اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
ما جرى هو توحيد نادر لموقفها يعبر عن تحول كبير في الديناميكيات الاجتماعية ويضع الدولة أمام تحد كبير
على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الواقع الميداني، قبل أيام قليلة فحسب، كان جزء ليس بالقليل من السوريين يرحب بالتقارير التي تحدثت عن مفاوضات سورية - إسرائيلية تمهد لاتفاق أمني وحتى اتفاقية تطبيع، وفي دمشق ترفع صورة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى جانب نظيره السوري أحمد الشرع وبينهما جملة 'القادة العظماء يصنعون السلام'.
زيارة رسمية سريعة استمرت ساعات محدودة أجراها الشرع إلى أذربيجان، تلتها تقارير متعددة حول لقاء سوري - إسرائيلي مباشر في باكو، من دون الخوض في كثير عن تفاصيله، يعود الرئيس السوري إلى دمشق، وما هي إلا أيام قليلة حتى تندلع اشتباكات بين مسلحين من الطائفة الدرزية في السويداء وآخرين من العشائر العربية بالمحافظة، مما تطور إلى عمليات خطف متبادلة دفعت الحكومة السورية للتدخل من أجل ضبط الأمن، وفق البيانات الرسمية التي صدرت من دمشق.
وبالفعل دخلت قوات من الجيش والأمن الداخلي السوري إلى السويداء، قبل أن تتحدث تقارير إعلامية عما وصفته بـ'انتهاكات تعرض لها الدروز في السويداء'، وتطور الأمر لقيام العشرات من 'دروز إسرائيل' بعبور السياج الحدودي باتجاه سوريا، ومطالبات من قبل حكمت الهجري، أحد شيوخ الموحدين الدروز، لتل أبيب بالتدخل لمصلحة الدروز.
الزحف العشائري
التدخل الإسرائيلي كان عنيفاً واستهدف مقار حيوية تابعة للدولة السورية مثل مقر هيئة الأركان العامة في ساحة الأمويين بقلب العاصمة دمشق، وغارة جوية على موقع قريب من القصر الرئاسي على سفوح جبل قاسيون، فضلاً عن عشرات الغارات في محافظتي السويداء ودرعا، قبل أن يخرج الشرع بخطاب يعلن فيه 'انسحاب القوات من السويداء بهدف تجنيب البلاد الأخطار'. وبعد انسحاب القوات الحكومية وثقت تقارير حقوقية قيام مجموعات مسلحة تابعة لشيخ العقل حكمت الهجري بتنفيذ عمليات إعدام وانتهاكات واسعة النطاق في حق المدنيين من عشائر البدو في السويداء. ومع انتشار هذه الأنباء بدأت الحشود تتوالى من مختلف القبائل والعشائر العربية من جميع المحافظات السورية، وتخطى الأمر إلى دعوات للقبائل العربية خارج سوريا للمشاركة في المعركة، وفق ما أفاد به تقرير لصحيفة 'الشرق الأوسط'، إذ أكد التقرير أن قرابة 50 ألف مقاتل من العشائر العربية في سوريا تم تجهيزهم للتوجه إلى السويداء.
بعد ساعات من بدء عمليات الاعتداء على البدو في السويداء، أصدرت مجموعة من القبائل العربية بياناً أعلنت فيه 'النفير العام'، وطالبت أبناءها بالتوجه إلى السويداء لإنقاذ 'عشائر البدو التي تتعرض لانتهاكات من قبل مجموعات حكمت الهجري'، الذي اتهمته العشائر بـ'العمالة لإسرائيل'، خصوصاً بعد صدور بيان رسمي من قبل طائفة الموحدين الدروز يدعو بصورة علنية للتدخل الإسرائيلي في سوريا.
