×



klyoum.com
syria
سوريا  ٤ كانون الأول ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
syria
سوريا  ٤ كانون الأول ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار سوريا

»سياسة» درج»

الأذرع الخلويّة: شركات الاتصالات السورية تُسلّم بيانات عملائها إلى مخابرات "الأسد"

درج
times

نشر بتاريخ:  الخميس ٤ كانون الأول ٢٠٢٥ - ١١:٠٠

الأذرع الخلوية: شركات الاتصالات السورية تسلم بيانات عملائها إلى مخابرات الأسد

الأذرع الخلويّة: شركات الاتصالات السورية تُسلّم بيانات عملائها إلى مخابرات "الأسد"

اخبار سوريا

موقع كل يوم -

درج


نشر بتاريخ:  ٤ كانون الأول ٢٠٢٥ 

هذا التحقيق جزء من مشروع 'ملفات دمشق' الذي يستند إلى 134 ألف وثيقة من أجهزة المخابرات السورية، حصلت عليها إذاعة NDR الألمانية، وشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ ومؤسسات إعلامية عدة أخرى. يكشف هذا التحقيق، أن إدارة الاتصالات بشعبة المخابرات العسكرية السورية، حصلت على بيانات لعملاء شركتي الاتصالات سيرياتيل وMTN سوريا في عهد نظام الرئيس السابق بشار الأسد؛ ما شكّل انتهاكاً لخصوصية عملائها، ومراقبة الخصوم السياسيين للنظام السابق.

آب/ أغسطس 2024، تتوسط ساحة الكرامة بالسويداء مجموعة من الرجال ترفع لافتات مناهضة للنظام السوري السابق، وخلفها عبارة مكتوبة بخط اليد على الجدار: 'يسقط بشار الأسد… ذيبين حرة'.

لم تكن هذه المجموعة تدرك آنذاك أنها تخضع للمراقبة منذ نحو شهر، وأن ملفات اتصالات عدد من أعضائها معروضة على مكتب مدير إدارة المخابرات العامة السورية بالإحالة من الفرع الفني 280، بعنوان: 'التحريض وإثارة الفوضى في محافظة السويداء'.

في الشهر نفسه، ساعد هذا الفرع الفروع الأمنية الأخرى على تتبّع 15 هدفاً، أُلقي القبض على ثمانية منهم، عبر تحديد مواقعهم باستخدام 'الراشدة 4G' (سيارة مجهزة للتنصت).

وخلال عام 2023، تتبّعت المخابرات العامة السورية على الأقل أنشطة 233 رقماً خلوياً، ولم تُحل إلى أفرع أجهزة أمن الدولة سوى 30 حالة منها، ورُفعت بشأن بعضها مذكرات، في حين حفظت بقية الحالات 'لعدم صحة الشبهة' المحيطة بأصحابها.

مئات المستندات التي تحمل بيانات اتصال، صادرة من وواردة إلى أرقام أشخاص عدّتهم مخابرات النظام السوري السابق أهدافاً تستحق التتبّع، طرحت سؤالاً عن كيف وجدت هذه البيانات التفصيلية طريقها إلى الأذرع الأمنية للنظام السابق؟ في حين أن أصحابها في غالبيتهم ثبت 'عدم صحة الشبهات' التي تحيق بهم.

يكشف هذا التحقيق أن إدارة الاتصالات 225 بشعبة الاستخبارات العسكرية، حصلت على بيانات اتصال بعض عملاء شركتي الاتصالات السوريتين سيرياتيل وMTN سوريا، لتحيلهم إلى المخابرات العامة، في انتهاك لالتزام الشركتين بحماية البيانات الشخصية لعملائها، وفق المادة 50 من قانون الاتصالات.

يوضح التحقيق أن الإدارة التقنية في شركة سيرياتيل -على وجه الخصوص- كانت تحمّل كل بيانات عملائها واتصالاتهم على قاعدة بيانات إدارة الاتصالات DATADB، من دون إذن قضائي. وعلى رغم تغيير مجلس الإدارة وإدخال تغييرات على الإدارة التنفيذية للشركة عام 2020، فإنها -في ما يبدو- سارت على النهج نفسه حتى سقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وما زالت الإدارة التنفيذية نفسها في سيرياتيل تدير شؤون الشركة في ظل الحكومة الانتقالية الحالية.

