اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ١٣ نيسان ٢٠٢٥
شكل التهاوي السريع لسعر صرف الليرة السورية خلال السنوات السابقة، هاجساً كبيراً داخل الأوساط الاقتصادية والاجتماعية معاً. ففقدان الليرة السورية لقيمتها خلق آثاراً اقتصادية على الأهالي في شمال شرقي سوريا، حيث استقر سعر صرف الليرة أمام الدولار حتى ما قبل سقوط الأسد على 15 ألف ليرة سورية للدولار، وتم تثبيت الأسعار بناء على سعر الصرف، لترتفع الأسعار بشكل مرعب، مع زيادة معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة، جعلت من إمكانية صمود الأهالي ومدخراتهم أمامها صعبة للغاية، خاصة مع غياب تام للضابطة القانونية والتموين ومراقبة الأسعار.
ووفقاً لأحد موزعي المواد الغذائية فإنهم يشترون المواد من 'الإدارة الذاتية' عبر تجار محددين يحتكرون استيراد المواد الغذائية و غيرها، إذ تم تخصيص كل بضع تجار بمواد محددة، ولا يُسمح للبقية بها.
يقول الموزع لموقع تلفزيون سوريا: 'هم يبيعوننا المواد بالدولار أو بسعر صرفه مع هامش ربح لنا، ونحن بدورنا نبيعها للموزعين الفرعيين أو أصحاب المولات والمحلات التجارية بسعر الدولار مع هامش ربح، ليكون من الطبيعي أن ترتفع الأسعار، إذ ليس من المعقول أن نبيع بخسارة'.
وأضاف: 'الضرائب المفروضة علينا هي بسعر الدولار، والجمارك عبر معبر سيمالكا بالدولار، ثم تأتي دورية تموين وتطلب البيع بالليرة السورية، حقيقة مضحك هذا الأمر'. الدولرة خلق واقعاً مخيفاً؛ فلا المستهلك قادر على دفع ثمن احتياجاته ولا البائع أو المورّد أو مقدم الخدمة قادر على تخفيض الأسعار؛ لعدم قدرتهم على تمويلها لاحقاً لذات السبب'.
صراع الأسعار والدولار بعد السقوط
سقط النظام السوري، واستقر حالياً سعر صرف الدولار في الحسكة على 10 آلاف ليرة سورية، مع تغيير طفيف على سعر الصرف بين الحين والآخر، لكن المشكلة أن الأسعار بقيت على سعر الصرف القديم (15 ألف)، وهي لعبة متفق عليها ومشترك بين التجار و'الإدارة الذاتية'، وقال تجار جملة في الحسكة لموقع تلفزيون سوريا إنهم يشترون المواد بالدولار، ويدفعون الضرائب في معبر سيمالكا الحدودي بالدولار، لكن التجار الكبار والذين هم جزء من شبكة الفساد المقوننة والتي لا يُمكن لأحد محاسبتهم أو الاعتراض على قراراتهم التجارية؛ كونهم مرتبطون بشخصيات نافذة ضمن 'الإدارة الذاتية'، أو ما يُمكن القول عنه تزاوج السلطة والمال، وهو يقود للفساد الموجود، هم المتحكمون بكل مفاصل التجارة ويستغلون فرق سعر الصرف لكسب أرباح كبيرة جداً.
توجه تلفزيون سوريا إلى مركز كاميران للصرافة والذي قال أحد العاملين فيه 'غالبية الحوالات تتراوح بين الــ 100 إلى 300 دولار أميركي، ويتم صرفها بسعر 1 مليون ليرة سورية لكل 100$، لكن الأسعار بقيت على أساس السعر السابق، وبل ارتفعت أكثر، ويُمكن القول إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت لأكثر من 400% مقارنة بالعام الماضي، وهذا يعني أن مبلغ الــ100$ الذي كان يسد الحاجة لنصف شهر سابقاً، أصبح لا يسّد الحاجة أكثر من بعض أيام في ظل التغيرات التي حصلت، وانخفاض سعر الصرف، مع ارتفاع سعر المواد'.
