اخبار سوريا
موقع كل يوم -بزنس2بزنس سورية
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
بعد تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح مشروع إلغاء قانون قيصر، بدأت ملامح نهاية هذا القانون بالظهور، في خطوة اعتبرها كثيرون بداية مرحلة جديدة لسوريا، هذا التحول جاء نتيجة جهود دبلوماسية مكثفة ومخططة نفذتها قيادة سوريا الجديدة، التي تسعى بكل طاقتها إلى إخراج البلاد من أزمتها حيث من المتوقع أن يُستكمل هذا المسار بإقرار نهائي من مجلس النواب الأمريكي قبل نهاية العام، ليكون ذلك تتويجًا لإنجازات سياسية واقتصادية بدأت تتبلور مع دخول سوريا عامها الثاني بعد التحرير.
ولا نبالغ إذا قلنا إن إلغاء قانون قيصر سيكون حدثا بارزا ومفصليا في تاريخ سوريا، لدرجة يرى فيه مراقبون ومحللون أنه بمثابة تحرير ثانٍ للبلاد التي انتصرت بتضحيات شعبها ودماء شهدائها على حكم البعث الاستبدادي، ووضعت نهاية لمرحلة التراجع والانكسار التي عاشتها سوريا طيلة خمسة عقود ونيف.
عملة جديدة.. استثمارات ومشاريع بمليارات الدولارات
الحكومة السورية، ومنذ وقت مبكر، بدأت تعدّ العدّة لاستقبال مرحلة ما بعد قانون قيصر، وفي هذا السياق، سارعت إلى إصدار قانون عصري للاستثمار، وإصدار التعليمات التنفيذية للقانون رقم 56 المتعلق بتأسيس المصارف الاستثمارية، ناهيك عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بعشرات مليارات الدولارات في مجالات الطاقة والكهرباء والنقل والبنى التحتية، وإيصال خط الغاز الأذري، إلى جانب إصدار عشرات القرارات والأوامر المتعلقة بتنظيم عملية الاستيراد والتصدير، ويبقى إصدار عملة جديدة علامة فارقة في قائمة هذه التحضيرات، نظرًا لأهميتها في تسهيل عملية التداول النقدي بعد التضخم الهائل في البلاد، إضافة إلى التخلص من آخر رموز ومخلفات النظام البائد، وإعادة الهيبة للعملة الوطنية واستعادة الثقة المفقودة بها.
سيناريو صعودي.. الليرة تستعيد أنفاسها
سيناريوهات عديدة وكثيرة للواقع السوري بعد الأفول المرتقب لقانون قيصر تشمل تحسّن سعر صرف الليرة نتيجة تدفق العملات الأجنبية حيث ترجح تقارير ودراسات اقتصادية أن يرتفع سعر صرف الليرة بين 8500 و9500 للدولار في المدى القصير مع إمكانية تحسن تدريجي نحو 7000 إذا رافق الإلغاء انفتاح مصرفي فعلي وعودة تدريجية للتجارة الخارجية إضافة إلى عودة الاستثمارات الخليجية والروسية إلى مشاريع الطاقة والإعمار، وانتعاش القطاع السياحي مع استقرار الأوضاع الأمنية، وإصلاح تدريجي للقطاع المصرفي ليتماشى مع المعايير الدولية.
المصارف والاستثمار يقودان الثورة الثانية
جميع السيناريوهات تصبّ في خانة واحدة يمكن عنونتها بـ'ثورة حقيقية' في مختلف المجالات، تنعكس على حياة كل السوريين ومستقبل بلادهم التي عانت ما عانته خلال العقود الأخيرة، وربما تكون بيئة الأعمال، وخاصة قطاعا المصارف والاستثمار، الأسرع في ترجمة آثار ونتائج رحيل قانون قيصر، وبحسب عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، 'ستسهم هذه الخطوة فورًا في تخفيف القيود على التحويلات المالية الخارجية، وتيسير التجارة الدولية من خلال تنشيط عمليات الاستيراد والتصدير، مما يعيد الثقة تدريجيًا بالنظام المصرفي السوري.
التضخم والبطالة إلى انخفاض
كل ما سبق من سيناريوهات مرتقبة كفيل بوقف التدهور الحاد لليرة السورية، وتخفيض معدلات التضخم والبطالة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة بسبب توقف المشاريع الإنتاجية وتراجع القوة الشرائية لاسيما وأن قانون قيصر بأنه 'أعمى'، ولم يضرب النظام فقط، بل أصاب المواطن السوري في لقمة عيشه ومستوى دخله، وبالتالي فإنه ما يزال يغلق أبواب التعافي أمام الاقتصاد الوطني المنهك أصلًا، رغم رحيل النظام البائد.
سوريا أمام مفترق اقتصادي حاسم
وبلغة الأرقام وبنظرة استثمارية مستقبلية للواقع السوري خلال ال 6 إلى 18 شهرًا قادمة يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة، الأول سيناريو صعودي بنسبة 40٪ يشمل استقرار صرف الليرة دون 8000 وتحسن تدريجي في تدفقات الاستثمار العربي وانتعاش قطاع البناء والخدمات، والسيناريو الثاني أساسي (واقعي) بنسبة 45٪ يتضمن تحسنا محدودا في السوق المالية وعودة تدريجية للتحويلات، وتوسع بطيء في مشاريع البنية التحتية أما السيناريو الثالث (هبوطي) بنسبة 15٪ ويمكن أن يحدث نتيجة تعثر الإصلاحات واستمرار القيود الغربية الجزئية وعودة السوق السوداء للسيطرة على المعاملات.
وفي المحصلة إن التحضيرات الحكومية المبكرة، من إصدار قوانين الاستثمار إلى إطلاق العملة الجديدة، تؤكد أن سوريا لا تنتظر التغيير بل تصنعه وهي الآن تقف على أعتاب مرحلة مفصلية من تاريخها الحديث عنوانها العريض إن إلغاء قانون قيصر لا يمثل فقط نهاية لحقبة من العقوبات والقيود، بل يشكّل انطلاقة نحو إعادة بناء وطن أنهكته الحروب والحصار ويفتح الباب أمام ثورة اقتصادية ثانية يحصد ثمارها السوريون.
بقلم الاستاذ عبيدة عبد الباقي