تحت الرقابة الخلوية

في صيف 2023، وصل الاحتقان ذروته في السويداء، وتصاعدت الاحتجاجات بساحة الكرامة في قرية ذيبين جنوب السويداء ضد نظام الأسد، عقب توجيه صفحة 'تجمع أحرار جبل العرب' -التي أُنشئت على 'فيسبوك' في أيار/ مايو 2022- الدعوة لأبناء السويداء بالتظاهر لتحقيق 'الحرية والكرامة'.

وبعد نحو ثمانية أشهر من الحراك، اتهمت الصفحة النظام 'بإرسال ميليشيات فيلق القدس الإيرانية إلى محيط السويداء، وتعزيز قطعه العسكرية والأفرع الأمنية'، مؤكدة سلمية الحراك، على رغم ما وصفته 'بالتصعيد'.

ومع دخول الحراك عامه الأول، وضعت قوات الأمن حاجزاً عند مدخل المدينة، ما استفزّ منظمي الحراك؛ فنشرت الصفحة بياناً لتأكيد سلميتها ورفضها وضع الحاجز، ملوّحة باستعداد 'أحرار الجبل للتصدي بوجه أي عدوان'. وقبل أن ينفلت زمام الأمور، أعلنت الصفحة في بيان لها في آب/ أغسطس 2024، وقف التصعيد مبدئياً.

وبينما كانت قوى الأمن تحاصر حراك السويداء على الأرض بإقامة حواجز حول المدينة، كان الفرع 280 بالمخابرات العامة يجمع معلومات عن ناشطي السويداء، بعد رصد عناصره منشورات صفحة 'تجمع أحرار جبل العرب'.

في 8 تموز/ يوليو 2024، كان رئيس الفرع منهمكاً في قراءة معلومات عن ناشط بالسويداء يُدعى رباح غبرة، أحد المتفاعلين مع الصفحة، ليُصدر على المستند الذي يحمل رقم 11903، قراراً بدراسة المكالمات الصادرة من رقم هذا الناشط والواردة إليه.

خاطب الفرع 280 الفرع 300 بالكتاب رقم 11404، في 30 تموز/ يوليو 2024، للحصول على بيان بالاتصالات التي أجراها صاحب شريحة سيرياتيل الخلوية، مع التسجيلات الصوتية للمكالمات، في الفترة بين 22 نيسان/ أبريل والأول من أيار/ مايو من العام ذاته، لتبدأ كرة الثلج بالتدحرج.

كشف سجل مكالمات غبرة عن موقعه الجغرافي، وتواصله مع غيره من ناشطي السويداء. وعلى إثره، وُجه كتاب برقم 11992 في 8 آب/ أغسطس للحصول على التسجيلات الصوتية لأصحاب الأرقام المتواصلة مع غبرة.

ثم سرعان ما اتسعت دائرة التتبع؛ فطلبت المخابرات بيان المكالمات الصادرة والواردة من رقم آخر، تبيّن لاحقاً أن ملكيته تعود الى الناشط فؤاد عادل بو حمدان، الذي رافق غبرة في التظاهرات.

لم تكن دائرة التواصل مقتصرة على أفرع المخابرات العامة؛ فالفرع 300 وجه خطاباً بتاريخ 6 أيلول/ سبتمبر 2024، برقم 6503 إلى إدارة الاتصالات بوزارة الدفاع، للحصول على الرسائل النصية والبيانات والأرقام الصادرة والواردة المتواصلة مع 'بو حمدان'.

بعدها بثلاثة أيام، أحالت إدارة الاتصالات إلى الفرع 300 الرسائل النصية المتوافرة وأرقام المكالمات الصادرة من هذا الرقم والواردة إليه، لتتكشف أمام المخابرات العامة أدق تفاصيل التنسيق للتظاهرات التي على كان رأسها كل من غبرة وبو حمدان.