وقال الناشط المدني أمين جانو لموقع تلفزيون سوريا: 'تخرج دوريات التموين والضابطة وباقي التسميات، يتحدثون ويأمرون ويطالبون بالبيع بسعر منخفض، وكأنهم يضحكون على أنفسهم، ويقدمون أسعاراً أقل من سعر الشراء في بلد المرسل، وهم أساساً يخرجون كرفع عتب أو كتحصيل حاصل لا غير'.
زار موقع تلفزيون سوريا سوق الخضار العام أو ما يُعرف بسوق 'العَّرَصى' والتقى مع بعض التجار الذين اشتكوا من سياسات 'الإدارة الذاتية' الاقتصادية: 'نحن ندفع الضرائب بعملة الدولار، ويأخذون رسوم الاستيراد بالدولار، ثم يقدمون لنا لائحة أسعار أقل من سعر الشراء في بلد المنشأة. مثلا طلبوا أن نبيع كيلو الليمون بسعر أقل من سعر شرائه من مكان الاستيراد ... هؤلاء مفصولون عن الواقع'.
وقال تجار لموقع تلفزيون سوريا: 'خلال أحداث الساحل، توقفت حركة التجارة معها، ولم تحصل المنطقة على الخضار والحمضيات والفواكه منها، وانحصر الشراء عبر معبر سيمالكا وشراء المواد والخضار من كردستان أو تركيا أو إيران. إذا كانوا مهتمين بحال المواطن، لماذا بقيت رسوم الجمارك بعملة الدولار حصراً'؟
ومعبر سيمالكا الحدودي الرابط بين شمال شرقي سوريا وكردستان العراق، افتتحه رئيس الإقليم مسعود البارزاني خلال بدايات عمر الثورة السورية، لمساعدة الأهالي وتخفيف الأعباء الاقتصادية عنهم، لكن 'الإدارة الذاتية' سيطرت على المعبر واحتكرت العمل التجاري والإنساني وحركة المرور عبرها، ولا يُعرف حجم الصادر والوارد عبر المعبر، لكن تقديرات أشارت لدخول ملايين الدولارات شهرياً لخزينة الإدارة الذاتية، من دون معرفة أوجه الصرف والتصرف بها.
وشهد المعبر إغلاقاً متكرراً من جانب إقليم كردستان العراق، بسبب سياسات التفرد والاحتكار التجاري. ووفقاً لمصدر خاص ضمن المعبر الذي قال لتلفزيون سوريا 'مؤسف جداً ما يحدث، رفع رسوم الترانزيت قبل فترة ثلاث أضعاف، وهو ما أثر بشكل مباشر على قوافل الشحن، التي تقدر بقرابة 150 شاحنة يومياً، ويتم تخليص سعر الطن الواحد من السلع الغذائية بما فيها مياه الشرب، بعملة الدولار حصراً وتتراوح أسعار الجمارك والترانزيت على المواد بين 2-11 دولار حسب نوع البضائع من أجهزة موبايل وخضار ومواد غذائية وألبسة وغيرها، بحجة ارتفاع وانخفاض الليرة السورية أمام الدولار'.
وأضاف المصدر: 'هي كذبة كبيرة، حالياً الليرة السورية متحسنة أمام الدولار، فلماذا لا يتم خفض أسعار الترانزيت والرسوم الجمركية'؟
الدولار العملة الأساسية في شمال شرقي سوريا
يقول الخبير الاقتصادي خوشناف عليكي: 'فقد المواطنون الثقة بالليرة السورية، وخلقت السياسات النقدية التي اتبعها النظام السوري سابقاً عبر المصرف المركزي تحولات في التعامل مع العملات الأخرى، ليكون الدولار هو الأساس في ذلك لجميع القطاعات، خاصة عمليات تمويل التجارة الخارجية، وعمليات البيع والشراء للعقارات والسيارات والتحصيل الجمركي، وتجارة الجملة وغيرها من المواد'.
