اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢١ أذار ٢٠٢٥
تقول المصادر التاريخية التي عرضناها في الجزء الأول، إن حركة المقاومة في المنطقة الشرقية وتحديدا البوكمال أفشلت المشروع الفرنسي لإقامة 'إقليم بدوي' في المنطقة، وبعد الاستقلال عن فرنسا، بدأت الحكومات السورية المتعاقبة في تنفيذ مشاريع تنموية كبرى في الجزيرة السورية، خاصة في مجالي الزراعة والري، وكان لدير الزور دور مهم في هذه المرحلة. ومن أبرز التطورات مشاريع التوسع الزراعي مثل مشروع الري على نهر الفرات، الذي أسهم في زيادة إنتاج الحبوب خاصة القمح، والتحول إلى الزراعة المروية، بفضل السدود الصغيرة وشبكات الري الحديثة لزيادة الإنتاج الزراعي والتجاري حيث أصبحت دير الزور مركزا لتجارة الحبوب والماشية مع المدن السورية الأخرى، ما أدى لازدهار الأسواق المحلية. ورغم امتلاك دير الزور موارد طبيعية ضخمة خاصة النفط والغاز إضافة إلى مساحات زراعية واسعة، إلا أنها لم تشهد استثمارات تنموية تتناسب مع هذه الثروات خلال فترة حكم النظام السوري المخلوع الذي لم يتبع سياسة التنمية في معظم أنحاء سوريا، لكنه اعتمد على تهميش الأطراف ومركزية دمشق وحلب.
لم يُنظر إلى دير الزور على أنها منطقة تحتاج إلى تطوير، بل على أنها مجرد منطقة موارد طبيعية يتم استغلالها لصالح الدولة وأدى غياب الاستثمارات في البنية التحتية مثل الطرق والمرافق الصحية والتعليمية إلى بقائها متأخرة تنمويا، ويمكن تلخيص أسباب عدم حصول دير الزور على استثمارات تنموية تتناسب مع ثرواتها في عاملين أساسيين:
نظام الأسد والذاكرة البعثية
يقول الكاتب السوري إبراهيم الجبين لموقع تلفزيون سوريا، إن نظام حافظ الأسد ومن بعده ابنه، لك يكن نظام حكم سياسي، وكان يعمل بذهنية 'انتقامية ثأرية'، ومع تباعد الزمن يصبح من الصعب على السوريين فهم أسباب بعض السلوكيات التي ينتهجها، ومن بينها موقفه المعادي للمنطقة الشرقية.
ويضيف أن 'لهذا أسباب قوية بالنسبة إليه؛ أولها ذاكرته الحزبية البعثية التي تعود إلى قيادة حزب البعث والتي كان في صدارتها شخصيات من دير الزور والحسكة والرقة مثل المؤسس الرابع لحزب البعث جلال السيد (1913 ـ 1992) والذي تم تهميشه حتى في التأريخ لهذا الحزب الذي كتبه من يتبعون لحافظ الأسد، وهناك الطبيب والسياسي ورئيس الوزراء يوسف زعين والذي سجنه حافظ الأسد طويلاً وهناك العشاوي والوزير الدكتور عبدالسلام العجيلي، إضافة إلى شخصيات ذات وزن من تيارات مختلفة، غالبيته لم تكن تقول لحافظ الأسد 'سمعاً وطاعة' وهو ما لم يكن يريده من أي من السوريين، السبب الآخر يرجع للطبيعة السكانية للمنطقة الشرقية، فهي منطقة رأس مالها هو التعدد والعيش المشترك، العرب مع الأكراد مع المسيحيين والإسماعيليين والشيشان والأرمن والسريان والآشوريين والإيزيديين، كانوا يعيشون بسلام ومحبة وبتجربة فريدة من نوعها حقّاً وكنا نفخر بها، وهذا مناقض تماماً لمنطق حافظ الأسد الذي أراد تعزيز الطائفية للسيطرة على سوريا وشعبها، أضف إلى ذلك أن الاتجاه العام لملايين العرب من سكان المنطقة الشرقية هو اتجاه عروبي قوي، ما يجعله ضاغطاً على سياسات الأسد التي لم تكن إيجابية دوماً تجاه الدول العربية، وفي مقدمتها الجار العراقي، لذلك فإن نظام الأسد لم يكن يثق بالمنطقة الشرقية وكان يريد إنزال العقاب بها وتهميشها وتصويرها على أنها منطقة متخلفة وهمجية طوال الوقت، واستمر بشار على هذا النهج'.
