اخبار سوريا
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
أدت الاشتباكات الطائفية في جنوب سوريا إلى تحطيم التوقعات بشأن عملية سلام سريعة بين القدس ودمشق. عبد الله حايك – ناشيونال إنترست
بعد أسابيع قليلة من ظهور تقارير إخبارية تفيد بأن إسرائيل وسوريا على وشك توقيع اتفاقية سلام تاريخية قبل نهاية عام 2025، انزلقت الجارتان في مواجهة عنيفة. وأسفرت الأزمة في السويداء، المحافظة السورية ذات الأغلبية الدرزية، عن مقتل المئات ودفعت إسرائيل لشن غارات جوية مدمرة على دمشق، مُمثلة بذلك واحدة من أكثر التحولات دراماتيكية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.
وطوال شهر يونيو وأوائل يوليو 2025، أشارت مصادر متعددة إلى أن سوريا وإسرائيل انخرطتا في مفاوضات مباشرة غير مسبوقة. وذكرت قناة i24 News الإسرائيلية أن مصدراً سورياً مُطلعاً على المحادثات أكد أنه من المتوقع أن يوقع البلدان اتفاقية سلام قبل نهاية العام. وكان من المقرر أن تتضمن الاتفاقية المقترحة تطبيعاً كاملاً للعلاقات بين البلدين، مع إمكانية تحويل مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل إلى 'حديقة سلام'، وانسحاب إسرائيل تدريجياً من الأراضي السورية التي استولت عليها بعد ديسمبر 2024.
لقد مثّلت هذه المفاوضات أهم حوار بين الخصمين اللدودين منذ أكثر من عقد. وكانت حكومة الرئيس أحمد الشرع في دمشق، التي أطاحت ببشار الأسد في ديسمبر 2024، تسعى بنشاط إلى التقارب مع إسرائيل عبر قنوات بوساطة إماراتية وأمريكية. وأفادت التقارير أن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، كان يشرف على محادثات مع مسؤولين سوريين حول المصالح الأمنية المشتركة مثل مواجهة النفوذ الإيراني.
وبدا الزخم الدبلوماسي لا يمكن إيقافه. فقد التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالشرع في الرياض في مايو، وشجع دمشق، بحسب التقارير، على الانضمام إلى إطار اتفاقيات إبراهيم. وفي 30 يونيو، رفع ترامب لاحقاً عقوبات استمرت لعقود على سوريا، وشطب 518 فرداً وكياناً من قائمة العقوبات الأمريكية كبادرة حسن نية تجاه الحكومة السورية الجديدة. وفي اليوم نفسه، أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر عن تفاؤل حذر بشأن التطبيع، شريطة أن تظل سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان غير قابلة للتفاوض.
ولو تم توقيع معاهدة سلام مُلزِمة بين سوريا وإسرائيل بوساطة الرئيس ترامب، لكان ذلك قد دفعه إلى مصاف صانعي السلام الحقيقيين في الشرق الأوسط، لينضم إلى جيمي كارتر، الذي أشرف على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وبيل كلينتون، الذي أشرف على معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994. وكانت إنجازاتهما أكثر جوهرية وتاريخية بكثير من اتفاقيات إبراهيم عام 2020، التي، على الرغم من أهميتها الدبلوماسية، لم تُسفر إلا عن تطبيع العلاقات بين دول لم تكن في حالة حرب فعلية قط.
لكن هذا الصرح الدبلوماسي بدأ بالانهيار في 11 يوليو 2025، عندما أثار حادث بسيط في ظاهره سلسلة من الأحداث الكارثية. حيث زُعم أن تاجر خضراوات درزياً شاباً من السويداء قد تم إيقافه وتعرض للضرب والسرقة والاختطاف عند حاجز بدوي على طريق دمشق-السويداء السريع. وتعرض الضحية لإهانات طائفية وتهديدات بالقتل قبل إطلاق سراحه في حالة حرجة.
وأثار هذا الاعتداء رداً انتقامياً فورياً، فاحتجزت فصائل مسلحة درزية عدداً كبيراً من البدو لاستعادة ممتلكات مسروقة، مما أشعل فتيل دوامة من عمليات الاختطاف الانتقامية وتصاعد العنف. وبحلول 13 يوليو، انفجر ما بدأ كتوترات بين الطوائف إلى مواجهات مسلحة واسعة النطاق في مدينة السويداء والقرى المحيطة بها، مما وضع الميليشيات الدرزية في مواجهة العشائر البدوية السنية.
وسرعان ما تصاعد العنف خارج نطاق السيطرة المحلية، واندلعت اشتباكات مسلحة في حي المقوص بمدينة السويداء، حيث شنّ رجال قبائل بدوية هجمات على قرى درزية في الضواحي الغربية والشمالية. ووردت تقارير عن قصف وتدمير للممتلكات وفظائع طائفية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه حصل على تسجيلات صوتية ومرئية من الاشتباكات، لكنه لن ينشرها، محذراً من أنها قد تُمزّق الوحدة الوطنية، وتؤجج الفتنة الطائفية، وتثير اضطرابات واسعة النطاق.
وسرعان ما تصاعد عدد القتلى عندما نشرت الحكومة السورية بقيادة الرئيس الشرع قوات أمنية في السويداء في 15 يوليو، بدعوى استعادة النظام وحماية المدنيين. إلا أن هذا التدخل كان كارثياً على عملية السلام الهشة بين إسرائيل وسوريا. وأفادت روايات شهود عيان ومجموعات رصد أن القوات الحكومية، بدلاً من أن تعمل كقوات حفظ سلام محايدة، تعاونت بنشاط مع الفصائل البدوية في هجمات ضد المقاتلين والمدنيين الدروز.
