وثائق من حقبة الأسد عن تعاون سيبراني إيراني- سوري: أدوات تجسّس لتعقّب معارضي "الممانعة"… وأسماء مطلوبين

كشفت وثيقة اطلع عليها 'درج'، عن أسماء 'مطلوبين' تقدمت بهم إيران إلى النظام السوري السابق بهدف تعقّبهم. تضمّنت الوثيقة خمسة أسماء، تعود الى ثلاثة رجال وامرأتين من جنسيات مختلفة، وهي عراقية، سورية، فلسطينية، وأردنية. وأُرفقت الوثيقة بتوصيف مختصر لكل اسم يتضمن العمر والجنسية، إضافة إلى التهم التي تعتبرها إيران مبررًا كافيًا للملاحقة. 

ساهم في التنقيب عن الوثائق الزميلان هلا نهاد نصرالدين وزاهي ندّور

في 25 نيسان/ أبريل 2025، أعلنت إيران تصدّيها لما وصفته بـ'أكثر الهجمات السيبرانية تعقيدًا وانتشارًا في العالم'.

وعلى رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها إيران لهجوم إلكتروني، إلا أنها، في المقابل، عملت على تطوير قدراتها في مجال التنصت والتجسس، وبدأت بتصدير هذه التقنيات إلى حلفائها في ما يُعرف بـ'محور الممانعة'، وفي مقدمهم النظام السابق في سوريا.

تشير وثيقة اطلع عليها فريق 'درج' داخل الفرع 235، المعروف بـ'فرع فلسطين' في دمشق، إلى أن نقل هذه التقنيات إلى سوريا بدأ في أواخر 2018، حينما زار وفد من الحرس الثوري سراً دمشق والتقى مع رؤساء شعبة المخابرات التابعة لنظام بشار الأسد الذي سقط في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، والتي كان يرأسها ماجد إبراهيم، إذ شددوا على ضرورة تكريس التعاون الأمني من خلال 'التجسس'، بحسب الوثيقة التي اطلع عليها 'درج'.

تعاون سيبراني لخرق الحسابات 

على مرّ السنين، عمدت إيران إلى بناء أجهزتها الاستخباراتية وتطويرها، لا سيما السيبرانية منها، فصنعت برنامجاً خاصاً بها يعتمد على خرق الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فايسبوك وأكس (تويتر سابقاً)، بالإضافة إلى برامج خرق الاتصالات على تطبيقَي واتسآب وفايبر، كما ورد في الوثيقة.

بالإضافة إلى ذلك، أسست برنامجاً لخرق الجهاز اللاسلكي، وتحديداً الثريا، الذي غالباً ما يُستخدم في مناطق النزاعات والحروب. ذكرت هذه الوثيقة أهمية التعاون مع سوريا 'الأسد' من خلال إرسال الأخيرة عدداً من الحسابات التي تعتبرها مشبوهة، أو أسماء الأشخاص الذين كانوا يرغبون في التقصّي عنهم أو تسكير حساباتهم إما لانتمائهم الى مجموعات معارضة للمحور مثل جماعة الإخوان المسلمين، والخليج، أو الى تنظيم 'داعش'، والأكراد، وفقاً للوثيقة التي اطلع عليها 'درج'.

وقدّم المسؤول الفني في المجال السيبراني الإيراني عدداً من الأمثلة حول عمليات الاختراق التي نفّذها قسمه، موضحاً أن 'النظام الإيراني الصنع' يجمع المعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي، ويعمل هذا النظام 'عن طريق تحديد كلمات مفتاحية يتم من خلالها تشكيل خريطة لمستخدمي هذه الكلمات… وبالتالي تحديد الحسابات'. ووفقاً لما ورد في الوثيقة، استُخدم هذا النظام لاختراق حساب نشر معلومات حول أسر مستشارين إيرانيين، إذ 'تمكنوا من خرق الحساب وتفريغه بشكل كامل'.

اللافت أيضاً، كان التصريح الإيراني الذي أكّد أن التعاون العسكري والأمني بين البلدين جاء متأخرًا، ما انعكس سلباً على النتائج الميدانية، مشيراً إلى أن هذا التعاون 'كان من المفترض أن يبدأ مع بدايات الثورة السورية، أي في عام 2010'. لذلك، سعى ممثلو 'الحرس الثوري الإيراني' إلى مضاعفة هذا التعاون، بخاصة في المجال الأمني، من خلال 'تبادل الأسماء ومراقبة المعارضين ‘محور الممانعة'.

