اخبار سوريا
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
ثمة صراعات لا سلطة للزمن عليها تثور تارة وتخبو آخرى على وقع كلمة السر التي تبوح بها السلطة المركزية الحاكمة أو القوى الفاعلة في الإقليم، وتمتد نيرانها أو تنحسر على مدى الغاية التي يراد منها صرف هذا الصراع في السياسة داخلية كانت أم إقليمية دون إقصاء للعوامل الذاتية والمنفعية التي تؤجج الصراع وإن حاولت إعطاءه لبوسا عقائديا يضفي الصفة الشرعية على كل سلوك يخالف قيم التسامح على ضفتي الصراع بين أبناء الوطن الواحد.
وجولة الاحتراب الأخيرة بين الدروز السوريين في السويداء وجيرانهم من أبناء العشائر لم تختلف في عناوينها العريضة عن جولات سابقة امتدت على مدى قرون ولعبت فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والطبقية دور المذكي للصراع.
هكذا اشتعل الصراع:
لم يقتنع الدروز بأن العشائر العربية كانت بعيدة عن المجهود العسكري الذي قامت به قوات الحكومة السورية حين اعتقدت بأن القوى الإقليمية والدولية قد أعطتها الضوء الأخضر في الدخول إلى السويداء .
ثمة عشرات الوقائع التي يمكن سردها في هذا الشأن كما يشير ابن مدينة السويداء المحامي نعمان زيدان في حديثه لـ' RT'.
وبناء على ذلك يؤكد زيدان أن رد فعل الدروز الغاضب تجاه العشائر عقب انسحاب القوات الحكومية من السويداء كان مرتبطا بشكل أساسي بمساهمتها الفعلية في المعارك وإن حاولت التلطي وراء ستار قوات وزارة الدفاع التي بدورها تلطت وراء العشائر لاحقا حين أمسكت هذه الأخيرة بزمام الصراع وتصدرت المشهد تحت عنوان أن معركتها مع الدروز هي معركة كرامة لا ترتبط بالأجندة السياسية للدولة.
مظلومية تاريخية:
في المقابل يركز الشيخ نايف الحمادي وهو أحد أبناء العشائر العربية القاطنة في محيط السويداء على ما قال إنها مظلومية تاريخية يعيشها أبناء العشائر باعتبارهم سكان المنطقة الأصليين الذين انحسرت عنهم الموارد والمكاسب والمناصب تاريخيا لحساب الدروز القادمين من لبنان وفلسطين فيما يعمل على الزج بهم في صراعات إقليمية لا تعود عليهم بالحقوق التي خسروها تدريجيا.
وفي حديثه لـ'RT' شدد الحمادي على أن أقدم وجود للدروز في السويداء يعود إلى حوالي قرنين من الزمن فيما يعود وجود العشائر العربية إلى ما قبل ذلك بكثير.
وحول تموضع العشائر العربية في السويداء يشير الحمادي إلى أن محيط السويداء يشهد تواجدا لعشائر من قبائل عنزة وشمر والظفير وغيرها من العشائر وهي جزء أساسي من النسيج الاجتماعي في المحافظة.
في حين أن خريطة انتشار العشائر العربية على امتداد الجغرافيا السورية يتوزع على النحو الآتي:
ولفت الحمادي إلى أن الدروز ومنذ وصولهم إلى جبل العرب سيطروا بشكل تدريجي على المراعي والمناطق الخصبة مما أدى إلى تضييق الخناق على العشائر العربية المتواجدة هناك والتي تعتمد على تربية المواشي بشكل أساسي وهو الأمر الذي دفعها للهجرة نحو درعا وريف دمشق وحتى إلى خارج سوريا، مشيرا إلى أن أسباب التضييق على العشائر العربية من قبل الحكومات المتعاقبة اكتملت بإقصائهم بشكل مدروس عن الوظائف والتمثيل السياسي والمناطقي وصولاً إلى غياب الخدمات التي ترتبط بشكل أساسي بتوطينهم في الجغرافيا التي نشؤوا فيها.
