اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
'الجمهورية العربية السورية' الثانية ستكون نسخة معكوسة عن سابقتها على الصعيدين الدفاعي والعسكري
مؤيدو الرئيس السوري أحمد الشرع مبتهجون للنصر العظيم لزيارة الولايات المتحدة ومقابلة الرئيس دونالد ترمب، والحصول على دعم مباشر من الإدارة على جميع الأصعدة وفي جميع المجالات المالية والاقتصادية والدبلوماسية وربما الأمنية والدفاعية. وتمت تغطية شاملة ومفصلة لاجتماعات المكتب البيضاوي والوزارات والأجهزة الأخرى في العاصمة، إلا أن أهم إنجازات الوفد الحكومي كانت تصاريح ترمب المؤيدة والمادحة للرئيس السوري. فتأتي حصيلة الزيارة الأموية 'للإمبراطورية الأميركية' كأنها ناجحة جداً على الصعيد الاستراتيجي، لا سيما بالنسبة إلى السلطة الحاكمة في دمشق.
فالإدارة تبارك دخول الشركات الضخمة الأميركية إلى سوريا، وبسرعة فائقة للغاية، مما يعني سيولة ستذهب إلى الحكم والمكونات الاقتصادية المؤيدة له، وأرباحاً كبيرة ستدخل خزائن البزنس الأميركي وربما الدولة أيضاً. على هذا الصعيد المالي والاقتصادي، فالسلطة المنبثقة تاريخياً عن جبهة 'النصرة' باتت على وشك الوصول إلى مستوى الشراكة الكاملة مع واشنطن، كما هو الحال بين قطر وتركيا من ناحية، والسعودية والإمارات ومصر من ناحية ثانية، مع واشنطن. ولكن ربما المستوى الأهم بالنسبة إلى النظام الجديد هو التعاون العسكري القادم، وهو ربما الأكثر زلزلة من كل المستويات الأخرى.
'الجمهورية العربية السورية' الثانية ستكون نسخة معكوسة عن سابقتها على الصعيدين الدفاعي والعسكري، فسوريا البعث منذ الستينيات وسوريا الأسد منذ 1970 اعتمدتا كلياً على السلاح السوفياتي ومنذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران على الدعم العسكري الخميني. أي بكلام آخر على التسليح الغربي، وبالتالي هل سيتوجه الحكم السوري الجديد إلى الغرب بصورة كاملة؟ هل سيتحول أبناء 'النصرة'، وهي بنت القاعدة تدريجاً، إلى أميركا للتسلح والتدريب تحت حجة 'الشراكة الجديدة'؟ الخطاب 'الجهادي التأسيسي' قد لا يشجع على ذلك، ولكن الاجتهادات الاستراتيجية ليست فقط تقبل بذلك، لكنها ربما تشجعها.
فمبدأ 'التمكين' الذي استحدثه العقائديون الإخوانيون، وعلى رأسهم الشيخ الراحل يوسف القرضاوي، قد سمح 'بالتسلح ولو من العدو الكافر' كما تسلحت طالبان من المخازن السوفياتية وبعد ذلك بعقدين تسلحوا من مخازن الأميركيين من دون عقدة ذنب إطلاقاً. لذا إن حصل أحفاد القاعدة، فرع سوريا والعراق، الذين قبلوا بالصفقة الأميركية، لن يرفضوا سلاح أميركا وعقودها وشركاتها. فالتمكين هو عقيدة تشرع الحاضر والماضي بشرط الالتزام بالمستقبل العقائدي 'عندما تتيح الظروف'. نعم، الدولة الأموية الجديدة ستحصل على السلاح (من 'الكفار') من دون تردد، وستحارب 'الإرهاب' ضمن التحالف الدولي، كما تفعل الأردن ومصر والسعودية والإمارات، بهدف واحد متعدد الرؤوس: الحفاظ على دولتهم لهم، والمحافظة على هويتها الأموية، وتمويلها، وتسليحها، وقهر معارضيها، وإنهاء الدور الاستقلالي للأقليات.
وبالمقابل، تنمية الدولة الجديدة وتحديثها وتحسين وضع علاقاتها في المجتمع الدولي، وإدخالها في التحالف الغربي ولو كان موجهاً ضد فصيل إسلامي متشدد آخر اسمه 'داعش'. فالفصيل الحاكم في دمشق هو الممثل الأعلى لـ'المجاهدين الحقيقيين'، بينما داعش هي 'المنحرفين'، وبالتالي فالأمويون سيقفون مع التحالف الدولي ضد 'منحرفي' الدواعش، ويقبضون ثمن ذلك باعتراف دولي جارف بالسلطة في دمشق وحمايتها ضد كل أعدائها مجتمعين، من إيران إلى إسرائيل إلى دول عربية معتدلة، والسماح لها بالحسم ضد 'أقلياتها المتمردة' من أكراد وعلويين ودروز ومسيحيين وغيرهم. بذكاء وحنكة، ستحول النخبة الأموية الدعم الأميركي إلى حليف ضد أعدائها بعد فتح واشنطن، إلا أن الأخطار متعددة.
الإدارة قد تخصص قاعدة عسكرية قرب دمشق لتوطيد العلاقات الدفاعية بين أميركا وسوريا الأمويين، وتنسق الجهود ضد 'داعش'، إلا أن السلطة الجديدة، وبدهاء كبير، ستحول قوة القاعدة إلى جدار كبير 'لحماية' القصر الجمهوري ووزارة الدفاع ومراكز القوة الأساسية للميليشيات، إذ لديهم قناعة بأن إدارة الرئيس لن تقبل بأن يأمر بنيامين نتنياهو بغارات على قيادات السلطان السورية.
فإسرائيل، التي لم تخف من تركيا، لن تجرؤ على الاصطدام بقوات أميركية منتشرة في سوريا، ولا أن تصطدم مقاتلاتها بالقوة الجوية الأميركية، لذا فحذاقة النظام أن يقيم جداراً أميركياً حول العاصمة يحميها عملياً بحجة حماية الاستثمارات الأميركية. من هنا، فاستراتيجية 'الأمويين الجدد' المدعومة تركياً وقطرياً ستحول سوريا العربية الجديدة إلى محمية أميركية تمتد على ثلاث دول بتمويل استثماري بمليارات الدولارات، وتحت هكذا غطاء فولاذي، ينهي الحكم الجديد مشاريع الحمايات الذاتية، ويضع حداً للتوغل الإسرائيلي، ويؤمن صد أي زحف ميليشياوي من إيران والعراق.
لذا، ففتح واشنطن قد يكون بداية لخلافة أموية متجددة 'عادت لعاصمتها' بعد قرون، تقابل عودة إسرائيل القديمة لأرض كنعان بعد غياب ألفي سنة. هذه حكايات تاريخية، ولكن الحكاية الحقيقية أبسط، لأنها كناية عن صفقات العصر وحسابات معقدة للكتل والمصالح في ثوب عاطفي تاريخي.
سنرى...




































































