اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢ نيسان ٢٠٢٥
تؤجل دول غربية، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وقبرص، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، رغم ترحيبها بالحكومة الجديدة التي تصفها واشنطن بـ 'التكنوقراطية'. وتربط هذه الدول قرارها بشروط سياسية تتعلق بـ 'تمثيل الأقليات' و'وقف الانتهاكات' وغيرها من الملفات الحقوقية، لكن التصريحات والتحركات الإقليمية تشير إلى دوافع أعمق تتصل بالمصالح الجيوسياسية وسباق السيطرة على موارد شرقي المتوسط.
تسعى قوى إقليمية ودولية إلى ترسيخ نفوذها في الحوض البحري الغني بالغاز، بينما يراقب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التحولات السياسية في دمشق لتأمين ترتيبات تضمن مصالحهم في المنطقة. ومع غياب توافق حول النفوذ البحري وترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة، يتحول ملف العقوبات إلى ورقة ضغط في لعبة موازين القوى، أكثر منه أداة لتحفيز العملية الانتقالية في سوريا.
تشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى احتمالية وجود نحو 122 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز في حوض شرقي المتوسط، إضافة إلى نحو 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج. وتضم هذه المنطقة المياه الإقليمية السورية، التي يُعتقد أنها تحتوي على احتياطيات كبيرة غير مستغلة تضاهي التكوينات الغنية بالموارد قبالة سواحل مصر وقبرص ودولة الاحتلال.
أميركا تراجع.. وإسرائيل تضغط
قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن جويل رايبورن سيتولى منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بما في ذلك سوريا، وأكد أن واشنطن تراجع العقوبات المفروضة على سوريا. وفي تصريح خاص لـ'تلفزيون سوريا'، أوضح المتحدث أن القرار بشأن السياسة الأميركية في سوريا بيد الرئيس دونالد ترامب، وأن النقاشات مستمرة يوميًا داخل الإدارة الأميركية حول الملف السوري.
أكد المتحدث على رفض التدخلات الخارجية، وأعرب عن أمل واشنطن في أن تقيم سوريا علاقات جيدة مع دول الجوار. واعتبر أن 'الشعب السوري هو من يقيم الحكومة الجديدة'، مضيفًا أن واشنطن ترى الحكومة الجديدة حكومة تكنوقراط. كما شدد على ضرورة استبعاد المقاتلين الأجانب ومنع النفوذ الإيراني، وتمكين السلطات الجديدة من السيطرة على كامل الأراضي السورية.
لكن خلف هذه التصريحات، تقف حسابات أوسع ترتبط بمصالح دولة الاحتلال التي تسعى للتحكم بمسار الغاز في شرقي المتوسط. فمشروع 'إيست ميد' الذي يهدف إلى نقل الغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا عبر اليونان، تشارك فيه شركات إسرائيلية وأوروبية وأميركية، ويُنظر إليه كأداة لتقليص دور تركيا وروسيا في توريد الطاقة إلى أوروبا، وفق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ويرتبط المشروع بأنبوب بحري بطول 1300 كيلومتر يصل إلى جنوبي اليونان، يتفرع إلى أنبوب بري بطول 600 كيلومتر نحو غربها، ومنه إلى إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، بقدرة نقل تقارب 10 مليارات متر مكعب سنويًا.
قبرص: لا رفع دائم للعقوبات
أكد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس أن أي رفع للعقوبات عن سوريا 'لن يكون دائما'، بل سيُربط بتطورات في ثلاث قضايا أساسية: تشكيل حكومة شاملة، وقف استهداف السكان المدنيين، واحترام القانون الدولي، خصوصا اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
وخلال قداس في ذكرى تأسيس منظمة 'إيوكا'، شدد خريستودوليديس على أن هذه العوامل صارت شروطا نصية يجب أن تتحقق قبل بحث أي تخفيف للعقوبات. كما أشار إلى أهمية التزام سوريا بالقانون الدولي البحري، في ظل خلافات حادة بشأن ترسيم الحدود البحرية وحقوق التنقيب في شرق المتوسط.
ألمانيا: سحب الروس شرط أول
بعد سقوط نظام بشار الأسد، زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك دمشق، ودعت إلى إخلاء القواعد العسكرية الروسية ومغادرة سوريا. وفي وقت لاحق من كانون الثاني، أكد منسق الحكومة الألمانية لشؤون سوريا، توبياس ليندنر، أن روسيا 'تشكل أكبر تهديد للأمن الأوروبي في المستقبل المنظور'، وطالب بإغلاق القواعد الروسية وسحب القوات.
