اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
في خطوة وصفتها الصحف الأمريكية بأنها الأكثر جرأة في تاريخ مقرّ الرئاسة الأمريكية، بدأ الرئيس السابق دونالد ترامب تنفيذ مشروعه المثير للجدل بهدم الجناح الشرقي للبيت الأبيض بالكامل، تمهيدًا لبناء قاعة احتفالات ضخمة يرى مؤيدوه أنها “تحديث ضروري” بينما يعتبرها منتقدوه “تدميرًا لرمز وطني”.
مشروع ضخم في قلب السلطة الأمريكية
بحسب ما كشفته صحيفة واشنطن بوست، بدأت أعمال الهدم فعليًا في أواخر أكتوبر ٢٠٢٥ داخل الجناح الشرقي للبيت الأبيض، حيث رُصدت آليات ثقيلة تعمل على إزالة أجزاء كبيرة من الواجهة الجنوبية. وأوضحت الصحيفة أن المشروع يتضمن إنشاء قاعة احتفالات بمساحة تقارب ٩٠ ألف قدم مربعة، أي ما يزيد بنحو الضعف عن مساحة المبنى الرئيسي للبيت الأبيض الذي لا تتجاوز مساحته ٥٥ ألف قدم مربعة.
وأضاف التقرير أن إدارة ترامب تبرر هذه الخطوة بأنها تهدف إلى “إعادة تصميم البيت الأبيض بما يتناسب مع احتياجات القرن الحادي والعشرين”، مشيرة إلى أن القاعة الجديدة ستكون مجهّزة لاستضافة الفعاليات الكبرى والولائم الرسمية والمؤتمرات الدبلوماسية التي طالما كانت تُنظم في خيم مؤقتة خارج المبنى.
بداية الهدم رغم غياب الموافقات الرسمية
وكشفت وكالة رويترز أن عملية الهدم بدأت قبل اكتمال المراجعة الرسمية من قبل اللجنة الوطنية لتخطيط العاصمة الأمريكية (NCPC)، وهي الجهة المخوّلة بالموافقة على أي مشروع معماري داخل نطاق البيت الأبيض. وأوضحت الوكالة أن الإدارة وعدت بتقديم الخطط لاحقًا، لكنها بدأت الأعمال “بسبب ضغط المواعيد التنفيذية”، الأمر الذي أثار جدلًا قانونيًا واسعًا حول صلاحية القرار.
في المقابل، ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن البيت الأبيض حاول تبرير الموقف قائلًا إن الجناح الشرقي “لم يعد آمنًا من الناحية الإنشائية” وأنه “لم يعد يفي باحتياجات الإدارة الحديثة”، وهو ما اعتُبر تبريرًا هشًّا لتجاوز المراحل الرسمية التي تفرضها القوانين الفيدرالية الخاصة بالمباني التاريخية.
التمويل بين الغموض والجدل
من جانبه، أعلن ترامب أن التمويل سيكون “خاصًا بالكامل” ولن يتضمن أي مساهمات من أموال دافعي الضرائب، مؤكدًا أنه سيتحمل جزءًا كبيرًا من التكلفة بنفسه إلى جانب “متبرعين مقربين”. لكن صحيفة بي. بي. إس نيوز أور الأمريكية ذكرت أن تفاصيل التمويل ما زالت “غامضة وغير شفافة”، وأن الجهات المساهمة لم تُعلن رسميًا، ما أثار مخاوف من احتمال وجود تضارب مصالح بين الرئاسة والممولين.
وتُقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو ٢٥٠ مليون دولار أمريكي، بعدما كانت التقديرات الأولية تتحدث عن ٢٠٠ مليون دولار فقط. وتشير المصادر إلى أن السبب في زيادة الكلفة يعود إلى تعديلات أُدخلت على التصميم الأساسي ليشمل ممرًا زجاجيًا يربط بين القاعة الجديدة والمبنى الرئيسي، بحيث يتيح للضيوف الانتقال بينهما دون المرور بالحدائق الخارجية.
اعتراضات واسعة وتحذيرات من “طمس الذاكرة”
أثارت الخطوة موجة اعتراضات حادة من قبل مؤسسات الحفاظ على التراث المعماري، التي وصفت الهدم بأنه “جريمة في حق الذاكرة الوطنية الأمريكية”. ووفقًا لتقرير نيويورك تايمز، فإن الجناح الشرقي الذي بُني عام ١٩٤٢ خلال فترة الرئيس فرانكلين روزفلت، يُعد جزءًا من الهوية التاريخية للبيت الأبيض، حيث احتضن مكاتب السيدة الأولى ومستشاريها لعقود طويلة، وشهد أحداثًا بروتوكولية رفيعة.
وأشار خبراء إلى أن أي تغيير بهذا الحجم في مبنى البيت الأبيض لا يُعد مجرد قرار هندسي، بل رسالة سياسية وثقافية تعكس هوية المرحلة ومنظور من يشغل السلطة. ومن هذا المنطلق، يرى كثيرون أن ما يقوم به ترامب هو محاولة لفرض إرثه الشخصي في مقرّ الحكم، حتى بعد مغادرته المنصب.
رؤية ترامب: الفخامة رمز القوة
وفي تصريحات نقلتها واشنطن بوست، قال ترامب إن القاعة الجديدة “ستكون أجمل وأعظم قاعة في العالم”، مؤكدًا أن البيت الأبيض “يستحق تحديثًا يليق بعظمة أمريكا”. وأضاف أن التصميم سيتضمن سقفًا بلوريًا ضخمًا وثريات ذهبية ومساحات فنية ضخمة “تعكس صورة الولايات المتحدة كأمة عظيمة وغنية”.
هذه اللغة التي تجمع بين الفخامة المفرطة والنزعة الاستعراضية ليست جديدة على ترامب، لكنها أثارت انتقادات واسعة من خصومه الذين يرون أن هذا المشروع يتنافى مع روح التواضع والبساطة التي تميّز مقرّ الرئاسة الأمريكية تاريخيًا، حيث ظلّ البيت الأبيض دائمًا رمزًا للمؤسسة وليس للفرد.
جدل يتجاوز الجدران
أما صحيفة ذا تايم الأمريكية، فاعتبرت أن ما يجري ليس مجرد توسعة معمارية، بل “صراع على معنى البيت الأبيض نفسه”؛ فبينما يسعى ترامب لتقديم رؤية جديدة تمزج بين الحداثة والهيمنة البصرية، يتمسك خصومه بفكرة أن البيت الأبيض ملك للأمة الأمريكية وليس ملكًا لأي رئيس مهما كانت شعبيته.
وأضافت الصحيفة أن بدء عملية الهدم قبل اكتمال المراجعة القانونية “يشكّل سابقة خطيرة”، لأن ذلك يفتح الباب أمام أي إدارة مستقبلية لاتخاذ قرارات مماثلة تمسّ رموز الدولة بذريعة التطوير أو التحديث، فهل يمكن للرئيس الأمريكي أن يعيد تشكيل بيت الأمة كما يشاء؟ أم أن رمزية البيت الأبيض تتجاوز سلطة الأشخاص وتعبّر عن استمرارية الدولة نفسها؟