عرضت حينها المخابرات العامة ما توصلت إليه على فرع أمن الدولة بالسويداء 312؛ 'للعلم وإجراء اللازم'.

'كيف حصلتم على هذه المعلومات؟'، يقولها غبرة مندهشاً عندما أخبره فريق التحقيق بما ورد عنه في ملفات المخابرات، كان يظن بلا دليل جازم أنه تحت طائلة المراقبة نظراً الى نشاطه السياسي، ما أدى عام 2015 إلى صدور مذكرات توقيف في حقه من فروع أمنية عدة.

كان غبرة في مقدمة تظاهرات صامتة في ساحة الكرامة منذ نهاية عام 2021، وصولاً إلى ذروتها في آب/ أغسطس 2023؛ احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردّية في البلاد.

انطلقت التظاهرات يومياً من الساحة المعروفة بـ'ساحة الكرامة'، لكنّ أعداد المشاركين تراجعت مع الوقت، حتى وصلت إلى 15 متظاهراً؛ جلّهم وجدنا تفاصيل مكالماتهم وأوقات إجرائها، ومواقع الاتصالات، مرصودة في ملفات المخابرات العامة.

يقول غبرة: 'عزف الناس عن المشاركة في التظاهرات نظراً الى تلقيهم -بخاصة الموظفين- تهديدات من الأمن السياسي'، مسترجعاً تطورات نحو أربع سنوات من التظاهرات المتفرقة التي شارك فيها بنفسه ضد النظام في السويداء، تلقى خلالها تهديدات من المخابرات والأجهزة الأمنية، في محاولة لدفعه إلى التوقف عن المشاركة المستمرة في 'حراك السويداء'، غير أنه واصل نشاطه حتى سقوط النظام.

أحمد أبازيد، منسق منصة الذاكرة السورية التي أجرت أبحاثاً عن الهيكل الإداري والتنظيمي للأفرع الأمنية السورية المختلفة، شاهد عيان على تسجيلات مدونة لناشطين في وثائق المخابرات العسكرية قبل الثورة، يقول: 'وضع المراقبة بعد الثورة أصبح أشرس وأوسع'، مؤكداً اعتقال ناشطين نتيجة رصد اتصالاتهم.

يضيف أبازيد أن الوصول إلى بيانات الاتصالات ومعلومات المتصلين كان متاحاً لأفرع أمنية عدة، ولا يحتكر فرع واحد هذه المعلومات. كما أن المخابرات العامة والعسكرية والجوية وشعبة الأمن السياسي تنسق في ما بينها للحصول على المعلومات الخاصة بالمستهدفين.

دائرة المراقبة

قادتنا الملفات المُسرَّبة إلى نمط انتهجته المخابرات العامة للوصول إلى بيانات اتصالات من يقع في دائرة استهدافها؛ تبدأ هذه العملية بمخاطبة الفرع 280 لأحد الفروع الداخلية بالمخابرات العامة، طلباً لمختلف أنواع البيانات المتعلقة بالأرقام الخلوية. ومن ثم، يتواصل الفرع المعني بإدارة الاتصالات 225 بشعبة الاستخبارات العسكرية، للحصول على معلومات عن أصحاب الشرائح الخلوية وبيانات اتصالاتهم.

ودأبت المخابرات على تدريب عناصرها على أصول التعامل مع إدارة الاتصالات، مستهدفة رفع قدرات عناصر الفرع 280 في مختلف أوجه 'مكافحة التجسس'؛ ومنها معالجة تقارير بيانية فنية متعلقة بالاتصالات الصادرة والواردة والرسائل النصية للهدف، وسجل مكالمات المتواصلين، إلى جانب التعامل مع تقارير بيانية فنية متعلقة بالاتصالات الدولية الصادرة والواردة، ومعرفة تبعية تلك الأرقام، فضلاً عن الاستفادة من تقارير بيانية فنية مرتبطة بالاتصالات الخلوية؛ كحركة الهدف وأماكن وجوده والتغطية وأرقام الماكينات التسلسلية IMEI وIMSI.

