اخبار سوريا
موقع كل يوم -عنب بلدي
نشر بتاريخ: ٢٧ نيسان ٢٠٢٥
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
لم يخفِ تنظيم 'الدولة الإسلامية' عداءه للإدارة السورية الجديدة منذ سقوط نظام الأسد في دمشق، في 8 من كانون الأول 2024، إذ اعتبر أن فصائل المعارضة السورية التي أسقطت النظام هي 'بيادق تركية' تتحارب مع 'بيادق إيرانية'.
وتوعد التنظيم السلطات السورية باستمرار قتالها، في وقت رُصد فيه ارتفاع نشاطه في الشرق السوري، تزامنًا مع عمليات أمنية ينفذها حلفاء أمريكا في المنطقة، لمنع التنظيم من استغلال المشهد.
وفي 9 من نيسان الحالي، قالت صحيفة 'نيويورك تايمز' الأمريكية، إن التنظيم أظهر نشاطًا متجددًا في سوريا واستعاد قوته، كما استقطب مقاتلين جددًا وزاد من عدد هجماته، وفقًا لمسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ما يزيد خطر عدم الاستقرار في سوريا.
وذكرت الصحيفة أن تنظيم 'الدولة' وإن كان بعيدًا عن قوته التي كان عليها قبل عقد من الزمان، عندما كان يسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، فإن الخبراء يحذرون من أنه قد يجد طريقة لتحرير آلاف من مقاتليه المتمرسين المحتجزين في سجون 'قوات سوريا الديمقراطية' (قسد).
وعلى وقع المطالب الأمريكية، والدفع التركي، لمحاربة التنظيم في سوريا، انخرطت الإدارة السورية في غرفة عمليات مشتركة مع العراق والأردن وتركيا، بهدف محاربة التنظيم، دون إظهار أي تقدم معلن في هذا الملف، في وقت حاول فيه التنظيم تنفيذ هجمات في العمق السوري، عقب سقوط النظام.
تزامنًا مع التحركات العسكرية التي أفضت إلى سقوط النظام، كانت تحركات التنظيم ضمن أولويات الإدارة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي، إذ شنت ضربات جوية متكررة عقب سقوط الأسد، قالت إنها استهدفت مواقع للتنظيم، الذي كان يحاول استغلال حالة الفوضى في سوريا.
وتحرك حلفاء واشنطن في أكثر من اتجاه للحد من تحركات التنظيم، إذ أعلنت 'قسد' عن تحركها باتجاه مدينة دير الزور شرقي سوريا، بهدف منع التنظيم من السيطرة على أراضٍ جديدة، بينما تحرك 'جيش سوريا الحرة' للسيطرة على ريف حمص الشرقي للهدف نفسه، ولا يزال منتشرًا في هذه المناطق.
ونشط التنظيم على مدار السنوات الماضية في منطقة البادية السورية المحاذية للحدود مع العراق، بين محافظتي حمص ودير الزور.
وفي حديث سابق لعنب بلدي قال قائد 'جيش سوريا الحرة'، سالم تركي العنتري، إن 'الجيش' انطلق من قاعدة 'التنف' تزامنًا مع تقدم فصائل المعارضة نحو دمشق، من مبدأ حماية المدنيين، ودرء خطر تنظيم 'الدولة' وقطع طرق تنقله.
وأضاف أن مجموعات التنظيم أرادت استغلال انسحاب قوات النظام المخلوع من المنطقة الوسطى، وتحرك بهدف السيطرة على أسلحة ومعدات كان قد تركها النظام المخلوع، والميليشيات الموالية له، والقوات الروسية في المنطقة، ما استدعى تحرك 'جيش سوريا' لمنعها.
وقال العنتري، 'ما دامت لدينا مهمة محاربة التنظيم فسلاحنا موجود من أجل محاربته ومن أجل حماية المدنيين'، ولفت إلى أن فصيله وسلاحه يقفان إلى جانب من يريد قتال تنظيم 'الدولة' وحماية سوريا من خطره، وهو ما يركز عليه الفصيل اليوم، وفق تعبيره.
في 11 من كانون الثاني الماضي، أعلن جهاز الاستخبارات العامة في الإدارة السورية الجديدة عن إحباط محاولة تفجير داخل مقام 'السيدة زينب' في العاصمة السورية دمشق، وهي محاولة الاستهداف الأولى التي حملت بصمات التنظيم منذ سقوط النظام.
ونقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) حينها، عن مصدر بجهاز الاستخبارات العامة (لم تسمِّه) قوله، إن السلطات نجحت بإحباط محاولة تفجير داخل مقام 'السيدة زينب'.
واتهم المصدر تنظيم 'الدولة' بالوقوف خلف التخطيط للتفجير، وفق 'سانا'.
وعقب إحباط هذه المحاولة، لم تظهر محاولات أخرى للتنظيم في تنفيذ عمليات استهداف في سوريا، لكن التقرير الذي تحدثت فيه صحيفة 'نيويورك تايمز' عن زيادة نشاط التنظيم في سوريا، قال إن كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية قدموا إلى الكونجرس، في آذار الماضي، تقييمهم السنوي للتهديدات العالمية، وخلصوا إلى أن تنظيم 'الدولة' سيحاول استغلال سقوط نظام الأسد لتحرير السجناء وإحياء قدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات.
مع التقدم المتسارع لفصائل المعارضة السورية تحت لواء معركة 'ردع العدوان' في نهاية العام الماضي، كان نظام الأسد يركز قواته في مراكز المدن، ويسحبها من النقاط العسكرية الواقعة في المناطق الريفية، خصوصًا تلك التي نشط بها التنظيم شرقي سوريا.
