهود وساطة مطولة. مصر تدرك الحاجة لإجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية وحركة فتح، كما يظهر من الخطة لإعادة إعمار قطاع غزة التي قدمتها مصر في القمة العربية، والتي تشمل دعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس لفتح آليات ومؤسسات فلسطينية. مصر أيضا أعربت عن استعدادها لتدريب أجهزة الأمن التابعة للسلطة استعدادا لدخولهم قطاع غزة، كجزء من تحمل المسؤولية عنها'.

وأشار المقال إلى أنه 'كما في الماضي، أيضا خلال الحرب يجري تفاوض بين أجهزة الأمن المصرية وحماس لتحقيق وقف لإطلاق النار وإطلاق الأسرى الإسرائيليين. السلطات المصرية لا ترى في حماس جهة حاكمة شرعية في حياة القطاع في المستقبل، كجزء من مبدأ الدولة الذي تم تفصيله سابقا. النظام المصري وحتى الجمهور المصري يميزون بين حماس وسكان القطاع'.

وأضافت: 'تقود مصر جهدا مطولا لإدخال مساعدة لسكان غزة، وكذلك لوقف القتال لتجنب قتل أبرياء. على مدار أشهر الحرب، قاد بعض المحللين الكبار حملة عدائية ضد حماس واتهموا منظمة الإرهاب بالخراب والدمار الذي لحق بسكان غزة. هذا الاتجاه توسع في الأشهر الأخيرة كجزء من سياسة الضغط التي تمارسها مصر ضد حماس. العديد من المحللين عرضوا المعادلة التي تقول إن إنقاذ القضية الفلسطينية من الاختفاء، في أعقاب خطة ترحيل ترامب، يتطلب إخراج حماس من القطاع'.

واختتمت السفيرة قائلة: 'من المهم التذكير بأنه رغم أن الحرب الممتدة هي اختبار حاسم لعلاقات السلام بين إسرائيل ومصر، إلا أن تل أبيب والقاهرة تعبران عن التزامهما بمعاهدة السلام وقنوات الاتصال الرسمية بين الدولتين تعمل وتؤدي غرضها. من المأمول أن يتطور هذا الحوار بعد انتهاء الحرب لصالح عيش مشترك في سلام وأمن'.

المصدر: القناة 12 العبرية