وخلال عام 2023، تتبعت المخابرات العامة الأنشطة التي تُجرى -على الأقل- على 233 رقماً خلوياً، غير أنه في 86 في المئة من الحالات المستهدفة 'حُفظ الموضوع لعدم صحة الشبهة'، فيما ظلت 12 حالة 'تحت المراجعة'.

وفي الحالات المتبقية (30 هدفاً)، تضافرت جهود الأفرع المخابراتية لتوقيف المستهدفين، ونجحت بالفعل في توقيف سبع حالات، في الربع الأخير من عام 2023، باستخدام ما يسمى بـ'الراشدة'.

والراشدة هي سيارات مزودة بأجهزة تنصت سيّرتها المخابرات في الشوارع السورية، لمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، لتحديد موقع صاحب الرقم المستهدف، وإلقاء القبض عليه.

وفي سبيل ذلك، أجرت المخابرات العامة تدريبات لعشرة من عناصرها في 2023، لرفع قدراتهم على استثمار 'الراشدة' للتعقب، بإشراف من سمّتهم بـ'الأصدقاء الصينيين'.

تنسيق منظم بين حلقات مخابراتية متتابعة، لكن هناك حلقة مفقودة يقع في القلب منها سؤال عن كيفية حصول إدارة الاتصالات على هذه البيانات 'السرية'، وفق المادة 50 من قانون الاتصالات السوري لعام 2010. كان هذا الأمر محركاً أساسياً لنا، لكشف هذه الحلقة المفقودة.

بيانات في خدمة النظام

في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2023، خاطب الفرع 300 إدارة الاتصالات بالكتاب رقم 9/300/7720، طالباً معرفة الأرقام الخلوية المسجلة على رقم هوية وطنية لشخص ما، فردت إدارة الاتصالات بعدها بيومين بالكتاب رقم 4/225/119242، بعدم وجود أرقام شرائح مسجلة على هذا الرقم.

ما جذب انتباهنا أن معلومات إدارة الاتصالات اعتمدت على 'البيانات المتوافرة من كلتا الشركتين'. هذه الجملة رصدناها مدوَّنة في ستة مستندات أخرى، تتضمن تقديم إدارة الاتصالات معلومات متعلقة بأصحاب أرقام خلوية، أو معلومات عن الشرائح الخلوية المسجلة على أرقام هوية وطنية.

فمن هما هاتان الشركتان؟

تعمل في سوريا شركتان تقدمان خدمات اتصالات خلوية؛ واحدة باسم 'سيرياتيل موبايل تيليكوم' والأخرى MTN سوريا. أُسست الأولى عام 2000، ثم أُطلقت العلامة التجارية للثانية في سوق الاتصالات السورية عام 2007 .

كتبت كلتا الشركتين عبر موقعيهما الإلكتروني أنهما ملتزمتان 'بحماية بياناتك الشخصية باستخدام معايير أمان متعارف عليها في القطاع'.

وعندما تفجرت قضية استيراد شرائح خلوية من شركة مشتبه في تعاملها مع وزارة الدفاع الإيرانية عام 2021، نفت MTN سوريا اعتمادها على شرائح هذه الشركة، مؤكدة أنها تجري اختبارات على شرائحها منعاً للاختراق.

وإن اعترفت سيرياتيل بشراء شرائح من هذه الشركة، فإنها أكدت في الوقت نفسه التزامها 'بمستويات متعددة من الحماية لضمان خصوصية العملاء وأمانهم'.

على رغم هذا، فإن ملف تحقيق أجراه الفرع 251 في المخابرات العامة في 2020 مع مدير إحدى الإدارات التقنية بشركة سيرياتيل، يثبت أن شركة الاتصالات الخاصة زوّدت إدارة الاتصالات التابعة للاستخبارات العسكرية ببيانات اتصالات عملائها.

يقول هذا المدير عند سؤاله عن العلاقة بين شركة سيرياتيل وإدارة الاتصالات 225: 'إدارة تكنولوجيا المعلومات تزوّد الإدارة المذكورة بما يلي: الملفات الصادرة من مختلف منظومات شركة سيرياتيل كافة، التي تدار من خلال نظام السحب والتوزيع الموجود ضمن حوكمة البيانات'.

