بين أمل كبير وقلق من لعبة التجار المعتادة.. السوريون يترقبون زيادة الرواتب

عادت الحكومة السورية بعد صمت دام أشهرا للحديث مجددا عن زيادة في رواتب الموظفين الحكوميين بنسبة 400% بينما يتصدر الشأن الاقتصادي قائمة الأولويات.

خبر الزيادة هذا على أهميته وإدراك السوريين بأن الحكومة غير راغبة أو حتى قادرة على التملص منه بعدما صار وعد الوعود المرتقب على جمر الانتظار شابه نوع من القلق المزمن على خلفية القرارات المتلاحقة بمنح قسم كبير من الموظفين الحكوميين إجازة مأجورة لمدة ثلاثة أشهر كخطوة تمهد لإعادة تقييمهم مع التلويح المبطن بإمكانية فصلهم بشكل نهائي قبل أن ترتدي وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ثوب المنقذ وتوقف العمل بتلك القرارات التي كادت تخلق أزمة ثقة عنيفة بين الحكومة والملاحقين بسيوف الإبعاد المحتمل من أبناء شعبها.

فهل ستترك هذه الزيادة المرتقبة آثارها الإيجابية على حياة السوريين؟ الذين يحملون ذكريات سيئة عن زيادات سابقة في عهد الأسد كانت تتبخر بلعبة ارتفاع الأسعار قبل أن تصل إلى جيوبهم أم أن لعبة التجار ستلتف عليها اليوم كما فعلت بالأمس لتخرجها من سياق الفرج المنتظر.

سؤال قد تتكفل الأشهر القليلة المقبلة بالإجابة عنه بعدما ينقشع ضباب المشهد الحالي عن الحقيقة المرتجاة.

لدورة إنتاج حقيقي تبعد شبح التضخم

يؤكد المحلل الاقتصادي حسن ديب أن عودة الحديث الحكومي عن زيادة الرواتب جاء بعد سماح واشنطن لقطر بتقديم منحة مالية لتمويل رواتب القطاع العام في سوريا باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية وهي عبارة عن 3 دفعات بقيمة 29 مليون دولار لكل دفعة ولمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد حتى العام وسيستفيد منها أكثر من مليون موظف حكومي.

وفي حديثه لـ'RT' أشار ديب إلى أن وزارة المالية السورية قد وضعت جدولاً زمنياً تتدرج فيه الزيادة بنسبة 100% كمرحلة أولى خلال شهري يوليو وأغسطس المقبلين يعقبها رفع بنسبة 200% ثم 100% إضافية لاحقاً لتصل الزيادة في نهاية المطاف إلى نسبة 400%.

ولفت المحلل الاقتصادي إلى أهمية الزيادة المرتقبة ربطأ بالظروف الإقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن السوري مشيراً إلى أن الكتلة الوافرة من النقد الذي سيصبح متوفراً في الأسواق يحب أن يتزامن مع دوران حقيقي في عجلة الإنتاج متوقعا أن يتم امتصاص الدفعة الأولى من الزيادة المرتقبة في الأسواق نتيجة لزيادة العرض في حين أن الدفعة الثانية من ارتفاع الرواتب والأجور يجب أن ترتبط بزيادة ملحوظة في الإنتاج حتى لا يقع التضخم والذي يعني وجود كتلة من المال مع عدد أقل من مخرجات الإنتاج.

* ذكريات الزيادات السابقة

يبدو وسام متفائلا رغم موجات الخوف الذي يعتريه كما كان يحصل في السابق.

الموظف في وزارة الاتصالات يروي لـ'RT' عن تجاربه السابقة مع الزيادات في الأجور التي كانت تصدر عن حكومات الرئيس السابق بشار الأسد والتي كانت تتزامن مع ارتفاعات مذهلة في أسعار السلع والوقود وغيرها من المواد الآخرى والتي كانت تبتلع الزيادة وتأتي على ما سبقها من راتب هزيل بطبيعة الحال ليصار هذا الأمر في خانة السرقة المشروعة لجيوب المواطنين السوريين.

واستبعد وسام أن يتكرر الأمر نفسه مع الحكومة الحالية التي عرفت كيف تنفتح على العالم كله وتنتزع قراراً غربيأ برفع العقوبات عنها لكنه حذر في الوقت نفسه من أساليب التجار في الإحتيال على المواطنين وفرض الأسعار وفق مبدأ التنسيق المسبق وصولا إلى الاحتكار سيما وأن الرقابة الحكومية على الأسعار لا تزال في حدودها الضيقة وفقا لوسام.

وشدد وسام في حديثه لموقعنا على أن الحكومة يجب أن تتعامل مع الزيادة باعتبارها قد سبقت بارتفاع كبير في أسعار الكثير من السلع الضرورية مثال الخبز الذي ارتفع عشرة أضعاف والغاز الذي تضاعف سعره كذلك عدة مرات وغيرها من السلع، مشيرا إلى أن الزيادة المرتقبة ستبقى قاصرة عن الوصول إلى حالة الكفاف المعيشي لدى المواطن السوري حتى لو تضاعفت عشر مرات.

أمين موظف في التلفزيون السوري ألزمته إدارته بعدد من بصمات إثبات الحضور في الشهر وهو مقيم في ضيعته الواقعة في ريف حماة الغربي.

