اخبار سوريا
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٤ أيار ٢٠٢٥
رحب السوريون بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض يوم أمس نيته رفع العقوبات عن بلادهم، آملين بانفراج أوضاعهم وتعافي اقتصادهم.
عقوبات حولت معيشة السوريين إلى جحيم وحرمتهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة التي يحلم بها أي إنسان، وهم اليوم إذ يشهدون رفعها عن كاهلهم يأملون أن يفسح ذلك لهم في الارتقاء إلى مستوى الدول الأخرى التي وضعت قضايا المعيشة والمواصلات وتوفير الوقود والكهرباء وراء ظهورها منذ أمد طويل وأخذت بأسباب العلم الذي وضعها في مصاف الدول المتقدمة التي تليق بشعب طاعن في العراقة والتنوع الحيوي مثل الشعب السوري، الذي وجد في قرار الرئيس الأمريكي باكورة الأحلام التي راودته طويلاً وسط ظلام دامس بدا وكأن لن يطلع عليه فجر قبل أن يحرك قرار ترامب المياه الراكدة على نحو لم يكن متوقعاً بهذه السرعة والسلاسة الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل عن التنازلات المقدمة من قبل حكومة دمشق الحالية لواشنطن وتل أبيب فيما يخص هذا الشأن وعن المدى الذي وصلته حدود المقايضة المتصلة حكماً بسيادة البلاد وقرارها المستقل ووحدتها الوطنية كما يرى المشككون.
أسئلة قد لا يبدو الكثير من السوريين معنيين بالإجابة عليها أو حتى طرحها فالقاع الذي وصلوا إليه اليوم بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب الطاحنة والتدخل الأجنبي الواسع في شؤونهم ودعم بعضهم على حساب البعض الآخر جعل الأولوية بالنسبة لهم تتمثل اليوم في ثنائية الأمان والمعيشة الكريمة وما دون ذلك يبقى بالنسبة لهم وحتى إشعار آخر مجرد ترف معنوي كان حتى الأمس القريب في عداد الأحلام البعيدة المنال.
ماذا بعد رفع العقوبات ؟
يرى الخبير الاقتصادي السوري حسن ديب أن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا سيكون له مفعول عظيم على الاقتصاد الوطني السوري الذي قيدته هذه العقوبات وفرضت عليه إيقاعها الباهت الرتيب في حين أن الحال اليوم سيسمح بتدفق السلع والبضائع الأساسية التي ستصبح متوفرة على كافة المستويات الاستهلاكية والدوائية وقطع الغيار والصيانة وغيرها من القطاعات الهامة التي أصيبت بما يشبه حالة الشلل التام بسبب من الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا على الشعب السوري.
وفي حديثه لـ 'RT' أشار ديب إلى أن قرار الرئيس الأمريكي ترامب برفع العقوبات عن سوريا سيساهم في إعادة إعمار البنى التحتية التي أتت عليها الحرب والتي تشمل المدارس والمستشفيات والمنشآت الصناعية والخدمية والمنشآت المرتبطة بالنفط وحوامل الطاقة التي طالما اعتمد عليها الاقتصاد السوري وكانت محركه الأول.
وأضاف بأن الأهم من كل ذلك هو حالة المناخ الإيجابي الذي سيعقب عملية رفع العقوبات والذي سيسمح للمستثمرين السوريين بالعودة لبناء وطنهم والمستثمرين الأجانب بالقدوم إلى سوريا التي ستكون بالنسبة لهم أرضا خصبة لزراعة أموالهم فيها بعد رفع العقوبات بحيث ينتج المال أموالاً مع حرص الحكومة السورية على تذليل العقبات أمامهم بهذا الشأن مشيراً إلى أن القرار الأمريكي برفع العقوبات سيستدعي بالضرورة قراراً أوروبياً مشابهاً ومن دول أخرى كذلك.