التهميش والحرمان من التنمية
طبق النظام المخلوع نسقا كاملا من التهميش والحرمان والتجهيل بشكل ممنهج على محافظات المنطقة الشرقية، ينطلق من عدم الإنصاف في الموازنات والتخديم مع أن هذه المحافظات هي خزان ثروات سوريا، نفط وغاز ومياه وقمح وقطن وإنتاج كهرباء، ومع ذلك كانت لا تحصل على حصتها العادلة من الميزانية العامة للدولة.
ويضيف الجبين 'كان نظام الأسد يفرز ضباطه من أبناء الساحل إلى المنطقة الشرقية، كي يستفيدوا خلال سنوات عملهم هناك، وكان هؤلاء الضباط يقاسمون الفلاحين والمزارعين الكبار أملاكهم عنوة ويحصلون على حصص سنوية من المحاصيل تقدّر بملايين الدولارات لكل واحد منهم، والأنكى من ذلك أنهم كانوا يضغطون بسبب جشعهم على المزارعين فيأمرونهم بزراعة الأرض بطرق غير متبعة في المحافظات الشرقية عادة، فكما تعلم، الفلاحون يتعاملون مع أرضهم بعناية ويختارون لهذا الموسم صنفاً زراعياً مختلفاً للحفاظ على صحة التربة، ولكن الضباط الذي كانوا يتعاملون بعقلية الغزاة لتلك الأرض لم يكن يعني لهم هذا شيئاً، إلى درجة أنهم كانوا من أجل المزيد من استنزاف خيرات المنطقة يأمرون المزارعين بحفر آبار ارتوازية عميقة جداً (وهذا ممنوع في القانون ولكن بنفوذهم كانوا يحصلون على موافقات واستثناءات) وهذه الآبار استهلكت البحيرة الجوفية التي كانت تسبح عليها الجزيرة السورية، ومع الزمن جفّت الأنهار والبحيرات والعيون وهذا أدى إلى تصحّر التربة والجفاف الذي أفقد السكان مصادر رزقهم فنزح حتى العام 2010 أكثر من مليون سوري من أبناء المحافظات الشرقية إلى أحزمة الفقر في المدن الكبرى كدمشق وحلب ليبحثوا عن مصدر دخل بديل وهم ملاك أرض وخيرات معطّلة'.
ويروي الجبين، مثالا آخر أكثر إيلاماً وهو تعطيل البروتوكول الدولي الذي يفرض على الشركات التي تعمل في التنقيب عن النفط والغاز أن تقوم بتخصيص جزء من أرباحها لتنمية وتعويض المنطقة التي تعمل فيها عن ارتفاع الحرارة والتغير المناخي الذي تسببه عملية استخراج النفط والغاز، وهذا البروتوكول الدولي التزمت به الشركات الكبرى التي كانت في حقول الحسكة ودير الزور وأرادت تطبيقه بالفعل، ولكن 'نظام الأسد بقي يرفض هذا ويشترط على هذه الشركات أن تقوم بدفع المبالغ التي تريد إنشاء الحدائق والخدمات والشوارع والجسور بها إليه هو كي يسرقها'.