ويضيف أن الإدارة التي يرأسها تزود إدارة الاتصالات، 'بالمعلومات الخاصة بالمشتركين واتصالاتهم كافة، من خلال تحميل الملفات التي تضم هذه المعلومات على قاعدة بيانات خاصة بإدارة الاتصالات؛ وهي قاعدة بيانات تسمى DATADB. كما يوجد مخدم احتياطي في محافظة طرطوس توجد عليه نسخة احتياطية من قواعد البيانات، نظراً الى أهميتها للإدارة المذكورة'.

لا تبدو هذه الممارسات جديدة؛ فعند اندلاع احتجاجات عام 2011، طُلب من شركة سيرياتيل تتبّع مواقع حاملي بعض الأرقام، وصلت في كانون الأول/ ديسمبر 2011، إلى تسعة آلاف و147 رقماً خلوياً، وفق موظفين سابقين في الشركة.

من خلال عدد من الموظفين، سُرّبت هذه القائمة. وبالحصول على نموذج من أحد الملفات المسربة، وجدنا تقاطعات عدة بينها وبين مستندات 2024؛ يتمثل أحدها في وجود ملحوظة أن بعض الأرقام كتب إلى جانبها أنها 'بطلب من المقدم على – الفرع 225″، ونحو 134 رقماً كان يتم تعقبها باستخدام IMEI لجهاز الموبايل -وهو كما ورد في ملفات المخابرات العامة لعام 2024 يعني أرقام الماكينات التسلسلية- وكتب بجانبها 'Black list-Branch 225'.

والفرع 225 هو رقم إدارة الاتصالات التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، التي أوضح مدير إحدى الإدارات التقنية السابق في شركة سيرياتيل أنها تزود الإدارة المذكورة بكل معلومات المشتركين واتصالاتهم.

ووُضعت شعبة الاستخبارات العسكرية على قائمة العقوبات الأوروبية عام 2011؛ لدورها في مساعدة النظام على ممارسة القمع.

يقول الدكتور نضال ظريفة، الموظف السابق في سيرياتيل حتى عام 2009، إن إدارة الاتصالات كانت تحتفظ بكل معلومات عملاء سيرياتيل حتى قبل عام 2011. وبعد اندلاع الثورة، زادت عملية التدقيق في هذه المعلومات، واستُثمرت لتحقيق مكاسب عسكرية.

وفي عام 2024، طلبت المخابرات العامة من إدارة الاتصالات، ومن الفروع الأخرى، معرفة آخر تغطية لبعض الأرقام الخلوية، كما وجدت في سجلات الاتصالات تفاصيل عن الموقع الجغرافي للقائم بالاتصال.

يقول ظريفة، الحاصل على دكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة ديسبورغ-إيسن الألمانية، إن موقع القائم بالاتصال يُسجّل بشكل تلقائي في سجلات الشركة، وبالتالي لا تحتاج الأجهزة الأمنية إلى تقنيات متقدمة لمعرفة الموقع الجغرافي للمُستهدَف.

مواطنو الشرق تحت الرصد

على النهج نفسه، استخدمت الأذرع الأمنية سجلات الاتصالات، للوصول إلى الموقع الجغرافي لمجموعة من الأشخاص المشتبه في 'نشاطهم مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المناطق الشرقية'.

مطالعة مستندات رصد هؤلاء الناشطين، قادتنا إلى حلقات الدائرة ذاتها؛ التي تبدأ من الفرع 280 بالمخابرات العامة، الذي خاطب الفرع 300 بالكتاب رقم 13287 بتاريخ 28 آب/ أغسطس 2024، لموافاته بمعلومات عن 26 رقماً، وتحديد آخر موقع تغطية لحامليها.

بعدها بنحو أسبوع، أحال الفرع 300 الطلب إلى إدارة الاتصالات، لترد عليه الإدارة ببيانات تفصيلية عن مالكي الأرقام التي تنوعت بين سيرياتيل وMTN.

كان من الغريب وجود رقم عبد عيد العسكر، الذي يعود لشركة MTN سوريا، ضمن هذه القائمة التي وصفتها المخابرات بأنها 'تنشط تحت الميليشيات الكردية (قسد)'؛ فالرجل الخمسيني الذي ينحدر من بلدة محيميدة غرب دير الزور، سبق أن ظل قيد اعتقال 'قسد' أكثر من شهر مطلع عام 2022.