الانسحابات المتكررة لقوات النظام شكلت فراغًا حاول التنظيم استغلاله، إذ ترك النظام أسلحة ومعدات عسكرية وراءه، وسحب قواته باتجاه وسط سوريا.
ويعتقد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية عبد الرحمن الحاج، أن سقوط النظام أفضى إلى تغيير جذري فيما يتعلق بنشاط التنظيم على الأراضي السورية.
وقال، لعنب بلدي، إن سقوط النظام أحدث تغييرًا في طبيعة عمليات التنظيم، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال نوعية العمليات وأهدافها، إذ لوحظ مؤخرًا أن التنظيم يستهدف زعزعة استقرار الحكم وإثارة الطائفية، من خلال محاولة تفجير مقام السيدة زينب في دمشق.
كما أن معظم عمليات التنظيم لا تزال تستهدف أماكن احتجاز السجناء في مناطق سيطرة 'قسد'، والحواجز ونقاط التفتيش التي في معظمها فارغة.
وفي الوقت نفسه، يرى الباحث أن آثار عمليات التنظيم لا تزال محدودة، كما أن الطيران الحربي للتحالف زاد من عملياته لمواجهة هذه الزيادة بعد أن دمرت إسرائيل كل الطيران الحربي السوري.
وأضاف الحاج أن أطرافًا دولية لا تزال تسعى لإضعاف السلطة المركزية وتمنع استقرارها، وأن دعمًا مباشرًا أو غير مباشر من هذه الأطراف يمكن أن يساعد التنظيم على مزيد من الهجمات، وإعادة تنظيم صفوفه.
واستبعد الباحث أن يزيد التنظيم من قوته مرة أخرى كما حدث من قبل، لأن البيئة السياسية تغيرت، والمظلومية السنية التي يتغذى عليها لم تعد موجودة في سوريا، ما سيحرمه من إيجاد قاعدة اجتماعية يتمدد فيها.
في 10 من شباط الماضي، حذر وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب من قدرة تنظيم 'الدولة' على مواصلة أنشطته وتكييف أسلوب عمله، على الرغم من الجهود الدؤوبة لمكافحة الإرهاب التي تبذلها الدول الأعضاء والشركاء الدوليون والإقليميون، وفق تعبيره.
المسؤول الأممي، فلاديمير فورونكوف، قال إن الوضع المتقلب في سوريا 'يثير قلقًا كبيرًا'، في ظل خطر وقوع مخزونات من الأسلحة المتقدمة في أيدي 'الإرهابيين'.
وأضاف أن منطقة البادية السورية ما زالت تستخدم كمركز للتخطيط العملياتي الخارجي لتنظيم 'الدولة'، ومنطقة حيوية لأنشطته.
ولفت إلى أن عدم الاستقرار في سوريا يؤثر على المعسكرات ومراكز الاحتجاز وغيرها من المرافق في شمال شرقي البلاد، مضيفًا أن 42500 فرد، بعضهم لهم صلات مزعومة بالتنظيم، لا يزالون محتجزين، ويشمل ذلك 17700 مواطن عراقي و16200 مواطن سوري، فضلًا عن 8600 مواطن من بلدان أخرى.
الباحث عبد الرحمن الحاج اعتبر، خلال حديثه لعنب بلدي، أنه على الرغم من زيادة وتيرة عمليات التنظيم، لا تزال فرص بقائه وانتشاره تتضاءل، ويمكن أن يفهم من زيادة وتيرة العمليات ومحاولة القيام بعمليات ذات طبيعة استعراضية، مثل تفجير مقام 'السيدة زينب'، أنها تهدف أيضًا إلى اجتذاب مقاتلين جدد وضمهم للتنظيم واغتنام الفرصة الراهنة.
وينظر الباحث إلى الإدارة السورية الجديدة، على أنها تملك 'خبرة استثنائية' في مكافحة التنظيم، بالنظر إلى صلة 'جبهة النصرة' (نواة تحرير الشام التي قادت عمليات إسقاط الأسد) القديمة بقيادة التنظيم، ومعرفتها بطرق التجنيد والتمويل، وقدرتها على الوصول.
واعتبر أيضًا أن خبرة مكافحة التنظيم التي اكتسبتها الإدارة الجديدة خلال وجودها في إدلب ودرعا، ستمنح الحكومة المركزية قدرة 'كبيرة' على مكافحة التنظيم ومنعه من البقاء.
واعتبر أن التنظيم لا يزال يتغذى على وجود 'قسد' والمظلومية التي أوجدتها في شرق الفرات، ويعتمد بشكل رئيس على مقاتلين غير سوريين.
الحاج قال أيضًا إن انسحاب الولايات المتحدة قد يعزز فرص بقاء التنظيم لمدة أطول، لكنه لن يكون سببًا لعودة انتشاره في سوريا، أو سيطرته على أراضٍ تسمح له بإقامة سلطة وجهاز تنفيذي.
وأضاف أن الوجود التركي في البادية السورية، يمكن أن يسهم بمنع التنظيم من الانتشار وتعويض الفراغ الأمريكي، ولكن القضاء على التنظيم لا ينجح إلا بإتمام انسحاب 'قسد' من مناطق سيطرتها شرق نهر الفرات، لأنها تشكل مظلومية تمد التنظيم بالدعاية اللازمة للتجنيد، وفق الحاج.