وقال ليندنر في مقابلة مع مجلة 'دير شبيغل' إن احترام وحدة الأراضي السورية يجب أن يشمل جميع الأطراف، وخاصة روسيا. وأوضح أن الروس موجودون في سوريا لخدمة مصالحهم في البحر المتوسط وليبيا وأفريقيا، مؤكدا أن الوجود العسكري الروسي يهدد أمن أوروبا ويؤثر على الاستقرار الإقليمي.
فرنسا: خريطة طريق مشروطة
أصدر قصر الإليزيه الفرنسي 'خريطة طريق' تتضمن دعما اقتصاديا ورفعا تدريجيا للعقوبات، مقابل خطوات واضحة من الحكومة السورية الجديدة. جاءت هذه المبادرة بعد قمة خماسية استضافتها باريس بمشاركة سوريا ولبنان وقبرص واليونان، وشارك فيها رئيس سوريا الجديد أحمد الشرع عبر الفيديو.
ماكرون: نعمل مع لبنان وسوريا على ترسيم الحدود وعودة اللاجئين
وبحث القادة خلال القمة قضايا عدة أبرزها اللاجئون، ترسيم الحدود اللبنانية السورية، وضمان استقرار المنطقة. وأعرب القادة الأوروبيون عن دعمهم لترسيم الحدود البحرية السورية وفق القانون الدولي البحري، وإنشاء لجان متخصصة لضمان مصالح الجيران الأوروبيين.
وفي السياق، يجري وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، زيارة رسمية إلى فرنسا اليوم الأربعاء، يلتقي خلالها نظيره الفرنسي جان نويل بارو، حيث من المقرر أن تتناول المباحثات عدداً من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الملف السوري.
تركيا والصفقة البحرية
في كانون الأول 2024، أعلن وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو عن نية بلاده التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة حول المنطقة الاقتصادية الخالصة. وتهدف أنقرة إلى الاستفادة من سقوط الأسد لإلغاء اتفاقات سابقة منحت الروس والهنود حقوق التنقيب، وفرض شراكة جديدة تضمن مطالبها البحرية.
شرقي المتوسط.. ثروة تثير صراعاً دولياً ما حصة سوريا؟
وتسعى تركيا لتوسيع نفوذها في شرق المتوسط، لكنها تواجه معارضة من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر. فهذه الدول أنشأت منتدى غاز شرق المتوسط عام 2019 لتنسيق تسويق الغاز إلى أوروبا، واستبعدت تركيا من المشروع. كما وقّعت اليونان ومصر اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية، وهو ما ترفضه أنقرة وتعتبره غير قانوني.
سوريا في قلب لعبة الغاز
تُظهر تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لعام 2025 أن حزام زاغروس، الذي يشمل المياه الإقليمية السورية، يحتوي على 3.3 مليار برميل من النفط و80.3 تريليون قدم مكعب من الغاز. ويزيد هذا من أهمية سوريا في موازين الغاز العالمية.
لكن أي اتفاق بين سوريا وتركيا على المنطقة الاقتصادية الخالصة قد يفتح الباب لتوترات دبلوماسية وعقوبات إضافية، خصوصًا إذا استُبعدت قبرص واليونان من المعادلة. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم الدولي لإعادة الإعمار، رغم حاجة سوريا الماسة لمصادر دخل محلية.
وللإدارة السورية الجديدة مصالح تتجاوز الاقتصاد مع أنقرة، حيث كشفت مصادر مطلعة لموقع 'Middle East Eye' أن تركيا بدأت استعدادات للتمركز في قاعدة 'تياس' الجوية السورية (T4)، وتنوي نشر منظومات دفاع جوي هناك. وتتفاوض أنقرة ودمشق منذ سقوط الأسد على اتفاق دفاعي يشمل توفير الحماية الجوية من الجانب التركي.
ويهدف هذا الاتفاق الذي تخشاه إسرائيل، إلى تأمين الحكومة السورية الجديدة من أي تهديدات خارجية، مقابل تعاون استراتيجي في ملف الغاز. لكن هذه التفاهمات تضع الإدارة الجديدة في موقف حساس، بين الحليف التركي الطامح للهيمنة، والضغوط الغربية الرافضة لأي ترتيب يُضعف نفوذها أو مصالحها في المنطقة.
سوريا إذا، وجدت نفسها في قلب صراع مصالح لا علاقة مباشرة له بـ 'تمثيل الأقليات' أو 'العدالة الانتقالية' ـ رغم ضرورة هذه الملفات للعبور بسوريا إلى بر الأمان ـ، بل يرتبط بموقعها الجغرافي واحتياطاتها من الغاز. وبينما يُرحب الغرب بالحكومة الجديدة علنا، تبقى العقوبات قائمة وتخفف بالتدريج، لأن من يتحكم بالطاقة سيملك مفتاح السياسة.