يضطر أمين للقدوم إلى دمشق مرتين في الشهر من أجل إثبات الحضور والمناوبة عن زملائه لكي يبرر غيابه بقية أيام الشهر.

وفي حديثه لموقعنا كشف أمين أن أجرة الباص الذي يقله من ريف حماة إلى العاصمة دمشق يبلغ 75 ألف ليرة ذهابا ومثلها إيابا فضلا عن المصاريف التي يدفعها كأجور التنقلات في دمشق ولوازم المبيت عند أصدقائه ما يعني أنه يدفع قرابة راتبه الشهري كاملا والبالغة قيمته 400 ألف ليرة سورية.

ويضيف أمين بأنه فكر مرات عديدة في ترك عمله 'لأن الشغلة مش جايبة همها' والخروج باستقالة مبكرة تشمل 75% من راتبه الحالي، لكن الأخبار الواردة عن الزيادة المنتظرة جعلته يعيد النظر في الفكرة بانتظار أن يصبح الأمر واقعا إيجابيا يعود عليه بالخير مع استقرار الأسعار وزيادة المداخيل.

عمار موظف في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يترقب الزيادة في الرواتب والأجور شأن بقية السوريين ويحمل في جعبته فرصة مضاعفة لتحسين وضعه المعاشي على اعتبار أن زوجته موظفة في القطاع الصحي وستشملها الزيادة كما ستشمله وبموجب هذه الزيادة المركبة سيتجاوز راتبهما سوية مبلغ ال 200 دولار فضلا عن مداخيل أخرى من أعمال إضافية قد ترفعه إلى ما فوق ذلك.

يؤكد عمار في حديثه لـ'RT' أن الأسرة السورية تحتاج إلى ما يقارب الثمانمائة دولار في الشهر الواحد حتى تستطيع ملامسة حدود العيش الكريم مع غياب الكثير من الاحتياجات الأخرى التي توصف اليوم بأنها كماليات في حين أن الأمر ليس على هذا النحو كما يقول عمار.

من جانبه لا يخفي سعيد الموظف في وزارة الصناعة سعادته بالزيادة مفترضا أنها ستكون حقيقية مهما حاول التجار الاحتيال عليها.

وفي حديثه لموقعنا عزا سعيد هذا التفاؤل إلى القرار السياسي للحكومة الذي يحاول طمأنة الناس من بوابة الاقتصاد والسعي الجاد لتحسين أمورهم المعيشية حتى لا تشتعل في قلوبهم ثورة الجوع التي سبق وأن أطاحت بنظام بشار الأسد.

وشدد سعيد على أن الحكومة الحالية تتأرجح في قراراتها بين السلب والإيجاب فهي تهم بزيادة الرواتب من جهة وتعطي المنح في الأعياد لكنها في الوقت نفسه لا تمارس الرقابة المطلوبة على الأسواق من قبل وزاراتها المعنية بذلك، مبديا تخوفه من استمرار الأمر على هذا النحو عقب الزيادة وإفراغها من محتواها الإيجابي على المواطن السوري وعلى حركة الأسواق فتصبح شبيهة بزيادات سابقة كان المواطن يعطي الدولة فيها بدل أن تعطيه .

* حيلة التجار محدودة

من جانبه يرى المحلل الاقتصادي علي عبدالله أن الزيادات على الأجور والرواتب في عهد النظام السابق كانت تصب في مصلحة التجار دون بقية الشعب حيث كان هؤلاء وبتواطؤ من السلطات الحاكمة يرفعون الأسعار دون رقابة أو ضمن رقابة شكلية لا تحمي المواطن من آفة الجشع التي طبعت سلوك التجار.

وفي حديثه لـ'RT' أكد عبدالله أن الزيادات السابقة كانت بمثابة العقاب الجماعي للمواطنين الذين كانوا يدركون أن كل ليرة كانت تدخل إلى رواتبهم جراء هذه الزيادات كانوا يدفعون بدلا عنها ليرات مضاعفة.

وقلل الخبير الاقتصادي من قدرة التجار على الالتفاف على الزيادات المنتظرة في الأجور والتحكم في أسعار السلع بما يضمن لهم الأرباح الفاحشة كما كان يحصل في السابق على اعتبار أن طبيعة الاقتصاد السوري اليوم باتت مختلفة عما كانت عليه أيام النظام السابق حيث تم تحرير أسعار السلع وصار الاقتصاد الحر سيد الموقف وبالتالي فإن السوق يعدل نفسه على قاعدة العرض والطلب.

وختم عبدالله حديثه لموقعنا بالاشارة إلى أن خطوة مضاعفة الرواتب والأجور في سوريا يجب ألا تتأخر أكثر من ذلك لأن ما يتقاضاه الموظف السوري اليوم لا يكفيه لشراء الخبز ودفع أجور المواصلات، وهو ينتظر على أحر من الجمر الزيادة الموعودة ومعها استقرار السوق وأسعار الصرف وانعكاس سياسة رفع العقوبات عن سوريا على حياته المعيشية بالتوازن مع استقرار في السياسة الداخلية لأنها بلا شك المدخل الحقيقي للخير المرجو في هذا البلد كما يقول.

المصدر: RT