وأضاف غليكي: 'صحيح لا قرار رسمي من الإدارة الذاتية بجعل الدولار كعملة رسمية شرعية، لكنها العملة التي فرضت نفسها بشرعية قوية على كافة تفاصيل الحياة، والأسوأ أن سعر صرف المواد يبقى ثابتاً بالرغم من ارتفاع سعر الليرة السورية'.
ووفقاً للخبير الاقتصادي فإن 'الدولار هو الأرضية الخصبة للاقتصاديات المحلية، خاصة بسبب فشل الليرة السورية من فرض نفسها أمام الأزمة الاقتصادية التي جاءت على البلاد'.
وسبق أن نشر أكاديمي اقتصادي وأستاذ جامعي سابق، يشغل حالياً منصب رئيس هيئة الاقتصاد لشمال شرقي سوريا، دراسة بعنوان 'ظاهرة الدولرة في مناطق شمال شرقي سوريا'، تحدث فيها عن أشكال الدولرة في المنطقة. وجاء في الدراسة: 'تُعرف الدولرة بأنها لجوء الأفراد في بلد ما إلى استخدام العملات الأجنبية كالدولار وغيره لاستكمال العمليات الاقتصادية والتجارية المختلفة، عوضاً عن العملة المحلية وذلك لأسباب متعددة، قد يكون التهاوي في قيمة الأخيرة السبب الرئيسي في ذلك'.
وأوضحت الدراسة وجود 3 أشكال للدولرة:
'الدولرة الكاملة' أو 'الدولرة الرسمية'، حيث يتم الإعلان بشكل رسمي من قبل السلطات التنفيذية في البلاد، باستبدال العملة المحلية بصورة كاملة بالعملة الأجنبية، لتأخذ صورة قانونية داخل الاقتصاد الوطني، تقوم بجميع وظائف النقود'
أما الشكل الثاني فهو 'الدولرة شبه الكاملة' أو شبه الرسمية، ويتم الإعلان من قبل السلطات الرسمية بقانونية استخدام العملات الأجنبية إلى جانب العملة المحلية، وليس كبديل عنها'
والشكل الثالث هو 'الدولرة الجزئية' أو غير الرسمية، وتعني الاستخدام الواسع للعملة الأجنبية في الحياة الاقتصادية والمالية والنقدية وخاصة المعاملات والصفقات التجارية بين الأفراد، ومنظمات الأعمال، وبينها وبين المؤسسات الاقتصادية في البلاد'.
ووفقاً للخبير الاقتصادي عليكي: يبدو أننا أمام نوع رابع من الدولرة، وهي دولرة الأسعار بشكل مزاجي ووفقاً لنفاذ وعلاقات التاجر أو مالك مولدة الأمبيرات أو شبكات الإنترنت، حيث يتم التعامل بسعر الصرف القديم، وفي حال ورود أيّ شكوى يتم الرد على الأهالي 'يلي ما عجبوا يروح يشتكي'.
الدولرة للإدارة والليرة السورية للمواطن
ويقدم الناشط أمين جانو لمحة عن دولرة الأسعار والتي قال إن الإدارة الذاتية تغض النظر عنها، كونها شريكة في ذلك، فهي تبيع مشتقات النفط بسعر الدولار وترفع سعر المحروقات مع انخفاض قيمة صرف الليرة السورية، وتفرض الرسوم الجمركية على رؤوس الأغنام التي تُصدر إلى إقليم كردستان والعراق بالدولار، ثم يتم حصر استيراد مواد البناء بشكل حصري من قبل الإدارة الذاتية وتبيعها للتجار بالدولار، وتفرض أسعاراً ورسوماً جمركية بالدولار على جميع أنواع البضائع القادمة من إقليم كردستان العراق، ولديها شركة خاصة تحتكر شبكة الإنترنت وتبيع الميغابايت للموزعين بـ 12 دولاراً، واشترت محاصيل الأهالي من القمح بأسعار زهيدة ومنخفضة جداً (31 سنتاً)، دون أي اعتبار لتقلبات سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ثم تدعي الإدارة الذاتية أنها تسعى لضبط الأسعار، وأمام كل ذلك فإن رواتب موظفي الإدارة الذاتية تُصرف وفق سعر صرف الليرة أمام الدولار، ايّ أنها تسلم رواتب بلا قيمة اقتصادية'.
