اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ حزيران ٢٠٢٥
من موريتانيا على المحيط الأطلسي في الغرب، وحتى مصر العربية على ضفاف البحر الأحمر شرقاً، تحركت قافلة صمود غزة بأبعادها الإنسانية والسياسية والاستراتيجية، مروراً بالمغرب والجزائر وتونس وليبيا، في رسالة مكتوبة باللغة العربية الفصحى، لغة التاريخ الواحد، والجغرافيا المترابطة، رسالة تقول: تسقط اتفاقية سايكس بيكو، الاتفاقية التي جعلت الشعوب العربية أسرى للخرائط الجغرافية التي وقع عليها المستعمر الإنجليزي ساكس، والمستعمر الفرنسي بيكو، اتفاقية قسمت الأمة العربية قبل أكثر من مئة سنة، إلى 22 دويلة صغيرة لا تمتلك من أمر سيادتها وسلطتها على مواردها إلا قليلاً، 22 دولة عربية مشحونة بالقبلية والعصبية والمذهبية والعرقية التي عمقت انقسام الأمة، وأضعفت من تأثيرها وحضورها بين الأمم، ورهنت مستقبلها في يد أعدائها الذين حرصوا على مواصلة تمزيقها، بل حرصوا على تقديس فكرة الانقسام حتى صار عبادة.
قافلة صمود غزة لا تحمل الطعام ولا الشراب ولا الدواء ولا الكهرباء لأهل غزة، تلك القافلة التي نظمتها الهيئة التنسيقية لكسر الحصار ومقرها تونس، حملت ما هو أهم من كل ما سبق، لقد حملت الكرامة العربية، وحملت البشائر بميلاد أمة عربية واحدة، وهذا ما أكدته المشاركة الجماهيرية الواسعة للقافلة، والحفاوة البالغة التي استقبل بها المشاركون في المدن والقرى التي مروا عليها، وهي تتنفس عبق الأمة النابض بالشعور الصادق المشترك، الذي حاكي نبض أمة واعدة ترفض صمت الأنظمة العربية، وترفض صمت المجتمع الدولي، وترفض السكوت على الموت جوعاً لأكثر من 2 مليون عربي فلسطيني في قطاع غزة، يستصرخون بني البشر، فلا تستجيب لصرخاتهم إلا بيانات شجب واستنكار وإدانة تصدرها جامعة الدول العربية أمام بعض المنزلقات الكارثية، لتغطي صفحة السماء كلمات الشجب والإدانة الصادرة عن الرؤساء والملوك العرب.
الحراك الذي بدأ من تونس، وانضم إليه آلاف العرب من مختلف البلدان والأقاليم العربية أشبه بثورة على الأنظمة العربية، وهو يؤسس لمرحلة حراك عربي أوسع، حراك عربي يتعدى القطرية، ويتجاوز حدود الدولة العربية الإقليمية، حراك يدرك أن فلسطين ليس قضية الفلسطينيين وأن الحرب في السودان وليبيا وسوريا والعراق واليمن لا تخص اليمنيين والتونسيين والخليجيين وحدهم، إنها معارك العدو الإسرائيلي وحلفائه على أرض العرب كافة، ولا هدف لها إلا استنزاف موارد الأمة، وقصقصة أجنحة الاستقرار والتطور والتآخي بين مكونات الشعب العربي الواحد.
قافلة صمود غزة فرضت نفسها قوة عربية واحدة موحدة، وبغض النظر عن السماح لها بدخول الأراضي المصرية من عدمه، وبغض النظر عن وصولها إلى معبر رفح من عدمه، فقافلة الأمة العربية للوحدة والحرية قد انطلقت، بعد أن أيقنت الجماهير العربية أن فلسطين هي قضية العرب الأولى، التي بسببها جرى تمزيق الشعوب العربية، وهذا الذي أرعب وزير الحرب الإسرائيلي إسرائيل كاتس، حين صرخ بأعلى صوته مولولاً: لن نسمح بوصول قافلة صمود غزة، فهذه القافلة لا تشكل خطراً على أمن إسرائيل فقط، بل تشكل خطراً على أمن واستقرار الدول العربية نفسها.
كلامٌ دقيقٌ وصحيحٌ صدر عن وزير حرب صهيوني يرتعب من فكرة الوحدة العربية، كلام وزير حرب صهيوني يقرأ المستقبل بعيون الرعب والفزع من تصفية اتفاقية سايكس بيكو، ومن ميلاد أمة عربية واحدة يتلاطم موج حريتها من المحيط إلى الخليج.