هل هناك بدائل مُتاحة عن قرار التفاوض، يملكها لبنان؟ سؤال جوهري، تردّد في الأروقة السياسية في الساعات الماضية، بعد اتخاذ رئيس الجمهورية ​جوزاف عون​، القرار، بتكليف السفير السابق سيمون كرم، تمثيل لبنان على طاولة '​ميكانيزم​'.

يقول مطّلعون لـ 'النشرة' ان الواقع خطير، جرّاء مواصلة إسرائيل استهدافاتها في لبنان، والتهديد بتوسيع الحرب، مما دعا المسؤولين اللبنانيين إلى التداول بطروحات عدّة، لوقف الحرب: هل يمتنع لبنان عن التجاوب مع الطلبات الاميركية؟ وما هي التداعيات؟ أي سبيل يؤدي إلى منع الحرب؟ هل يرفع لبنان مستوى تمثيله في لجنة 'ميكانيزم'، لمحاولة احراج تل ابيب، وقطع الطريق على رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يريد تنفيذ اجندة خاصة، عبر توسيع الحرب على لبنان؟

جرى التداول في الأسابيع الماضية، بسيناريوهات عدّة، كان فيها رئيس الجمهورية حريصاً على اشراك رئيسي مجلس النواب نبيه برّي، والحكومة نوّاف سلام، بكل ما يتعلّق بالتفاوض ومحاولات وقف الحرب.

يوضح المطّلعون، أن 'الرئيس عون يتخذ قراراته الاستراتيجية، بحسب ما ينصّ عليه الدستور، لكنه يبدي الحرص على ابقاء ​التوازن الوطني​ قائما، لأن قراراً بحجم التفاوض، يحتاج إلى بيئة لبنانية حاضنة'. لذا، جاء قرار الاستجابة للتمنيات الاميركية، بتعيين شخصية مدنية في لجنة 'ميكانيزم'، التي أصرّ برّي تحديداً، على عدم الخروج عن إطارها التقني. بينما توجّه الرئيس عون إلى تسمية شخصية، من خارج الاطار الرسمي، اي لا وزير، ولا مدير عام، بل سفير سابق.

لكن، وما إن سمّى رئيس الجمهورية، كرم، بناء على التشاور والتنسيق مع برّي و سلام، حتى بدأت المزايدات، وشن الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، بإتجاه القرار، والإدّعاء انه تطبيع مع إسرائيل. وهو امر مجاف للحقيقة.

من يقف وراء تلك الحملات؟ حاولت 'النشرة' رصد الإشارات، فتبيّن ان '​حزب الله​' لم يعلّق، ولم يوجّه، بل التزم الصمت. بينما كانت التهجّمات من جانب مزايدين على الحزب، ومن صفوف جمهوره، تستهدف بري، مما استدعى من أنصار حركة 'امل'، الردّ بقوة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعادة تصويب البوصلة.

لكن، رئيس المجلس النيابي، كان يكرّر التزاماته: لجنة 'ميكانيزم' تقنية لا غير. ولا خروج عن الاهداف التي حددها لبنان، انطلاقاً من وقف الحرب، وانسحاب إسرائيل، وعودة المهجرين إلى بلداتهم، وإطلاق الاسرى. وطالما الأمر كذلك، لماذا لم يستقبل بري، كرم؟ هل بسبب تلك المزايدات؟

ومن هنا بالذات، برزت اسئلة: ماذا يريد المزايدون؟ وهل هناك بدائل عن التفاوض؟ وهل هم اساساً يريدون الحرب؟ وهل يبقى لبنان يدور في فلك الاستهدافات الاسرائيلية ليتفرّج على سقوط مزيد من الضحايا والتدمير؟ فإذا كانوا قادرين على المواجهة، وتقبّل خسائر الحرب، فإن اغلبية اللبنانيين لا تريد حرباً.

يقول المطّلعون، إنّ القرار الذي اتخذه الرئيس عون، هو محاولة جدّية لمنع توسيع الحرب، وتحقيق اهداف لبنان، بدءاً من ​انسحاب اسرائيل​ وعودة الجنوبيين إلى منازلهم واراضيهم.

لكن ذلك، لا يعني ان إسرائيل سوف تبدّل اجندتها، لأنها تنطلق من قناعتها بأنها ربحت الحرب، وانها تريد فرض شروطها. والدليل، هو ما تفعله بكل اتجاه في الاقليم: يمكن اخذ الساحة السورية نموذجاً في هذا المجال، حيث امتنعت تل ابيب عن الانسحاب، وتسعى لفرض شروطها، ودعم مشروع انفصال السويداء.

ويضيف المطّلعون، ان المشكلة حالياً، عند الذين يرفضون التفاوض، لان معاييرهم لم تتقبل المتغيرات التي جرت، ولا تعترف بحقيقة ان لبنان يدفع ثمن نتيجة الحرب.

بالمحصلة، مضى لبنان إلى الامام بقرار التفاوض، ولن يشذّ عن مسار رسمه، ولن ينجرّ خلف رغبات إسرائيل، كما يستوجب ​دعم رئيس الجمهورية​ في قراراته، وعدم المزايدة على رئيس مجلس النواب، خصوصاً ان سلوك الرجلين وطني بالكامل، ويسعيان مع سائر اللبنانيين، لإنقاذ البلد.