دولرة رسوم أمبيرات الكهرباء
منذ ثلاث أشهر ولا تزال قضية سعر الأمبير الواحد هو الشغل الشاغل للأهالي، إذ تتأرجح الأسعار كل شهر، ليس وفقاً لسعر الصرف، بل بسبب الصراع بين الأهالي ومالكي المولدات الخاصة، فحتى ما قبل سقوط النظام، كان أصحاب الأمبيرات والمولدات يرفضون استلام الاشتراكات بالليرة السورية، ويجبرون الأهالي على الدفع وفقاً لسعر الصرف حين ذاك (15 ألف ليرة سورية)، وهو ما شكل ضربة جديدة لحياة الأهالي.
التقى موقع تلفزيون سوريا مع مصدر مسؤول بمكتب المولدات ببلدية الشعب في الحسكة والذي قال إنهم حددوا تسعيرة جديدة للاشتراكات بالمولدات العامة في عموم الحسكة، وهي 13 ألف ليرة سورية للأمبير الواحد للمولدة التي تعمل بنظام 8 ساعات، و13 دولاراً أميركياً للمولدات التي تمنح الكهرباء 24 ساعة باليوم، في حين بلغ سعر الأمبير الواحد للمولدة التي تعمل بنظام 16 ساعة 60 ألف ليرة سورية، وهذه التسعيرة هي على أساس إصدار سعر جديد للمحروقات المخصصة للمولدات.
وأضاف المصدر: 'أي تجاوز على الأسعار سيخضع صاحبها للمساءلة والغرامة المالية'. في حين أن الأسعار لم تطبق، ومالكي المولدات يتصرفون على مزاجهم، وقال للمواطن سعيد الحسن من أهالي حيّ الموظفين في القامشلي: 'مالك المولدة قال بالحرف، الدفع بالليرة السورية وعلى سعر الصرف القديم، والي مو عاجبه يشيل الكبل والله معه'. أما مالك المولدة في حيّ قدوربك في القامشلي فهو الآخر قال للمشتركين: 'سعر المازوت غالي وبالدولار، وأنتوا جايين تدفعوا بالعملة السورية، الكهرباء 24 ساعة، وأنا بدي على كل 1 أمبير 195 ألف ليرة، ونصيحة لا تشتكوا علينا، لأن وضعنا زابط مع مكتب المولدات'.
بحسبة بسيطة فإن المشتركين بـ 4 أمبيرات، وهو العدد الوسطي لاشتراك الغالبية مع المولدات الخاصة يدفع 780 ألف ليرة سورية لقاء 24 ساعة كهرباء، وهو ما يعادل 70% من راتب موظفي 'الإدارة الذاتية'، وأكثر بـ 15% من كامل راتب الموظف الحكومي السوري، وهو الأمر الذي يُسحب على باقي أنواع الاشتراكات، والتي يرفض مالكو المولدات استلام الرسوم بالدولار، بل بأسعار أكبر مما حددته الإدارة الذاتية.
ووفقاً لكثيرين من الأهالي الذين التقاهم تلفزيون سوريا: 'الواضح حجم الفساد الموجود، وعدم التزام مالكي الأمبيرات، وأصحاب المحلات التجارية، وبائعي الخضار والفواكه والمواد الغذائية، والألبسة المختلفة، والأقمشة وغيرها، بالأسعار والتسعيرات التي تحددها الإدارة الذاتية، يعني أنهم شركاء مع أشخاص نافذين في 'الإدارة الذاتية'.
من يعيش في عموم شمال شرقي سوريا، يُدرك أن حياة الأهالي ومصالحهم وهمومهم تقع في السلم الأدنى لأولويات 'الإدارة الذاتية' وقراراتها، التي لا تجد طريقاً للتنفيذ فيما يتعلق بمراقبة وضبط الأسعار.