رئيس تجمع عشائر الجنوب السوري الشيخ راكان الخضير، يقول في تصريحات خاصة إلى 'اندبندنت عربية'، إن 'هناك مجازر مروعة ارتكبت في السويداء على يد الجماعات الموالية لحكمت الهجري، وقد وثقنا مشاهد قطع رؤوس أطفال واحتجاز أكثر من 2000 شخص من أبناء عشائر البدو لا يزالون حتى لحظة الإدلاء بهذا التصريح محتجزين لدى عناصر الهجري، الأوضاع في السويداء صعبة للغاية، والمسؤول الوحيد عن سفك كل تلك الدماء هو حكمت الهجري والجماعات المسلحة التابعة له'.
ويضيف الخضير، 'بالنسبة إلينا فقد فوجئنا بالقرار الذي اتخذته الحكومة بالانسحاب من السويداء، إذ إن قوات الأمن الداخلي والجيش بعدما انسحبت تركت العشائر محاصرة، وهذا يعني أن الدولة تخلت عن مسؤوليتها وهو أمر غير مقبول، وبما أن الدولة لم تكن قادرة على ضبط الأمن فإن العشائر ستتولى الأمر بنفسها، وهدفنا حالياً هو تحرير أبناء العشائر المحتجزين لدى جماعة الهجري، ومن هذا المنبر أوجه نداء للعشائر بعدم الاعتداء على أحد، وعدم الإقدام على أي انتهاكات في حق الدروز، وأيضاً ندعو الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها الكاملة، فحماية المواطنين بمن فيهم الدروز من مسؤوليتها'.
وختم رئيس تجمع عشائر الجنوب السوري حديثه بدعوة 'أبناء الطائفة الدرزية للتوحد على كلمة واحدة ومرجعية واحدة، ونتمنى من العقلاء في السويداء وخارجها أن يعودوا إلى رشدهم للتعايش، كما نوجه نداء إلى الدول العربية والأمة الإسلامية لوقف آلة القتل في حق أبناء المنطقة'.
حدود المعركة
الشيخ خليل السعيد، أحد وجوه عشيرة العكيدات من ريف دير الزور، يقول إلى 'اندبندنت عربية'، 'هذه ليست معركة سياسية، ولا ثأراً عابراً، بل قضية وجود وهوية، وما جرى من انتهاكات ضد إخواننا البدو هو جريمة في حق كل عشيرة، لذلك قررنا أن نكون في المقدمة، وقد اتخذنا قراراً غير قابل للنقاش بألا نعود أدراجنا قبل تحقيق هدفنا المتمثل بإنقاذ أهلنا من بدو السويداء من إجرام الجماعات المسلحة في المدينة، كما نطالب الحكومة بعدم التدخل على الإطلاق، وإذا حاولت منعنا من استعادة حقوقنا فقد يسمى هذا تواطؤاً'.
طوال أعوام الثورة السورية، كانت القبائل والعشائر العربية في سوريا منقسمة في تأييد مختلف أطراف الصراع، وما جرى بالسويداء هو توحيد لموقف العشائر نادر من نوعه ويعبر عن تحول كبير في الديناميكيات الاجتماعية، وعلى رغم ذلك فإن ما جرى وفق مراقبين يحمل خطراً كبيراً، فللمرة الأولى نرى توجهاً صريحاً من كيان عشائري للرد عسكرياً على مكون طائفي في سوريا، مما أثار مخاوف كثير من السوريين الباحثين عن الاستقرار، فبحسب تقرير لـ'وكالة الأنباء الألمانية' فإن هناك 41 قبيلة وعشيرة تنوي المشاركة في الهجوم على السويداء، ولم يسبق لهذه العشائر أن اتفقت بهذه الصورة.
الباحث والكاتب العراقي علي الكبيسي، يقول إلى 'اندبندنت عربية'، إن 'القبائل لا تعترف بالحدود السياسية كما تفعل الدول، إذا شعرت أن جزءاً منها في خطر فإن قواعد العرف تلزمها بالتدخل، وهذا ما رأيناه في قضية السويداء'.