وختم الشيخ الحمادي حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أنه ومع سقوط نظام الأسد كان هناك تقاطع مصالح بين العشائر والدروز على خلفية الموقف السياسي الواحد والذي تبلور بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة التي أعلنت فيها السويداء العصيان والتمرد على حكومة دمشق
وفي هذه اللحظة السياسية والعاطفية الفارقة، أكد الحمادي أنه كان يجب على الحكومة الجديدة في دمشق أن تتدخل وتتعاطى مع محافظة السويداء ككتلة واحدة على أساس من المواطنة بحيث يصار إلى تقديم الخدمات للكل ومراعاة التمثيل السياسي والمجتمعي كذلك ليبنى على الوحدة الوطنية المزيد
هذه هي جذوز الصراع :
يحاول الباحث في التاريخ السوري عمار خليل وضع الاشتباك الدرزي - العشائري الحالي في سياقه التاريخي الذي تتشابه فصوله إلى حد بعيد.
وفي حديثه لـ'RT' يشير خليل إلى أن إصباغ الطابع المذهبي الصرف على هجوم العشائر العربية الأخير على الدروز هو تحليل لا يحيط بكل المشهد مع وجود أسباب آخرى ترتبط بتعدد الولاءات القبلية والدينية والسياسية دون إهمال لأهمية التجييش المذهبي الذي يكفر الدروز في جانب كبير منه ويصفهم بالفرقة الباطنية الخارجة عن الإسلام والذي أعطى الصراع لبوسا دينيأ حاول من خلاله إخفاء الرغبة في السيطرة على الموارد والتمثيل والسلطة المناطقية.
وأضاف بأن العشائر التي حشدت نفسها للهجوم على السويداء لم تمثل يوما ثقلا دينيأ ينطق باسم الحقوق الدينية للملة فثمة في أهل السنة المدنيين من حواضر دمشق وحلب وغيرها من نهض عنهم تاريخيا في هذه المسألة وتصدر المشهد بلا منازع فيما بقيت العشائر ورغم اعتزازها بكونها من أهل السنة والجماعة صاحبة مجتمع خاص عابر للحدود الإدارية للدولة يعرف كيف يخرج من منظومتها القانونية أنى شاء أو أنى شاء له الآخرون الداعمون ذلك. فارتباط هؤلاء بالعشيرة في المقام الأول مع احترامهم للوطن كفكرة نبيلة فيما يبدو وطنهم الحقيقي هو المراعي التي تضمن لهم العيش الكريم وقانونهم هو رد الإعتبار لأنفسهم في وجه كل من يحاول النيل من كرامتهم.
وشدد الباحث التاريخي على أن كل الصراعات التي كانت تحصل في التاريخ بين العشائر والدروز كانت مسبباتها ترتبط بنظرة العشائر إلى حالة الاستقرار المدني التي يعيشها الدروز في جبل العرب وما أضفاه عليهم ذلك من اتصال مباشر مع السلطات السياسية التي كانت توفر لهم الحماية على نحو لم يتوفر للعشاىر إلا عندما يراد الزج بها في أتون صراع عسكري يعود بنتائج سياسية على السلطات الحاكمة.
وهذا وفق خليل ما يعطي البدوي شعورا بالإقصاء والتهميش.
ولفت الباحث التاريخي إلى أن أهل السنة والجماعة ومن منظورهم الشرعي لا يباركون ولا يبررون سلوكيات القتل والانتقام ويرون فيها خروجا عن نهج التسامح الذي تدعو إليه العقيدة.
وطريقة التعاطي مع الأقليات التي عاشت تاريخيا تحت قيادة حكم إسلامي لم يجهر بالدعوة إلى إعلان الحرب عليها ومع ذلك فإن هذا الحكم الإسلامي وفق خليل لم يكن قادرا على ضبط سلوك وإيقاع الصراعات التي كانت تأخذ طابعا مذهبيا نتيجة الضعف الذي كان يمر به في فترات زمنية طويلة وطبيعة التوازنات السياسية التي كانت تطلق يد الإقليم في الداخل السوري.
واستدل خليل على ذلك بحالات تغاضي السلطة المركزية في دمشق على الغزوات العشائرية التي كانت تستهدف أقليات دينية أو قومية تنازع دمشق العداء فتعطي ما يشبه الموافقة الضمنية على ذلك حتى ولو كانت بياناتها الرسمية تقول عكس ذلك.
المصدر: RT