اخبار سوريا
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٢٠ حزيران ٢٠٢٥
يجلس السبعيني أكرم محمود الشحادة بهدوء بين أنقاض منزله في ريف حماة وسط سورية، لا تظلله سوى خيمة مؤقتة مخاطة من القماش باتت بالنسبة له بمنزلة وطن بعد سنوات من اللجوء.
فبعد 14 عاما من النزوح في الأردن، عاد الشحادة البالغ من العمر 66 عاما في وقت سابق من هذا العام إلى أنقاض قريته «قبر فضة»، قرب قلعة المضيق في محافظة حماة، حيث دمر منزله الحجري، الذي بناه لبنة تلو الأخرى على مدى عقود من العمل الشاق، خلال الحرب، ومع ذلك اختار البقاء والبدء من جديد بدلا من اليأس.
وقال الشحادة بصوت متقطع من شدة التوتر لوكالة أنباء «شينخوا»: «اللاقرار أشد إيلاما من مغادرة منزلك، المكان الذي بنيته بيديك، غادرنا تحت وطأة القصف، لم نكن نريد المغادرة، لكن لم يكن أمامنا خيار»، في إشارة إلى عجزه أثناء مغادرة البلاد.
وفر الشحادة، وهو معلم متقاعد لديه خمسة أبناء وابنة، من سورية عام 2013 بعد أن وصل العنف إلى ملاذه الثاني، مدينة السلمية بريف حماة الشرقي.
وبعد سنوات من اللجوء في الأردن، عاد هو وابنه الأكبر مطلع عام 2025، آملين في السلام والكرامة في وطنهم، وبقي أبناؤه الآخرون في الأردن، ينتظرون، كما قال، «أياما أفضل».
ولدى عودته إلى منزله صدمه حجم الدمار الذي شاهده في القرية عموما، وفي منزله خصوصا، لكن مرارة اللجوء تجعله يتمسك بالبقاء أكثر رغم مشاهد الدمار الكبيرة.
وقال الشحادة «توقعت دمارا، لكن ليس كما شاهدته، لم يبق شيء. لا ماء، لا كهرباء، لا عيادات، لا مدارس. كل شيء مجرد أنقاض».
وتابع «بنينا خيمة هنا فوق الأنقاض، نحاول البقاء، حتى الديدان تزحف إلى الداخل ليلا، لكنني لن أغادر مرة أخرى، لقد عانيت من النزوح بما يكفي طوال حياتي».
وبعد أن عمل مدرسا لمدة 30 عاما، يعيش الشحادة الآن دون أي خدمات عامة. وقال وهو ينظر إلى الأفق الممتد فوق الأراضي الزراعية القاحلة والكتل الإسمنتية المحروقة «إذا مرض طفل، لا أعرف إلى أين أذهب، حتى أنني لا أملك سيارة».
وبمناسبة اليوم العالمي للاجئين، تعكس قصة الشحادة معاناة ملايين السوريين الذين يأملون في العودة إلى وطنهم بعد سنوات من المنفى.
ومازالت سورية واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، حيث يعيش أكثر من 6.5 ملايين شخص كلاجئين في الخارج، والعديد منهم نازحون داخليا، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ورغم المشقة، يصر الشحادة على أنه لن يغادر مرة أخرى بلده، قائلا بشأن ما إذا كان سيغادر، «لا، قطعا لا، لن أهرب أبدا، قد أعيش في خيمة، لكنني على أرضي، في قريتي، في وطني. أنا راض، 14 عاما من النزوح تكفي».
ويحلم الشحادة بسورية معاد إعمارها، بمدارس مرممة، وعيادات عاملة، ومياه جارية، وعائلات عائدة، يقول «نحتاج إلى المساعدة، لكن أكثر من أي شيء آخر، نحتاج إلى الأمل، أعتقد أن سورية ستنهض من جديد».
ولا يزال عائدون آخرون، مثل أكرم الشحادة، يواجهون ظروفا صعبة ومعاناة كبيرة، إذ يشكل الدمار الواسع النطاق، وغياب الخدمات العامة، ونقص الدعم الحكومي، عوائق رئيسية أمام عودة ملايين النازحين السوريين، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأفادت الشبكة، وهي منظمة مستقلة مقرها المملكة المتحدة تأسست عام 2011 لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، في تقرير بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، بأن 500 ألف لاجئ و1.2 مليون نازح داخلي قد عادوا إلى ديارهم منذ ديسمبر 2024، ووجد معظمهم بنية تحتية مدمرة، وتكاليف إعادة إعمار باهظة، وغياب برامج وطنية لإعادة الإدماج.
وحث التقرير السلطات السورية على «تقديم الدعم للمساعدة في إعادة بناء المنازل، واستعادة الخدمات، ومنح الناس فرصة حقيقية للعيش من جديد».
وفي حالة الشحادة، وقع العبء بالكامل على عاتقه، وهو يبني حياة مؤقتة من أنقاض منزله القديم.
ويشير التقرير إلى أنه حتى مع التعهدات الدولية، لم يتم توفير سوى 12% من التمويل اللازم لدعم العائدين، مما يترك عائلات مثل عائلة الشحادة تواجه صعوبات بالغة دون مساعدة.
وتتطلب العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين خطة إنعاش وطنية يدعمها المجتمع الدولي، مع إعطاء الأولوية للعدالة والبنية التحتية والكرامة، وهي أمور لاتزال بعيدة المنال بالنسبة للسوريين الذين يعيشون بين الأنقاض، وفق التقرير.
فيما يرى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أن بوادر أمل تظهر في سورية على الرغم من الاضطرابات المستمرة.
وقال غراندي خلال زيارة إلى سورية بمناسبة اليوم العالمي للاجئين «حتى في هذه الأوقات العصيبة، هناك لحظات أمل عميق».
وتابع غراندي إنه «بعد 14 عاما من الأزمة واليأس، اختار نحو مليوني شخص العودة إلى ديارهم ومجتمعاتهم منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، وفي منطقة عانت من الكثير من العنف ـ ولاتزال تعاني ـ تتاح لنا فرصة حقيقية لمساعدة السوريين على تحقيق الاستقرار والازدهار، يجب ألا ندعها تفوتنا».