تغيير المعادلة
على الصعيد الميداني، يفوق عدد مقاتلي العشائر أضعاف المرات عدد المسلحين الدروز الذين يقاتلون في السويداء، والتدخل الإسرائيلي في ضد القبائل العربية متعذر لما له من عواقب كبيرة على إسرائيل، لعل أولها إثارة غضب الدول العربية وخصوصاً دول الخليج العربي ذات الطابع القبلي، التي أعلنت جميع حكوماتها دعمها سوريا خلال المرحلة الانتقالية، كما صدر بيان عربي - تركي مشترك ندد بشدة بـ'الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا وانتهاك سيادتها وتهديد استقرارها'.
من جانب آخر فإن كثيراً من القبائل العربية موجودة في فلسطين وفي الأراضي الإسرائيلية، ولو تطورت الأمور أكثر وتدخلت إسرائيل ضد العشائر العربية في سوريا فسيثير ذلك غضب العشائر العربية في فلسطين، مما قد يسبب مواجهة مباشرة مع دروز إسرائيل ويدخلها في حال من الفوضى قد يصعب السيطرة عليها بسهولة، لكل تلك الأسباب كانت قوات العشائر العربية عاملاً غيّر موازين القوى في الجنوب السوري فاختلفت المعادلة جذرياً.
وصول القبائل العربية إلى أطراف مدينة السويداء، وسيطرتها على أجزاء واسعة في ريف المحافظة، واقترابها من الدخول إلى المدينة، دفع مختلف الأطراف الإقليمية للتحرك سريعاً خشية خروج الأوضاع عن السيطرة والدخول في حرب أهلية قد تكون فاتورتها باهظة. أسفرت التحركات السريعة عن التوصل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل بدعم أميركي ورعاية تركية - أردنية مباشرة يفضي إلى وقف إطلاق النار والحفاظ على وحدة واستقرار سوريا، ودخول مؤسسات الدولة السورية إلى مدينة السويداء.
في البداية كشف عن الاتفاق المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك، تلاه إعلان رسمي من قبل الرئاسة السورية أكده خطاب متلفز للرئيس الشرع الذي شكر العشائر العربية على دورها، وطلب منها الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، فكانت النتيجة بالمحصلة قدرة العشائر العربية على تغيير ميزان القوة، وفرض أمر واقع داعم لوحدة سوريا.
ماذا بعد السويداء؟
نهاية قضية السويداء لا تعني بالضرورة أن 'الوجع' السوري قد انتهى، إذ إن الأحداث التي جرت خلال الأيام الماضية زادت من الشرخ السوري المتسع أصلاً، واليوم تواجه الدولة السورية تحدياً كبيراً في إمكانية ترميم الجسور الاجتماعية بين الطائفة الدرزية وباقي فئات المجتمع السوري، خصوصاً بوجود فئات سورية لا تفرق بين المجموعات التابعة للهجري وباقي أبناء الأقلية الدرزية، على رغم وجود وجهاء وأتباع لهم من الطائفة الدرزية أعلنوا منذ اللحظة الأولى وقوفهم إلى جانب الحكومة السورية ورفضهم القاطع للتدخل الإسرائيلي، مثل الشيخ ليث البلعوس الذي دان بشدة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، كما أن هناك آلاف الدروز في إدلب خرجوا في تظاهرات داعمة لوحدة سوريا، ورافضة لمشاريع التقسيم، ومنددة بالاعتداءات الإسرائيلية.
بالنتيجة، أثبتت العشائر العربية أنها قوة لا يستهان بها، ولها امتدادها الإقليمي الذي يتجاوز الحدود السورية، ويمكنها تغيير المعادلة في أية معركة قد تدخلها، لكن هذا يعتمد بالضرورة على وحدة الصف العشائري، وهو ما لم يتحقق طوال الأعوام الـ14 الماضية، وتحقق للمرة الأولى بعد أحداث السويداء.