لم يكن للعسكر أي أنشطة سياسية، فهو تاجر بلاط وسيراميك ورخام، لكنّه زُج به في خلاف تجاري؛ فبعدما تعهدت الحكومة السورية عام 2019 بإعادة بناء كنيسة شهداء الأرمن، التي دمرها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، وَكلت إليه الكنيسة مهمة المشاركة في أعمال الترميم، بناءً على توكيل رسمي، يقول إنه معتمد من القصر الجمهوري.

سارت الأمور بداية الأمر في مسارها الطبيعي، وقبل بدء العمل استُدعي العسكر الى مكتب أحد الفروع الأمنية لإعطائه الضوء الأخضر ببدء العمل. لكن ما عكّر صفو عمليته التجارية أن أحد المقربين من الفرقة الرابعة طلب منه فسخ التعاقد، طمعاً في أن يتولى هو عملية المشاركة في الترميم. لكنّ العسكر أخبره بضرورة توجيه طلب فسخ التعاقد إلى الكنيسة.

بعدها، استُدعي العسكر إلى فرع الأمن العسكري بدير الزور، حيث تلقى أمراً حاسماً من أحد الضباط: 'تعليمات رئيس الفرع تقتضي ألا تتعامل مع الكنيسة مطلقاً، وأي مخالفة لهذا الأمر ستلقي بك في السجن'.

يعتقد تاجر السيراميك أن تقريراً يتضمن وشاية بحقه، تتهمه 'بالتعاون مع قسد والأكراد'، وضعه لاحقاً على رادار المتابعة الأمنية؛ فقد وصلته تعليمات غير مباشرة أكثر من مرة بعدم التواصل مع 'أشخاص معارضين للنظام أو مطلوبين أمنياً'.

حينها، قطع العسكر تواصله مع زوج ابنته وابن أخيه المقيم في بيروت؛ لأنه مطلوب لأداء الخدمة العسكرية، وينتابه الخوف من تلقي اتصال من أي شخص مطلوب أمنياً، ظناً منه أنه بعدها 'سيذهب إلى صيدنايا (سجن صيدنايا)'.

ما جمع بين العسكر وغبرة ليس فقط وضعهما في دائرة الاستهداف الأمني عبر تتبّع سجل مكالماتهما وموقعهما في منطقتين مختلفتين، بل أيضاً أنهما وضعا ثقتهما في شركتي اتصالات تقدمان أنفسهما شركتين خاصتين، يعتمدان في أرباحهما على مكالمات العملاء واشتراكاتهم.

ففي ظل العقوبات الخانقة التي تعرضت لها سوريا عقب 2011، والتي طاول بعضها قطاع الاتصالات، واصلت الشركتان تحقيق إيرادات من العقود مع العملاء، بلغت نحو 282.17 مليون دولار لصالح سيرياتيل عام 2024، ونحو 120 مليون دولار في MTN.

شكلت هذه الإيرادات العمود الفقري لاقتصاد الشركتين، وفق تقاريرهما المالية؛ ما يفرض أن يكون ولاء الشركتين ينصب على عملائهما. لكن التدقيق في هيكل ملكية الشركتين وإدارتهما، يكشف عن روابط قد تفسر كيف انتهى المطاف ببيانات اتصالات كل من تاجر دير الزور وناشط السويداء، وغيرهما، في أروقة أجهزة المخابرات السورية.

سيطرة حكومية

في عام 2000، انطلقت سيرياتيل كأول شركة اتصالات خلوية في سوريا، ومنذ انطلاقها أثارت موجة من الجدل لارتباطها بعائلة الأسد؛ لامتلاك ابن خال بشار الأسد، رجل الأعمال رامي مخلوف، حصة الغالبية فيها.

ووقع مخلوف تحت طائلة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية عام 2008، لشبهات تتعلق 'ببناء إمبراطوريته التجارية مستغلاً علاقاته بأعضاء النظام السوري، وتلاعبه بنظامه القضائي، واستخدامه مسؤولي المخابرات السورية لتخويف منافسيه التجاريين'.