وشدد الخبير الاقتصادي في حديثه لموقعنا على أن قرار ترامب سيعجل في تحرير الأموال السورية المجمدة في البنوك الدولية بحيث تصبح متاحة في يد الحكومة لتنفقها على مشاريع البناء والإعمار خاصة مع عودة سوريا للنظام العالمي (swift) والذي يعني جذب المستثمرين والشركات العربية والأجنبية إلى السوق السورية التي ستصبح واعدة كما أن القرار سيسمح برفع القيود عن التجارة والاستيراد والتصدير واستئناف التحويلات المالية من الخارج دون عقبات تذكر الأمر الذي سينعكس بقوة على استقرار الليرة السورية وسعر صرفها بسبب من توفر القطع الأجنبي وهو ما انعكس إيجابيا على القدرة الشرائية لليرة التي ارتفعت بنسبة 10% بعد إعلان ترامب عن رفع العقوبات وفق ديب الذي أكد على أن كل القطاعات الاقتصادية والخدمية السورية ستشهد تحسناً وخاصة على مستوى الطاقة الكهربائية وإصلاح شبكاتها وتخفيف ساعات التقنين وصولاً إلى الغائه بشكل نهائي.
وأضاف بأن القرار سيسمح بإيجاد آلاف فرص العمل للسوريين في مشاريع إعادة الإعمار كما أنه سيؤدي بالضرورة إلى خفض أسعار السلع الأساسية بشكل تدريجي بعد توفر السيولة نتيجة تدفق الأموال واستقرار الليرة السورية ربطا بأسعار العملات الأجنبية .
وختم ديب حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا سيشجع الدول العربية والأجنبية على الانفتاح السياسي على دمشق التي ستستقبل البعثات الدبلوماسية الدولية وترسل بعثاتها كذلك إلى هذه الدول التي طالما ربطت رغبتها في الانفتاح على سوريا بالقرار الأمريكي خشية أو تماهيا مع واشنطن.
رفع العقوبات ستمكن سوريا اليوم وخاصة على مستوى المال الخليجي المساهمة في إعادة الإعمار الذي سيؤسس لحالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي ينتج عنه تحسن المستوى المعيشي وتسريع عودة اللاجئين ورؤوس الأموال من الخارج للمساهمة في إعادة الإعمار.
السوريون مبتهجون
يرى السوريون بأن قرار رفع العقوبات الأمريكية عن بلادهم يشكل أهم خبر سمعوه منذ سقوط نظام الأسد.
مجد طالب صيدلة أكد في حديثه لـ 'RT' أن النظرة الشائعة عند عموم السوريين حول رفع العقوبات الأمريكية ترتبط فقط بزيادة الرواتب واستقرار الأسعار في حين أن الأمر يتصل بالارتقاء إلى مستوى بقية الأمم في مجالات التقدم التكنلوجي والاقتصادي والتجاري والسياحي والخدمي والاجتماعي وبمجالات الاتصالات والمال والأعمال مشيراً إلى أن سوريا تفتقد اليوم لأبسط آليات العمل العلمي الحضاري الذي يؤسس لنهضة شاملة ما كانت لتقف على قدميها في ظل العقوبات الأمريكية والغربية.
عمار طالب اقتصاد أعرب في حديثه لموقعنا عن سعادته البالغة هو وكل السوريين بقرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا مشيراً إلى أنه ومن خلفيته المهنية تلمس أولى البواكير الإيجابية لهذا القرار من خلال استعادة الليرة السورية لبعض من عافيتها حيث بدأ التجار بتداول الدولار تحت 8 آلاف ليرة سورية وسط حركة كثيفة لبيعه في السوق السوداء خوفاً من هبوط قيمته أكثر خلال الساعات القادمة.
ووجه عمار الشكر للأمير محمد بن سلمان على الجهود الكبيرة التي بذلها في سبيل إقناع الرئيس ترامب بقرار رفع العقوبات عن بلاده متمنياً أن تحذو سوريا حذو المملكة العربية السعودية في التطور والنمو والازدهار.
عدي استاد فيزياء من طرطوس لم يخف سعادته بقرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا معتبراً أنه قرار انتظره السوريون بالكثير من الشغف على مدى سنوات طويلة اعتراهم فيها الكثير من خيبة الأمل.