وثيقة بالفارسيّة لشعبة المخابرات السورية

خلال زيارة سرّية أجراها وفد إيراني إلى سوريا في أواخر عام 2018، سلّم الوفد وثيقة مكتوبة باللغة الفارسية إلى فرع 'فلسطين' التابع للمخابرات السورية. احتوت الوثيقة على قائمة بأسماء وصفتها الأجهزة الإيرانية بأنها 'مشبوهة' ويجب مراقبتها وملاحقتها. لذلك، طلب الوفد الإيراني من الجانب السوري ترجمة الوثيقة إلى العربية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتتبّع الأفراد الواردة أسماؤهم.

من بين الأسماء، ورد اسم إعلامية أردنية وهي 'ز.ع'، مصوّرة في وكالة إعلام أردنية. بحسب المزاعم الإيرانية، اتُّهمت بالتعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي، من خلال تصوير مواقع تابعة لحزب الله في جنوب لبنان، وتسريب هذه الصور إلى جهات استخباراتية إسرائيلية.

اللافت أن أي محاولة للتحقق من هوية هذه الإعلامية عبر الإنترنت باءت بالفشل. فقد تعذّر العثور على أي حساب لها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لم تظهر أي نتائج تُذكر عند البحث عن اسمها أو صفاتها المهنية عبر محركات البحث. وسألنا البعض من زملائنا في الأردن عنها، لكنهم أكّدوا أنهم لم يسمعوا باسمها من قبل.

ع.ح، مواليد العراق، ادّعت الأجهزة الإيرانية أنه ملاحق من الأجهزة الأمنية اللبنانية بتهمة تصوير مناطق جبلية في النبطية، جنوب لبنان.

أفاد مصدر من الجهاز الأمني اللبناني لـ'درج'، بأن ع.ح سُلِّم للسطات العراقية بتهمة العمالة.

ق.ط، من سوريا، اتهمته السلطات الإيرانية بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي.

أكدّ المصدر الأمني اللبناني نفسه أنه غير موجود في السجلات بأي تهمة.

ع.م، من الجنسية الفلسطينية، زعمت المخابرات الإيرانية أنها تعاونت مع الكونغرس الأميركي.

ن.ج، رجل دين شيعي من النجف، العراق، ورجحت إيران أنه على علاقة مع الموساد الإسرائيلي.

بحثنا عن الرجل على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في العراق، لكن تعذّر إيجاده.

الجانب السوري آنذاك، قال للمخابرات الإيرانية إنه 'لا يمتلك أي معلومات سابقة عن الأفراد المذكورين في الوثيقة. كما أكدت أجهزة الأمن السورية السابقة أنها لم ترصد أي دخول أو خروج لهم عبر المعابر الرسمية حينها'.

ما أبرز الأدوات التجسّسية التي طلبتها سوريا من إيران؟

تظهر الوثيقة قائمة تفصيلية بالمتطلبات التقنية التي طلبتها شعبة المخابرات السورية في حقبة الأسد لتعزيز قدراتها في مجال الإنترنت والحواسيب، مع تركيز واضح على تقنيات المراقبة والاختراق واستعادة البيانات. لا تقتصر القائمة على متطلبات دفاعية فحسب، بل أشارت إلى نية بناء بنية تحتية استخباراتية هجومية، على غرار ما طورته إيران خلال السنوات الماضية.

ذكرت الوثيقة أيضاً حاجة المخابرات السورية السابقة الى برمجيات خاصة باختراق الأجهزة الخليوية ومراقبة تطبيقات التواصل الاجتماعي الشهيرة، مثل واتسآب وتلغرام وفايسبوك، حتى في حال حذف الرسائل أو حماية الأجهزة بكلمات مرور. وتتضمن القائمة برمجيات لفك تشفير قواعد البيانات واستعادة المعلومات المحذوفة.

شملت الاحتياجات أيضًا، أجهزة تفريغ بيانات متقدمة، مثل تلك الخاصة بأجهزة iPhone التي تعمل بأنظمة iOS الحديثة، ومعدات لاستعادة الملفات من وسائط التخزين التالفة، وهو ما يتيح للجهات الأمنية السورية الوصول إلى البيانات حتى في أقسى ظروف فقدانها أو تلفها.

وطلبت الشعبة أجهزة تشويش متطورة لتعطيل شبكات الاتصال، بخاصة في ساحات العمليات الميدانية التي تشهد وجود عبوات ناسفة أو تهديدات أمنية. ويبدو أنه كان هناك اهتمام كبير بتقنيات التشويش التي يمكن تركيبها على المركبات، مثل تلك التي تستخدمها وحدات الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا.