اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١١ كانون الأول ٢٠٢٥
كان الإتجار بالعملات الأجنبية زمن نظام الأسد أشبه بالانتحار بسبب تشديد قبضة المخابرات على المتداولين، وسن قوانين تجرّم امتلاك هذه العملات وتداولها. مع ذلك، لجأ كثيرون إلى السوق السوداء لإخفاء حقيقة امتلاكهم عملات أجنبية، وانخفاض سعر الصرف الرسمي.
في أواخر عام 2013 وفي حي المالكي في العاصمة دمشق، صعدَ رجلٌ داخل سيارة من نوع شيفروليه خمرية اللون ليجتمع مع سائقها بهدف تبديل العملة السورية مقابل الدولار الأميركي. سائق السيارة كان نشطاً كمندوب حوالات مالية في تلك المنطقة، ويعمل بحذر مع زبائن يريدون تصريف عملات أجنبية إلى الليرة السورية ولا سيما الدولار.
كان عمله 'الأشبه بالانتحار' يلقى رواجًا، لأن تصريف العملة الأجنبية عن طريق القنوات الرسمية لا يتوازى مع سعرها الحقيقي في السوق السوداء، وكذلك الحال فإن غالبية من لديهم عملة أجنبية (ولا سيما الدولار واليورو) ويريدون بيعها، أو حتّى يريدون شراءها، يلجأون إلى السوق السوداء، لإبعاد الشبهات عنهم، ولا سيما مع وجود قوانين عدة جرّمت تداول الدولار أولًا ثم جرّمت امتلاكه.
على رغم التضييق الأمني ومحاولات النظام لتجريم التعامل بالدولار وغيره من العملات، لم يكن سائق السيارة يعلم أن الزبون الذي استقل سيارته هو عنصر تابع لفرع المخابرات العسكرية 251.
خلال عملية تبادل العملات، التقط 'المخبر' صورة للمندوب وأرسلها للمسؤول عنه في الفرع عبر تطبيق 'واتسآب' للرسائل الفورية، لتنتهي صورة عن هذه الرسالة في وثيقة موقّعة من رئيس الفرع 251 وموجّهة إلى القسم 40، في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تأمر بتوقيف مندوب الحوالات وتقديمه 'بشكل فوري' إلى أحد أقسام الشرطة ومصادرة الهواتف التي في حوزته، وذلك 'بالسرعة القصوى لضرورة التحقيق'.
هذا المندوب لتصريف العملات، لم يكن الوحيد الذي اعتُقل، إذ جنّدت مخابرات النظام السابق الوسائل المتاحة لديها لاعتقال كل من يتداول العملات الأجنبية، سواء بغرض التصريف أو حتّى في مرحلةٍ لاحقة اقتناء هذه العملات، وذلك بعد إصدار قوانين عدة لحصر العملات الصعبة بيد الأسد.
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية، خالد تركاوي، أن كل الإجراءات التي قام بها الأسد، كانت تهدف الى ابتزاز كل من يملك الدولار أو غيره من العملات الأجنبية، عبر وضعهم أمام خيارين، إمّا صرف الأموال عن طريق النظام بالسعر الذي يقرّره أو الملاحقة القانونية، لافتاً إلى أن هذه القوانين لم يكن غرضها أي معادلات اقتصادية بل تحصيل أموال لاستمرار العمل العسكري وتحقيق النصر.
اطلع فريق الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية 'سراج'، على نسخ رقمية لوثائق كثيرة توضح كيف وظف نظام الأسد أجهزة مخابراته لتعقب واعتقال كل من يتعامل بالدولار الأميركي أو غيره من العملات الأجنبية عقب المرسوم 3 للعام 2020، والذي أصدره رئيس النظام المخلوع بشار الأسد وجرم فيه التعامل بأي عملة غير الليرة السورية.
و'ملفات دمشق'، هو مشروع تحقيقات استقصائي تشاركي يديره 'الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ' بالتعاون مع هيئة الإذاعة العامة الألمانية NDR، ويضم صحافيين من مختلف أنحاء العالم لكشف تفاصيل جديدة مروّعة حول أحد أكثر أنظمة القتل التي تديرها دولة وحشيةً في القرن الحادي والعشرين: نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
أمضى الـ ICIJ وNDR و126 صحافياً من 26 منصّة إعلامية شريكة في 20 دولة، أكثر من ثمانية أشهر في تنظيم هذه الوثائق وتحليلها، واستشارة الخبراء، وإجراء مقابلات مع عائلات سورية ما زالت تبحث عن أحبائها الذين اختفوا تحت حكم الأسد.
يكشف مشروع تحقيقات 'ملفات دمشق' عن البنية الداخلية لجهاز أمن الأسد وصلاته بحكومات أجنبية ومنظمات دولية. ويتكوّن التسريب من أكثر من 134 ألف ملف مكتوبة في الغالب باللغة العربية — ما يعادل نحو 243 غيغابايت من البيانات.
تغطي هذه الوثائق أكثر من ثلاثة عقود، أي منذ عام 1994 حتى كانون الأول/ ديسمبر 2024. وتعود أصولها إلى المخابرات الجوية وإدارة المخابرات العامة في سوريا.
فُرضت على هاتين الجهتين الاستخباراتيتين عقوبات واسعة من الولايات المتحدة وأوروبا بسبب ممارساتهما الوحشية، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي.
وتشمل الوثائق مذكرات داخلية وتقارير ومراسلات تكشف آليات العمل اليومية لشبكة الأسد في المراقبة والاعتقال، إضافة إلى تنسيقها مع حلفاء أجانب مثل روسيا وإيران، واتصالاتها مع وكالات تابعة للأمم المتحدة تعمل داخل سوريا.
كما تتضمّن قاعدة البيانات شديدة الحساسية أسماء عدد من عناصر المخابرات السورية السابقين.




































