'وهكذا كان يفعل مع مبادرات المفوضية الأوروبية تجاه المنطقة الشرقية. فلم يسمح النظام المخلوع بالتنمية وواصل النهب والتضييق على السكان وتمزيق وحدتهم الوطنية عبر تمويل ودعم وإطلاق يد حزب العمال الكردستاني pkk منذ الثمانينيات ضد الأكراد السوريين، فكان الخصم السياسي لحزب العمال من الأكراد السوريين عليه أن يتحمل نتائج ذلك مع المخابرات السورية، فتم اعتقال العديد منهم وزجهم في السجون لسنوات، فقط لرفضهم نفوذ هذا الحزب الذي أراد منه الأسد الضغط على تركيا وإتاحة شن عمليات ضدها عبر الحدود..'، يقول الجبين.
تعليم وطبابة بالحد الأدنى
يذكر أحد أبناء دير الزور أن النظام أطلق اسم 'مفاضلة المناطق النائية' على مفاضلة الطلاب الناحجين في مرحلة البكالوريا، حيث لم يكن في المحافظات الثلاث 'دير الزور ـ الحسكة ـ الرقة' جامعات، فقط في دير الزور كانت كلية الزراعة التي استوعبت خريجي المرحلة الثانوية من أهالي المنطقة، وكانت الحالة التعليمية للمحافظات عموماً في المراحل التي تسبق الجامعة كانت مزرية، الأبنية متخلفة ومتهالكة وباردة جداً في الشتاءات القارسة والطرقات إليها محفّرة، هذا في المدن، أما في الأرياف فكانت المدارس عبارة عن غرف طينية، وفي بعض الأحيان تكون المدرسة كلها غرفة واحدة كبيرة، بقيت المدارس متخلفة في البناء والتجهيز، ومع أن أبناء المنطقة كان يتخرّج منهم سنوياً أعداد كبيرة من المعلمين والمعلمات إلا أنك تفاجأ حين تعلم أن غالبية المعلمين والمعلمات في مدارسها كانوا من الساحل، وكنا نرى المعلمات والمعلمين يسكنون بالمجان ضيوفاً عند الأهالي الذين كانوا يرفضون تقاضي أي مبالغ شهرية كإيجارات أو غيرها، بل كانوا يتكفلون بطعام وشراب المعلمات والمعلمين يومياً، كي يهتموا بتعليم أبنائهم وبناتهم.
حشود واحتفالات شعبية في عدة مدن سورية تأييداً لدمج 'قسد' بالدولة
ويوضح الجبين، أن النظام المخلوع كان يفتتح معاهد لاختصاصات غير متقدمة علمياً، كالمعاهد الرياضية ومعاهد المراقبين الفنيين، أما دار المعلمات في دير الزور فتعود لعهود قديمة قبل عهد البعث.
كما لم يكن في المحافظات الشرقية مستشفيات متخصصة، فقط المشافي التي بناها العثمانيون والفرنسيون واستمرت كمشافٍ وطنية عامة، تقدّم خدمات بسيطة جداً، وكان الأهالي يضطرون إلى السفر إلى حلب أو دمشق كلما مرض أطفالهم، للمعاينة والعلاج، ولم يكن في المناطق أي مؤسسات طبية بحثية حتى بالحد الأدنى كافية للنهوض بالواقع الصحي لأهلها أسوة ببقية المناطق السورية. ولم يكن يُسمح بافتتاح بمستشفيات خاصة إلا باستثناءات وكان في محافظة الحسكة مشفى خاص وحيد وصغير جداً حتى نهاية التسعينيات.
عبر تلك الفترة مرت دير الزور والمنطقة الشرقية عموما بتحولات اقتصادية كبيرة من اقتصاد رعوي وزراعي بسيط إلى اقتصاد قائم على الزراعة الحديثة والتجارة والنفط، لكنها بقيت مرتبطة بمركزية دمشق وحلب فكيف أثر هذا الربط اقتصاديا على المنطقة؟
يقول 'الجبين' إن القيمة الكبرى للمحافظات الشرقية تعود إلى تنوّع الاقتصاد فيها، فهي منطقة يتواجد فيها الرعي إلى جانب الزراعة والصناعات التي اشتهرت بها حتى خارج سوريا، من صناعات الحرير التي عرفت بها دير الزور وكان الحرير هو نفط القرن التاسع عشر، وكانت مدينة دير الزور تصدّر القماش والعبي والمنتوجات النحاسية والجلدية باتجاه الموصل وحلب وهما خطوط التجارة وطرقها في الماضي، ولكن تم تدمير هذه الصناعات عبر قطع حلقاتها الحيوية، وحين تم اكتشاف الغاز والنفط أصبحت المنطقة محط اهتمام الخبراء الأجانب الذين كانوا يقدمون إليها للعمل فيها، والأمر ذاته ينسحب على الرقة التي سكنها العديد من السوريين من مناطق مختلفة بسبب عملهم في سد الفرات، هذه الحالة عزّزت التنوع السكاني والإثني ويفترض أن تكون عاملاً منعشاً للحياة العامة، لكن هذا لم يحدث بسبب قوة ضغط نظام الأسد التي جهدت لمنع مثل هذا التحوّل. وفي المراحل التالية أصبحت المنطقة الشرقية خزاناً لتصدير الكفاءات إلى حلب ودمشق التي كان أصحابها يفضلون العيش في المراكز الأكثر تقدماً والتي تنتشر فيها الفرص. ما حرم المنطقة الشرقية من خبراتهم التي كان يمكن أن يرفدوها بها.
اكتشاف النفط في المنطقة الشرقية
بعد اكتشاف النفط في الثمانينيات، أسماها النظام المخلوع 'المناطق النامية' ورغم أن المنطقة أصبحت موردا رئيسيا للنفط والزراعة في سوريا، إلا أن الحكومات المركزية لم تستثمر بشكل كافٍ في تنميتها، مما جعلها تعاني من الفقر والتهميش. وكان لاكتشاف النفط في دير الزور في الثمانينيات تأثير كبير على الاقتصاد المحلي، حيث أدى إلى:
لكن في المقابل، ظلت عوائد النفط تتركز في يد الحكومة المركزية، ولم تحصل دير الزور على استثمارات تنموية تتناسب مع حجم ثرواتها الطبيعية. وبقي نمو دير الزور كمركز زراعي وتجاري مرتبطا بدمشق وحلب، حيث تم إنشاء مطاحن ومصانع لمعالجة المنتجات الزراعية. لكن مع ذلك، ظلت هناك مشكلات تتعلق بـالبيروقراطية الحكومية وهيمنة القطاع العام، مما حدّ من دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
أما العائدات فقد كانت تُحوَّل إلى حسابات الدولة في دمشق لدعم مؤسسات النظام والجيش، ولم يُستخدم جزء كافٍ من أرباح النفط والغاز في إنشاء مشاريع اقتصادية تخدم سكان المحافظة، بل تم توجيهها إلى تمويل الإنفاق العسكري والسياسي للنظام المخلوع. وسمح النظام لشركات خاصة مرتبطة به، مثل شركات رامي مخلوف، بالسيطرة على بعض الاستثمارات النفطية مما حرم السكان من الاستفادة المباشرة من هذه الموارد.
وشارك سلطات النظام المخلوع أشخاص من أبناء المحافظة الذين تولوا مناصب حزبية وإداريه ولم يخدموا مدينتهم أو محافظتهم و'كانوا وبالا عليها وركزوا جهدهم واستغلوا مواقعهم لمصالهم الشخصية وعمل الكثير منهم سماسرة لدى القيادات العليا في الحزب وضباط الأمن وعائلة الأسد' وفق مصادر محلية.
تأثير العقوبات الدولية وغياب الاستثمارات الأجنبية
منذ فرض العقوبات الاقتصادية على سوريا في فترات متقطعة، وخاصة بعد عام 2003 بسبب سياسات النظام المخلوع، تراجعت الاستثمارات الأجنبية في دير الزور، خصوصا في قطاع النفط.
كما أن الشركات الكبرى التي كانت تعمل في المنطقة، مثل شركة شل الهولندية وتوتال الفرنسية، غادرت سوريا بعد 2011، مما زاد من عزلة دير الزور اقتصاديا.وعند اندلاع الثورة السورية في 2011 تحولت دير الزور إلى ساحة معارك رئيسية بين النظام المخلوع والمعارضة، مما أدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية، خاصة المنشآت النفطية والمشاريع الزراعية.
ومع ظهور تنظيم 'داعش' في 2014، استغل التنظيم موارد النفط في دير الزور لصالحه، ما زاد من استنزاف ثروات المحافظة. وعقب استعادة النظام السيطرة على بعض مناطق دير الزور بدعم إيراني وروسي، تحولت المنطقة إلى ساحة نفوذ عسكري بدلاً من أن تكون مركزا اقتصاديا حيويا.
الفجوة التنموية بين المحافظات السورية بالأرقام والمصادر
نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عدة تقارير عن التنمية في سوريا قبل الحرب وخلالها، وأظهرت هذه التقارير تفاوتا كبيرًا في مؤشرات التنمية بين المحافظات.
• تقرير التنمية البشرية في سوريا (2005، 2010) أشار إلى أن:
دمشق واللاذقية وطرطوس كانت الأعلى في مؤشر التنمية البشرية، بسبب الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية والخدمات العامة.
دير الزور والحسكة والرقة كانت بين الأدنى في المؤشر، رغم امتلاكها موارد طبيعية كبيرة، لكنها لم تحصل على استثمارات تنموية كافية.
معدل الفقر في دير الزور عام 2010 كان 33%، مقارنة بـ 12% فقط في دمشق.
التفاوت في التنمية بين المحافظات السورية
من جهته أشار البنك الدولي إلى أن التفاوت في التنمية بين المناطق السورية كان موجودا قبل 2011، لكنه تفاقم بسبب الحرب.
قبل عام 2011:
كانت محافظات المنطقة الشرقية (دير الزور، الرقة، الحسكة) الأقل في معدلات التعليم والصحة مقارنة بالمحافظات الساحلية والغربية.
نصيب الفرد من الإنفاق العام على الصحة في دير الزور كان أقل بـ40% مقارنة بدمشق.
بعد عام 2011:
أما من ناحية الدخل فبحسب تقرير المركز السوري لبحوث السياسات (SCPR) الصادر عام - 2019:
• بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب:
دمشق: 5000 دولار سنويا
دير الزور: 1800 دولار سنويا
• معدل الفقر المتطرف عام 2019:
دمشق: 45%
دير الزور: 85%
تشير خلاصة الأرقام والفجوة التنموية بين المحافظات السورية إلى أنه قبل العام 2011، كانت دير الزور والحسكة من بين أفقر المحافظات رغم مواردها النفطية، وكانت الاستثمارات الحكومية تتركز في دمشق والساحل السوري، مما أدى إلى تفاوت واضح في التنمية. وبعد الحرب، تفاقمت الفجوة التنموية، حيث دُمّرت المحافظات الشرقية وأصبحت الأكثر تضررا اقتصاديا، ودير الزور اليوم من أكثر المحافظات فقرا، مع معدلات بطالة مرتفعة وانعدام للاستثمارات، رغم أنها تحتوي على حقول النفط الكبرى في سوريا.
فكر قومي وجدّات أرمنيات
يرى الجبين، أن الحديث عن الكلتة السكانية في المنطقة يحمل حساسية عالية، لأنه يرتبط باتجاه ثقافي لسكان المنطقة الشرقية الذين لم يحملوا الفكر القومي العربي لأسباب أيديولوجية وعرقية، وإنما حملوه كثقافة طبيعة لأنهم امتداد طبيعي لأجدادهم وعاداتهم وتقاليدهم ويربطهم بدمشق نفس الرابط الذي يربطهم بنجد والحجاز والعراق، فكان من البديهي أن يتمتعوا بحس عروبي عفوي.
ولكن هذا الشعور لم يمنعهم من استضافة اللاجئين الذين قدموا إليهم من ثقافات مختلفة، فكانت الحسكة هي من استقبل قوافل اللاجئين الشركس والشيشان الذين فروا من بطش روسيا القيصرية، واستقبلت الحسكة اللاجئين الأكراد الذين قدموا من تركيا وشمالي العراق وسكنوا مثلهم مثل غيرهم وتم الترحيب بهم، ويضاف إليهم عشرات الآلاف من اللاجئين الآشوريين الذين نزحوا من العراق بعد 'مجازر ارتكبت ضدهم في ثلاثينيات القرن العشرين وأسسوا القرى بضيافة العرب. ثم بعد ذلك من وصل إلى دير الزور من الأرمن، فاستقبلهم أهلها بترحيب العربي بضيفه، ودمجوهم في مجتمعهم ولم يجبروهم على تغيير دينهم، ولهذا تجد كنيسة الأرمن في دير الزور التي لا مثيل لها في العالم، حتى أن كثيراً من أهل دير الزور لديهم جدّات أرمنيات'.
ويرى الجبين أن هذا التاريخ 'لم يمنع 'قسد'واجهة حزب العمال الكردستاني في شرقي سوريا، من إقناع الغرب بأن ملايين العرب من سكان المنطقة الشرقية هم 'مجرّد كثافة سكانية' لا أكثر، وأنهم لا ثقل لهم وأنهم بلا نخب ولا أدوار يمكن أن يلعبوها في سوريا'.
ثقل سياسي وسكاني
يضيف الجبين أن 'المحافظات الشرقية دير الزور والحسكة والرقة هي الثقل السكاني لسوريا، وهي العمود الذي تقف عليه الخيمة الوطنية السورية، ومن دونهم لا يمكن لسوريا أن تتوازن لا داخلها ولا ضمن الإقليم والشرق الأوسط'.
تم احتلال هذه المنطقة على يد الإنكليز والفرنسيين، وظهرت فيها مقاومة وثورة ضد الاستعمار قبل الثورة السورية الكبرى، وظهر الشيخ مشرف الدندل والشيخ رمضان باشا شلاش، وقبله الحاج فاضل العبود الذي شكّل أول حكومة عربية في دير الزور حتى قبل وصول قوات الثورة العربية إليها، في 6 تشرين الأول عام 1918 بعد انسحاب الجيش العثماني من المنطقة، دخلت دير الزور في مرحلة سميت بمرحلة 'الفلت'، أي الفوضى، ولكن الشخصيات الوطنية والأعيان في دير الزور شكّلوا مجلساً مؤقتاً للحكم، إلى أن وصل الشريف ناصر ومن بعده محمد مرعي باشا الملاح الذي تم تعيينه كأول متصرف عربي للواء دير الزور، يوضح الجبين.
ثم جاءت القوات البريطانية التي قاومها أهل دير الزور المدينة والريف، بقيادة مشرف الدندل ورمضان باشا شلاش الذي حرّر المدينة من سلطتهم واعتقل قائدهم. وقال عنه وينستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية آنذاك 'إن لبريطانيا العظمى عدوين في الشرق؛ لينين في الشمال ورمضان الشلاش في الجنوب'. وعاد الحاج فاضل لتشكيل حكومة جديدة بعد معركة ميسلون واحتلال الفرنسيين لسوريا، وظهرت شخصيات جليلة قاومت الفرنسيين حينها، مرة بالسياسة ومرات عديدة بالحرب، مثل الشيخ مجحم بن مهيد.
ويؤكد أن 'لدير الزور دور كبير في استقلال سوريا، وسيرة نضال الديرييين ضد المحتلين مليئة بالتفاصيل والمنعطفات والشخصيات الوطنية التي حاول نظام الأسد طمس تاريخها مثل تركي بيك بن علي النجرس ورمضان يونس الطه وعبد المحسن هفل العبدالله والشيخ نواف الصالح الإبراهيم الحديدي والشيخ دهام الهادي والشيخ جميل المسلط وشقيقه عبد العزيز، والشهيد محمود العياش الذي قاوم الفرنسيين وشّل فرقة عسكرية لقتالهم، حتى أسروه وحاكموه وأعدموه في العام 1925 في حلب، وقال حينها رئيس الاستخبارات الفرنسية في شهادته في المحكمة ضد العياش ومجموعته المقاومة إن (كل شخص من هذه المجموعة يستحق الإعدام مرة، أما رئيس تلك المجموعة محمود العياش فيستحق الإعدام مرتين)'.
هل توحد تفاهمات المنطقة الشرقية سوريا؟
اليوم تفرض الأهمية الاستراتيجية للمنطقة نفسها، وتتكرر صور تاريخية عاشتها المنطقة الشرقية، ورغم ما يتم ترويجه على أن المنطقة الشرقية عبارة عن 'حصالة نقود'، إلا أن تاريخها ودورها اليوم يتجاوز زاوية الرؤية هذه.
في 10 آذار الجاري، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع اتفاقاً مع القائد العام لـ'قوات سوريا الديمقراطية' (قسد) مظلوم عبدي، يهدف إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمالي وشرقي سوريا ضمن هيكل الدولة السورية، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للتقسيم. وبهذه الاتفاقية هدأت الأصوات الداعية إلى إنشاء كيانات مستقلة أو فيدراليات بناء على الدين أو الإثنية، وبدأت ملامح الاتفاق تنعكس إيجابا أيضا على المواقف الدولية والعربية من الإدارة السورية الجديدة.
وأمس، أكد رئيس اللجنة الحكومية المكلّفة بإتمام الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية 'قسد'، أن الجولة الأولى من التفاوض، عبّر فيها الطرفان عن تمسكهما بوحدة الأراضي السورية بجميع أطيافها ومكوناتها.
وأوضح رئيس اللجنة حسين السلامة في تصريحات لتلفزيون سوريا، الأربعاء، أن اللقاء جرى بحضور قائد 'قسد' مظلوم عبدي، ومسؤولين أميركيين، في القاعدة العسكرية بمدينة الشدادي بريف الحسكة.
وقال السلامة: 'النقاش جرى من منطلق المسؤولية الوطنية، وبإرادة مشتركة تهدف إلى وحدة الأراضي السورية وتشمل جميع المكونات من دون إقصاء أحد'.
وأضاف: اتفقنا خلال الاجتماع الأولي على تشكيل لجان عمل متناظرة تخصصية، ستبدأ عملها بداية شهر نيسان المقبل'، موضحاً أن عملها سينحصر على 'تقريب وجهات النظر وإعداد خارطة طريق لتوحيد الأراضي السورية'.
وكان الناطق الرسمي باسم 'قوات الشمال الديمقراطي' التابعة لـ 'قسد'، محمود حبيب، قال إنه تم الاتفاق على تشكيل ثماني لجان تبحث كامل القضايا التي يجب بحثها ضمن اتفاق إدماج 'قسد' في مؤسسات الدولة السورية.
وفي تصريحات لقناة 'المملكة' الأردنية، أوضح حبيب أن اللجان 'ستبحث كل القضايا الأمنية والعسكرية والإدارية والحكومية'، مشيراً إلى أنها ستصل إلى 'نهاية تسعد الجميع، ولا يجب أن يكون في سوريا غالب ومغلوب'.
واعتبر أن 'للاتفاق عدة مزايا، إذ إنه أكد على وحدة الأراضي السورية ووحدة القوة العسكرية في سوريا، حين انضمت قوات سوريا الديمقراطية ضمن وزارة الدفاع السورية'، مشيراً إلى أن 'السوريين رحبوا بالاتفاق، وظهر ذلك خلال احتفالاتهم بالشوارع، لإدراكهم أهميته على الصعيد الوطني'.