وفي حديثه لموقعنا تمنى عدي أن يساهم هذا القرار في استعادة الدولة السورية لعافيتها ويؤسس لحالة استقرار اقتصادي يؤسس بدوره لاستقرار مجتمعي ينشغل عن الصراعات الداخلية في الوطن والأحقاد المذهبية المستعرة بين أبنائه والتي عزاها عدي لحالة الفقر والتشرد التي يعيشها السوريون وما يمكن أن يسببه رفع العقوبات عن بلدهم في عودتهم إلى جادة الصواب والانشغال بما يفيد عما يضر على اعتبار أن العمل والخير العميم في المجتمع واستثمار الوقت على الوجه الأمثل يصرف أبناءه عن كل الشرور.
السيدة عبير دكتورة أطفال أكدت في حديثها لموقعنا أن رفع العقوبات لن يعقبه حل سحري لمشاكل السوريين الاقتصادية لكنه سيضعهم على سكة الحل ويسقط عنهم حالة الإحباط التي اعترتهم خلال الشهور الماضية حيث بدا رفع العقوبات وكأنه حالة بعيدة وتحتاج إلى حل الكثير من التعقيدات على مستوى القرار السياسي الأمريكي وأخرى على مستوى استجابة الرئيس الشرع للشروط المفروضة عليه فيما كان هم السوريين منصباً على تعليق جزئي لها كأقصى ما راود أحلامهم قبل أن تثمر جهود الأمير محمد بن سلمان عن الخبر السعيد.
وشددت الدكتورة عبير على أن فرحة السوريين برفع العقوبات يجب أن تصرف عملا دؤوبا ووحدة وطنية وبعدا عن التنازع والاختلاف وتبادل الشتائم والتخوين.
ما هو الثمن المدفوع ؟
من جانبه يرى المحلل السياسي حكمت زينة أن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بهذه السهولة بعد الإيحاء بأن واشنطن ليست مستعجلة على ذلك وبعد الامتناع الصريح عن إعطاء الشرعية الدولية لحكومة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع يؤكد بأن دمشق قد قايضت هذا الموقف بتنازلات كبيرة تتعلق بسيادتها على أرضها وشعبها .
وفي حديثه ل 'RT' رجح زينة أن يكون التخلي عن الجولان لإسرائيل وتحويل المنطقة الجنوبية من سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح جزء من هذا التنازل فضلاً عن تقديم اغراءات كبيرة للشركات الأمريكية تجعلها تحكم السيطرة على مقدرات البلاد وربما على أقاليم فيها على النحو الذي يجري في شمال شرقي سوريا.
وعلى الرغم من إبداء تفهمه لظروف الحكومة السورية وبحثها الحثيث عن الاعتراف الدولي بها من خلال البوابة الأمريكية فإن المحلل السياسي تمنى ألا يساهم تعويم حكومة الشرع واعطائها الاعتراف الدولي في إطلاق يدها في الداخل بحيث تجد نفسها في حل من التعهدات التي أعلنتها بخصوص حماية حقوق الإنسان والأقليات والمرأة و الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للشعب السوري المتنوع مشدداً على أن رفع العقوبات يجب أن يكون انتصارا للشعب السوري بمجمله ولبس تفوقا لمكون على آخر أو لقيادة على من لا يوافقها الرأي في سياستها داخل البلد.
وختم زينة حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن رفع العقوبات عن سوريا يبقى فرصة عظيمة يجب اغتنامها من أجل بناء الوطن بصرف النظر عما جرى داخل الغرف المغلقة في كواليس السياسة الدولية والثمن الباهظ الذي يعتقد بأن دمشق قد دفعته من كرامتها الوطنية فالمهم بالنسبة له أن تكون الحكومة السورية على قدر المسؤولية تجاه هذه الفرصة التي قد تكون الأخيرة بالنسبة لها حيث لا يوجد ما تقايض عليه في المستقبل.
المصدر: RT