وعقب اندلاع الاحتجاجات السورية مطلع عام 2011، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية سيرياتيل على قائمة العقوبات؛ لصلتها بمخلوف. كما تعرضت الشركة للعقوبات الأوروبية والبريطانية، للسبب ذاته.

وتضمنت مجموعة من التقارير مؤشرات عن تعاون بين شركات الاتصالات الخلوية الخاصة والمخابرات العسكرية لقمع الاحتجاجات المتصاعدة. فعام 2012، أفادت بلومبرغ بأن الفرع 225 أمر شركتي سيرياتيل وMTN سوريا بحظر الرسائل النصية التي تحتوي على كلمات مفتاحية؛ مثل 'ثورة' أو 'تظاهرة'.

تقول ديما سمارو، خبيرة الحقوق الرقمية، إن عمليات المراقبة على الاتصالات الخلوية بدأت قبل الثورة بأعوام عدة، عندما زودت شركات أوروبية وصينية شركتي سيرياتيل وMTN سوريا بأنظمة تقنية، سمحت للأجهزة الأمنية بتعقب الاتصالات. وعقب اندلاع الثورة اشتدت عمليات المراقبة.

وتضيف سمارو، التي شاركت في تقرير صدر عام 2021 عن مؤسسة أكسس ناو لدراسة التجسس الرقمي في سوريا، أن شركات الاتصالات السورية أتاحت للسلطات السورية الوصول الى بيانات المستخدمين؛ ما أدى إلى معرفة مواقع الناشطين. وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية كانت تدخل على أنظمة هذه الشركات بشكل مباشر، ومن دون إذن قضائي، ما وُصف وقتها بـ'التحالف بين النظام وشركات الاتصالات في قمع المواطنين'.

بحلول عام 2020، أُعيدت هيكلة قطاع الاتصالات الخلوية في سوريا؛ فقد أحكمت الحكومة قبضتها عليه بفرض حراسة قضائية على شركة سيرياتيل، تمثلها الشركة السورية للاتصالات، عبر رئيس مجلس إدارتها محمد مازن المحايري.

وفي تموز/ يوليو 2021، رفُعت الحراسة القضائية المفروضة على الشركة، ليتغير هيكل مجلس إدارتها.

ومع هذه التطورات، أُدخلت على الشركة تغييرات إدارية؛ فقد استقالت المديرة التنفيذية ماجدة صقر، وعُين مكانها مريد صخر الأتاسي رئيساً للمديرين التنفيذيين.

طاولت الحراسة القضائية MTN سوريا أيضاً عام 2021، وعُينت شركة 'تيلي إنفست ليمتد' ممثلة برئيس مجلس إدارتها، حارساً قضائياً، وما زالت الحراسة سارية حتى الآن. تبع ذلك إجراء تغييرات إدارية في هيكل إدارة الشركة بتعيين محمد وسيم شطة مديراً تنفيذياً للشركة.

الوجوه القديمة في العهد الجديد

ظلت الأوضاع في الشركتين على هذا النحو، مع تغييرات محدودة في هيكل الإدارة، حتى سقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر 2024. وبعد سقوط النظام، سارعت الشركتان إلى رفع العلم السوري الجديد على موقعيهما، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لهما، معلنتين مباركتهما النظام الجديد.

وبعد أشهر عدة، استقال مدير شركة MTN سوريا ليحل محله نائبه، محمد مازن المحايري، ممثل الحارس القضائي السابق على سيرياتيل، ومعاون وزير الاتصالات والتقانة عام 2018.

في المقابل، ظل الهيكل الإداري لشركة سيرياتيل قائماً، من دون المساس بعناصره؛ وعلى رأسهم مريد صخر الأتاسي، الذي كان يشغل عام 2020 منصب المدير العام للمعلوماتية، قبل ترقيته إلى منصبه الحالي.

وتحت السلطة الإدارية لرئيس المدير التنفيذيين، يأتي المدير التنفيذي التقني، الذي يشرف على إدارات كشفت تحقيقات المخابرات العامة عام 2020 عن صلتها بإدارة الاتصالات بالمخابرات العسكرية.

