اخبار سوريا
موقع كل يوم -اقتصاد و اعمال السوريين
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
اعتبر الباحث الاقتصادي، الدكتور سلمان ريا، أن عجز المصارف عن تأمين السيولة بالوتيرة المطلوبة مردّه إلى تشدد مصرف سوريا المركزي في تزويدها بالكاش اللازم، مما يضع المصارف في مواجهة مباشرة مع المواطنين، ويُحدث خللاً في العلاقة التبادلية بين المودع والمؤسسة المصرفية، وهي علاقة تقوم في جوهرها على الثقة والضمان والمرونة.
وقال ريا لصحيفة 'الثورة': 'إذا كانت الغاية من هذه الإجراءات تقليص حجم الكتلة النقدية المتداولة، وتقييد الطلب على العملات الأجنبية بهدف تحقيق استقرار سعر الصرف، فإن هذه الغاية مهما بلغت من الأهمية ينبغي ألّا تكون على حساب شلّ الأنشطة الاقتصادية الأساسية، أو تفريغ الدورة النقدية من مقوماتها الحيوية، أو إضعاف الاستهلاك النهائي، الذي يعدّ من أبرز محركات النمو في الاقتصادات الريعية والمنتجة على حد سواء'، مشيراً إلى أن السيولة المصرفية، لا تمثّل مجرد أداة للتداول، بل تُعدّ محركاً أساسياً لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك دعم التشغيل، وتحسين الخدمات العامة، ورفع كفاءة البنية التحتية.
ورأى الباحث ريا، أن الحفاظ على التوازن النقدي لا يتحقق عبر الانكماش القسري للسيولة، وإنما من خلال تعزيز الثقة، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتحفيز الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، بما ينعكس إيجاباً على حجم الناتج المحلي الإجمالي، ويقلل تدريجياً من اللجوء إلى المضاربة بالقطع أو طلبه لتلبية الاحتياجات الاستيرادية غير المنتجة، وتقوية الاقتصاد الحقيقي، عبر دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي وتحريك عجلة التصنيع المحلي، وتوفير بدائل المستوردات وهذا هو السبيل الأمثل إلى تخفيف الضغط على العملات الأجنبية، وتحقيق استقرار مستدام في سعر الصرف.
وبحسب الباحث الاقتصادي، فقد أثبتت التجارب النقدية في الدول النامية أن معالجة الاختلالات في سوق القطع تبدأ أولاً من تحسين أداء القطاعات الإنتاجية، وتوسيع العرض السلعي، وتوليد فرص عمل ذات دخل حقيقي، بما يؤدي إلى تحفيز الطلب الفعال، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وضبط المستوى العام للأسعار، وانخفاض معدل التضخم.
وأكد ريا أنه لا يمكن فصل دور السيولة المصرفية عن ضرورة بناء قاعدة متينة للموارد البشرية القادرة على قيادة مرحلة التحول الاقتصادي، فالمورد البشري المؤهّل علمياً وتقنياً يشكل الرأسمال الحقيقي في الاقتصاد المعرفي، إذ تغدو المعرفة هي الأصل الإنتاجي الأول، والابتكار هو المعيار الأساسي للقيمة.
وهنا تبرز أهمية تمويل التعليم العالي، وتكنولوجيا المعلومات، والمراكز البحثية، بما يكفل التحول من اقتصاد قائم على الإنفاق الحكومي إلى اقتصاد مدفوع بالكفاءة والإنتاجية، على حد قول الباحث الاقتصادي.
وأشار إلى أن مسار الانتقال إلى اقتصاد غير نقدي لا يجوز أن يكون منفصلاً عن واقع السوق السورية، بل ينبغي أن يتم تدريجياً ووفق آليات تشريعية ومصرفية متكاملة تقوم على الحوكمة، الشفافية، والتحفيز الإيجابي بما يتيح للمواطن والمستثمر التكيف مع هذا الانتقال من دون أن يشعر أنه يخسر حقه في السيولة، أو يُجبر على مسارات لا تنسجم مع طبيعته الاقتصادية اليومية.
وختم قائلاً: 'يبقى الرهان على تعافي الاقتصاد وإعادة الثقة، وتحقيق مرونة نقدية حقيقية، وتوفير السيولة بوصفها شريان الحياة الاقتصادية، فالنقد لا قيمة له إذا لم يتحرك، والاقتصاد لا حياة فيه إذا جُمّدت مكوناته الأساسية'.