اخبار سوريا
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
عانت سورية على مدار السنوات الماضية من تضخم اقتصادي مفرط، أصبح معه ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية للمواطنين واقعا يؤثر على خياراتهم، ويعمق الفجوة بين احتياجاتهم الأساسية ودخلهم.
ويبين أستاذ الاقتصاد في جامعة طرطوس د.علي جديد، لموقع صحيفة «الثورة»، أن سورية تشهد تراجعا تدريجيا في معدلات التضخم، بعد أن بلغت مستويات استثنائية خلال السنوات الماضية.
وهذا التراجع مدفوع بتحسن نسبي في سعر الصرف، وزيادة المعروض السلعي، لكنه لا يزال هشا، ما لم يترجم إلى استقرار نقدي ومالي فعلي، وتدخلات إنتاجية ولوجستية تعالج جذور اختناقات العرض.
وقدم د.جديد عددا من المقترحات لتخفيف التضخم، بدءا بتحييد صدمات الغذاء والطاقة، من خلال تنويع مصادر الاستيراد وتسهيل اللوجستيات، بما يقلل من زمن وتكلفة وصول السلع الأساسية إلى الأسواق، ويحد من التسعير التحوطي، كما أن دعم الإنتاج المحلي المستهدف، عبر حوافز للمدخلات الزراعية والطاقة الصغيرة والمتجددة، من شأنه تقليل تكلفة الإنتاج الغذائي، وخاصة إذا اقترن بقنوات شراء مباشر للسلع الأساسية.
أما على صعيد الاستقرار النقدي، فإن الإدارة النقدية الحذرة ضرورية لمواءمة المعروض النقدي مع قدرة الاقتصاد على الإنتاج، لتجنب إعادة إشعال موجات تضخم الطلب، وإن توجيه التمويل نحو القطاعات ذات الوزن الكبير في سلة الأسعار، كالإسكان والكهرباء والغذاء والنقل، يساهم في تخفيف اختناقات العرض التي تغذي الضغوط التضخمية.
ولا يمكن إغفال أهمية الشفافية وحوكمة السوق، عبر نشر دوري لمؤشرات تفصيلية، حسب المحافظات والسلع، ما يساعد التجار والمستهلكين على مواءمة التوقعات وتقليل التسعير الوقائي، وضرورة الرقابة التنافسية على سلاسل التوزيع للحد من الممارسات الاحتكارية في حلقات الوساطة ذات التأثير السعري الكبير.
تحديات
وختم د.جديد أن الطبيعة الهيكلية لارتفاع التكاليف، وثقل الغذاء والطاقة في سلة الاستهلاك، يجعلان التحسن هشا إن لم يترجم إلى استقرار نقدي ومالي، وتدخلات إنتاجية ولوجستية تعالج جذور اختناقات العرض، وأن الحفاظ على هذا المسار، يتطلب مزيجا من سياسات دقيقة وشفافة، تعطي أولوية لقطاعات ذات أثر مباشر على ميزانية الأسر، وتعزز مناعة الاقتصاد في وجه الصدمات الخارجية.
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي إيهاب اسمندر أن التضخم التراكمي بلغ قبل سقوط النظام بين عامي 2011 و2024 حوالي 16 ألفا %، وهو رقم يعكس انهيارا شبه كامل في القيمة الحقيقية لليرة السورية.
وتتمثل الأسباب الداخلية للتضخم بالتراجع الكبير في الإنتاج المحلي، وانخفاض الصادرات إلى ما يقارب 6% فقط، عما كانت عليه في العام 2011، إضافة إلى تراجع السياحة إلى أقل من 20% عن مستواها في عام المقارنة، وارتفاع العجز في الميزان التجاري من ستة إلى خمسة وثلاثين بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن غياب السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الصحيحة، ساهم بدور كبير في التضخم.
أما العوامل الخارجية للتضخم، فجاءت ـ حسب اسمندر ـ بسبب العقوبات الاقتصادية التي رفعت تكاليف الشحن والتحويلات المالية، والأزمة المالية في لبنان عام 2019 التي أدت إلى فرض قيود مصرفية صارمة على الحصول على الدولار، إلى جانب الاحتلال الأميركي لحقول النفط والقمح السورية، ما حرم الاقتصاد من موارد استراتيجية.
ويضيف اسمندر: تجلت آثار التضخم في تآكل شديد بالقوة الشرائية لليرة السورية، ففي العام 2022، ارتفعت تكلفة المعيشة بنسبة تقارب مئة بالمئة، وأصبح الحد الأدنى للأجور لا يغطي سوى خمس سلة الغذاء، كما تفاقمت معدلات الفقر، حيث كان يعيش أكثر من تسعين بالمئة من السكان تحت خط الفقر، ونتيجة لذلك بدأت أسر سورية تخرج أولادها من المدارس لتشغيلهم في سوق العمل، ما أدى إلى وجود أكثر من مليوني طفل سوري خارج المدارس.
وأخيرا يرى اسمندر أن معالجة التضخم في سورية لن تحصل بشكل تلقائي، وأي تحسن لن يكون مستداما ما لم يبن على أسس اقتصادية سليمة، لذلك ينبغي على أصحاب القرار وضع آلية علمية واضحة للتخلص من هذا المرض الخطير، وإعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس متينة، تضمن الاستقرار الحقيقي لا الوهمي.