ويفوض مجلس إدارة سيرياتيل المدير التنفيذي في تسيير أمور الشركة اليومية، والتواصل مع الجهات العامة والخاصة، وفق السجل التجاري للشركة.

وورد اسم الأتاسي بصفته المدير العام للمعلوماتية في مستندات التحقيق، الذي أجرته المخابرات العامة مع مدير إحدى الإدارات التقنية في سيرياتيل عام 2020، في إطار تحقيق داخلي تجريه الشركة عن المتسبّب في حادثة اختراق تعرضت لها 'المخدمات الخارجية' للشركة في كانون الأول/ ديسمبر 2018.

حينها، لم تسفر تحقيقات وحدة أمن المعلومات بسيرياتيل، وإدارة الاتصالات بالمخابرات العسكرية، عن توجيه الاتهام الى أي موظف مشتبه في تورطه بالاختراق. وكانت هذه الحادثة امتداداً لسلسة اختراقات -لم يُعلن عنها- لأنظمة الشركة بدأت منذ عام 2014، منشأ بعضها بلدان أوروبية وآسيوية وإفريقية. ويرجع المدير، الذي حقّقت معه إدارة الاتصالات في 2020، هذه الاختراقات إلى 'ضعف الحالة الفنية لوحدة أمن المعلومات بشركة سيرتيل'.

بهذا، انُتهكت بيانات عملاء شركة الاتصالات الأكبر في سوريا؛ مرة على يد مخترقين مجهولين جاؤوا من كل حدب وصوب، والأخرى بتقديم معلومات اتصالات العملاء إلى إدارة الاتصالات بالمخابرات العسكرية. والأخيرة غذت الأفرع الأمنية الأخرى بمعلومات مستخدمين لسيرياتيل وMTN سوريا؛ لتبقى يد النظام ممدودة حتى في مناطق تقوضت فيها دعائم سيطرته في آخر سنوات حكمه.

'بشكل عام، السلطات السورية مُلزمة بحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين؛ بما في ذلك الحق في الخصوصية. في حال انتهاك شركات الاتصالات السورية حق المستخدمين في الحفاظ على خصوصيتهم، ينبغي على الحكومة السورية التحقيق في الأمر ومحاسبة الشركات أو المسؤولين عن الانتهاك. وبموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، تقع على عاتق الشركات مسؤولية تجنب التسبب في أي انتهاكات لحقوق الإنسان أو الإسهام فيه، ومعالجة المخاطر ذات الصلة المرتبطة مباشرةً بعملياتها وعلاقاتها التجارية'.

آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش

اليوم، يحتفظ عبد عيد العسكر من دير الزور، ورباح غبرة من السويداء، بأرقامهما الخلوية ذاتها التي كُشفت أنشطتها في عهد النظام السابق. فقد الأول خصوصيته، ومُنع -تحت وطأة المراقبة- من التواصل مع زوج ابنته المقيم في الخارج، وحُدّدت حريته حتى اضطر إلى الانفصال عن زوجته، يقول: 'دمرتني المراقبة تدميراً حتى خسرت زوجتي'. 

أما غبرة، فيُلقي باللوم على شركات الاتصالات، لاعتقاده بأنها انحازت ضده وضد رفاقه في ما سمي بـ 'حراك السويداء'، قائلاً: 'شركات الاتصالات لا تلتزم الحيادية، ولو توافرت أجواء الاستثمار الحر، لخضعت الشركات للشروط والمعايير، لكنها -بدلاً من هذا- تخضع للنظام'.

ساهم في إعداد هذا التحقيق محمد حسان

الأذرع الخلوية: شركات الاتصالات السورية تسلم بيانات عملائها إلى مخابرات الأسد
موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار سوريا:

إلقاء القبض على شخصين ألقيا قنبلة على مبنى السرايا في الميادين

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
5

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2226 days old | 151,617 Syria News Articles | 379 Articles in Dec 2025 | 60 Articles Today | from 45 News Sources ~~ last update: 6 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


لايف ستايل