وردت إسرائيل، التي نصّبت نفسها حاميةً للدروز نظراً لكثرة عددهم، بعمل عسكري فوري. ووجّه نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس قوات الدفاع الإسرائيلية لاستهداف قوات النظام السوري وأسلحته المنتشرة في السويداء، مشيرين إلى انتهاكات للمنطقة منزوعة السلاح المعلنة جنوب سوريا.
بدأت الضربات الإسرائيلية في 14 يوليو وتصاعدت بشكل كبير خلال الأيام اللاحقة. وبحلول 16 يوليو، كانت إسرائيل قد نفذت أكثر من 160 غارة جوية، مستهدفة منشآت عسكرية سورية ليس فقط في السويداء، بل ضربت قلب دمشق نفسها. وكان الهجوم الأكثر دراماتيكيةً هو الذي ضرب وزارة الدفاع السورية في وسط دمشق بجوار ساحة الأمويين الشهيرة، حيث أظهرت لقطات انفجارات هائلة تم تصويرها مباشرة على التلفزيون السوري.
لقد مثّل العنف في السويداء أكثر بكثير من مجرد صراع طائفي محلي؛ فقد نسف شهوراً من الدبلوماسية الحذرة بين إسرائيل وسوريا. ومثّل تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس بأن 'التحذيرات في دمشق قد انتهت، والآن ستأتي الضربات الموجعة' تخلياً تاماً عن مسار السلام الذي بدا واعداً للغاية قبل أسابيع فقط.
كما كشفت الأزمة عن مشاكل هيكلية عميقة في المرحلة الانتقالية في سوريا بعد الأسد. ورغم تأكيدات الشرع بأن حكومته ستحمي حقوق الأقليات، فإن عجزه الواضح عن السيطرة على قوات الدولة، والأسوأ من ذلك، تعاونها الواضح في العنف الطائفي، وفّر لإسرائيل مبرراً لتدخلها العسكري. وزادت مزاعم سورية محلية بأن مقاتلين مرتبطين بالحكومة أعدموا 9 مدنيين عُزّل في منزل خلال مداهمة في 15 يوليو من تأجيج الوضع.
إن التدهور السريع فاجأ الأطراف الدولية الفاعلة، ووجد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي كان له دور محوري في تسهيل الحوار الإسرائيلي السوري، نفسه يكافح لاحتواء الأزمة، وسعى جاهداً للتوسط في وقف إطلاق النار، ووصف التصعيد بأنه 'سوء تفاهم' بين إسرائيل وسوريا.
وبحلول 16 يوليو، أعلن روبيو الاتفاق على 'خطوات محددة' لإنهاء العنف، مع توقع وفاء جميع الأطراف بالتزاماتها. إلا أن هذا لم يتحقق إلا بعد أن شنت إسرائيل ضربات مدمرة على دمشق، واضطرت سوريا إلى سحب قواتها من السويداء تحت ضغط عسكري من إسرائيل.
وفي 17 يوليو، وبعد الانسحاب السوري من السويداء، قتلت فصائل مسلحة درزية عدداً غير معروف من الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، من قبائل السويداء البدوية السنية. ونفذ هذه الهجمات مسلحون يُحتمل أنهم موالون لحكمت الهجري، الزعيم الروحي الدرزي الذي تلقى دعماً من إسرائيل. ولا تزال عمليات النزوح الجماعي للبدو في السويداء مستمرة على يد هذه الفصائل المسلحة، حيث نزح المئات في غضون يومين.
لقد أوقعت أزمة السويداء خسائر بشرية فادحة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه بحلول 17 يوليو، قُتل 597 شخصاً، بمن فيهم مقاتلون دروز وبدو ومدنيون، وذكر المرصد، ومقره المملكة المتحدة، أن 83 من أصل 154 مدنياً درزياً 'أُعدموا بإجراءات موجزة على يد عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية'. كما أصيب مئات آخرون، ودُمرت البنية التحتية للمحافظة.
لقد ألحقت الأزمة ضرراً بالغاً بثقة الأقليات السورية بالحكومة الجديدة. ويواجه الدروز، الذين حافظوا على حياد نسبي خلال الحرب الأهلية السورية، الآن تساؤلات حول مكانتهم في سوريا الشرع. وقد أثارت أقليات أخرى مخاوف مماثلة، كانت تأمل أن تحقق حقبة ما بعد الأسد مزيداً من الأمن والتمثيل.
كما تُظهر الأزمة مدى سرعة عرقلة التوترات الطائفية حتى للمبادرات الدبلوماسية الواعدة، وتسلط الضوء على هشاشة المرحلة الانتقالية في سوريا بعد الأسد والتحديات التي تواجه أي حكومة تحاول الحفاظ على سيطرتها على دولة مُمزقة مزقتها الحرب، في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على الشرعية الدولية.
ومع انسحاب القوات السورية من السويداء بموجب اتفاق وقف إطلاق نار هش، واحتفاظ إسرائيل بتواجدها العسكري في المنطقة، تبدو احتمالات استئناف محادثات السلام بعيدة المنال، حتى بعد خطاب الشرع يوم الخميس الذي تعهد فيه بحماية الدروز في المستقبل.
إن قصة كيف تحولت المفاوضات الواعدة إلى مواجهة قاتلة تشكل تذكيراً قاسياً بكيفية قدرة الشرق الأوسط المتقلب على عكس مسار عمليات السلام بسرعة مدمرة.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب