اخبار سوريا
موقع كل يوم -الفرات
نشر بتاريخ: ٢ كانون الأول ٢٠٢٥
بعد انقطاع دام ما يقارب خمس سنوات، عادت الصحف الورقية لتطلّ من جديد على الأكشاك السورية، حاملة رائحة الحبر الأولى، وأسماء كتّابٍ افتقد القرّاء مقالاتهم على الصفحات المطبوعة. وبينما كانت منصات التواصل تعجّ بخبر عودة الطباعة، ظهر حنينٌ قديم لم يختفِ رغم سيطرة النشر الإلكتروني، حنينٌ عبّر عنه كثيرون بعبارة تتكرر على الألسنة: 'الجريدة مع فنجان القهوة لا يُمكن الاستغناء عنها.'
عودة الطباعة اليوم ليست مجرد إعادة إصدار ورقي، بل هي استعادة لمساحة من المهنية والهيبة، الورق يفرض احترامه؛ فهو يمنح المادة وزنها، ويذكّر الصحفي بمسؤوليته تجاه القارئ، فالقارئ يتعامل مع الجريدة بوصفها وثيقة ملموسة، وليست مجرد محتوى عابر في شاشة يمكن أن يختفي بضغطة زر.
'رائحة الورق صباحًا جزء من طقس ثقافي. مهما تطور الإعلام، سيبقى للصحيفة الورقية حضور لا تقدر عليه الشاشات. الورق أكثر هدوءًا، وأكثر صدقًا، وأقرب إلى القلب' هكذا يقول أحد مدمني الورق القدامى.
في جولة قامت بها الصحيفة لرصد ردود الفعل، بدت الدهشة واضحة على وجوه الكثيرين، فجيلٌ كامل اعتاد خلال سنوات الانقطاع على متابعة الأخبار عبر الهاتف فقط ومع ذلك، كانت المفاجأة أن غالبية من استطلعت آراؤهم أعربوا عن سعادتهم بالعودة.
يقول أحد الشباب أنه يشتري جريدة للمرة الأولى: 'سمعت الكبار يتكلمون عن ايام الصحف الورقية فأردت أن أجرب الإحساس، أحسست بمتعة فائقة وغياب كامل للتشويش.”
الورق ليس منافسًا للرقمي كما يعتقد البعض، بل هو مكمل ل، العالم كلّه عاد ليمنح الصحافة الورقية قيمة توثيقية وتاريخية، عندما تُكتب الأحداث على ورق، فهي تتحول إلى سجل محفوظ للأجيال”
عودة الصحافة الورقية خطوة إيجابية، لكنها ليست سهلة، فارتفاع تكاليف الطباعة والورق، وتقلّب الموارد يفرض على المؤسسات الصحفية إيجاد حلول مبتكرة تضمن استمراريتا، ومع ذلك تبدو الإرادة واضحة لدى الجميع.
الصحفي احمد يساوي قال : بصفتي صحفياً سورياً مغترباً، تلقيت نبأ عودة جريدة 'الثورة' إلى الطباعة الورقية بـمشاعر مختلطة وعميقة
إن عودة أي صحيفة وطنية عريقة، مثل ‘الثورة’، إلى نسختها الورقية بعد انقطاع طويل هو حدث يستحق التوقف عنده. هذه الخطوة، في جوهرها، تُمثل تأكيداً على قيمة المطبوع وتجديداً للارتباط العضوي بين الجريدة وجمهورها الذي لا يزال جزء منه يُفضل ملمس الورق ورائحة الحبر.
نوستالجيا وذاكرة: الجريدة الورقية تحمل معها ذاكرة جيل كامل وعاداته الصباحية. عودتها هي بمثابة ومضة أمل أو شعور بالحنين إلى نمط حياة كان أكثر استقراراً، وربما رسالة خفية بأن الحياة الاعتيادية، بكل تفاصيلها، تحاول أن تشق طريقها مجدداً في المشهد السوري المعقد.
تحدي الواقع: في الوقت نفسه، لا يمكننا تجاهل التحدي الهائل الذي يواجه هذه العودة. الطباعة الورقية تتطلب بنية تحتية قوية، تمويلاً مستداماً، وتوزيعاً فعالاً، وكلها أمور تواجه صعوبات مضاعفة في سورية اليوم. آمل أن تكون هذه العودة مدعومة بـمحتوى صحفي عميق وموضوعي يلامس حقيقة هموم المواطن واحتياجاته، بعيداً عن الرتابة، لكي لا تتحول العودة إلى مجرد خطوة شكلية.'
مواكبة الرقمنة: بالتأكيد، النسخة الإلكترونية ستبقى هي محرك النفاذ الأسرع والأوسع انتشاراً، خصوصاً للجيل الشاب والمغتربين. لكن، الجمع بين النسختين (الورقية والرقمية) يمنح ‘الثورة’ فرصة للحفاظ على هويتها التاريخية وفي الوقت ذاته مواكبة الضرورات العصرية.
أتمنى لزملائي في دمشق كل التوفيق في هذا المسعى، وأدعوهم لأن تكون هذه الخطوة منصة لتجديد الخطاب الصحفي الوطني، الذي يحتاجه المواطن السوري اليوم أكثر من أي وقت مضى.
بعد خمس سنوات من الغياب، عادت الجريدة السورية لتستعيد جمهورها، صحيح أن التكنولوجيا فرضت واقعًا جديدًا، لكن الورق ما زال يملك سحره وما زال يجمع الناس حول طاولة ويرافقهم في المقهى، ويصنع عادات صباحية لا تُنسى.
ويبقى السؤال: هل ستنجح الصحافة الورقية في تثبيت حضورها من جديد؟
الجواب كما يبدو من الشارع السوري ومن آراء الخبراء أن الورق لن يختفي، لأنه ليس مجرد وسيلة إعلامية بل جزء من ذاكرة البلاد وروحها.
اسماعيل النجم




































































