اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ١١ أذار ٢٠٢٥
في خطوة مفاجئة لا تقل وقعاً عن دخول الثوار إلى دمشق في 8 كانون الأول 2024، ظهر الرئيس أحمد الشرع، مساء أمس الإثنين، وهو يصافح قائد 'قوات سوريا الديمقراطية' (قسد) داخل قصر الشعب، وذلك عقب التوقيع على اتفاق من ثماني نقاط، ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة، وضمان حقوق الأكراد، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للتقسيم.
منذ تسلمه إدارة البلاد ثم تعيينه رئيساً للجمهورية، راهن الشرع على حل ملف 'قسد' بالطرق السلمية، رغم الضغوط الداخلية والخارجية التي دعت إلى الإسراع في إنهائه، حتى لو كان ذلك عبر المواجهة العسكرية. ففي مطلع شباط الماضي، أكد خلال مقابلة مع 'تلفزيون سوريا' أن 'قسد' أبدت استعدادها لوضع سلاحها تحت سيطرة الدولة السورية، لكنه أشار إلى وجود بعض الخلافات دون الخوض في تفاصيلها، مبرراً ذلك بوجود أطراف تعارض نجاح المفاوضات، ما يستوجب الحفاظ على سرية المحادثات.
إلا أن كثيرا من الأطراف والمراقبين للشأن السوري شككوا في جدوى استمرار الحوار لإزالة الخلافات، خاصة مع تصاعد التوترات بين 'قسد' و'الجيش الوطني'، وتزايد التهديدات التركية، إثر رفض قائد 'قسد' دعوة عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح، معتبراً أنها تخص 'حزب العمال الكردستاني ' فقط ولا تمتد إلى قواته في سوريا. كما أثار موقف عبدي الجدل قبل أيام قليلة، بعد ترحيبه بالدعم الإسرائيلي لحماية ما وصفها بـ'الإنجازات' شرقي سوريا، بالتزامن مع تصاعد الحديث عن خطة 'ممر داوود'، الذي يمتد من جنوبي سوريا عبر درعا السويداء والتنف ودير الزور، وصولًا إلى إقليم كردستان العراق، وهو مشروع تحدث عنه صراحة بوعاز بيسموت، رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي.
وسط هذه التطورات والتعقيدات، بدا المشهد وكأن الحل السياسي قد دُفن إلى الأبد، وأن سوريا تتجه نحو صراع دموي سيجرّ معه دول إقليمية. إلا أن الأمر جاء معاكساً لكل التوقعات والتحليلات، إذ تمكن الرئيس الشرع من كسب الرهان، بحل معضلة سياسية كادت تدفع البلاد إلى حافة التمزق.
اتفاق اللحظة الأخيرة.. لماذا الآن بعد وصول الخلافات إلى الذروة؟
لم يكن الاتفاق بين الرئيس الشرع وقائد 'قسد' مظلوم عبدي وليد اللحظة، بل جرت ترتيباته منذ 20 شباط الماضي، بدفع مباشر من الولايات المتحدة الأميركية، وفق ما كشفته مصادر خاصة لموقع 'تلفزيون سوريا'.
وبحسب المصادر، فإن تحرك واشنطن جاء بعد مؤشرات عسكرية أظهرتها قياداتها في سوريا، تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس جدياً سحب قواتها من البلاد في المستقبل القريب، وهو ما استدعى تسريع مسار التفاهمات لتجنب أي فراغ أمني قد يترتب على هذا الانسحاب.
وأوضحت المصادر أن مظلوم عبدي وصل إلى دمشق على متن طائرة أميركية، في 20 شباط الماضي، حيث جرى استقباله بحفاوة، ليجري خلالها صياغة البنود النهائية للاتفاق.
وخلال جلسات التفاوض، شدد الرئيس الشرع على رفض أي صيغة تقوم على المحاصصة، مؤكداً في الوقت ذاته انفتاح الدولة السورية على إدراج ضمانات للحقوق اللغوية والثقافية للكرد السوريين ضمن الدستور، وفقاً للمصادر ذاتها.
ورغم وضوح مسار المفاوضات، إلا أن عبدي بدا متردداً في الأيام الأخيرة قبل توقيع الاتفاق، مما يطرح تساؤلات حول أهدافه الحقيقية، فهل كان يسعى بالفعل إلى إفشال الاتفاق عبر تصعيد التوتر وطلب تدخل إسرائيل؟ أم أنه أراد استثمار اللحظات الأخيرة لتحقيق مكاسب إضافية عبر التلويح بقلب الطاولة على الجميع؟
ما هي بنود الاتفاق؟
وجاء الاتفاق على ثمانية بنود رئيسية، بحسب ما نشرت رئاسة الجمهورية، تضمنت:
إلهام أحمد: الاتفاق يهدف إلى وقف العمليات العسكرية وتهدئة الأوضاع بالساحل
اتفاق مبدئي وقضايا عالقة
تعكس الصياغة العامة لبنود الاتفاق، وعدم وضوح آلية دمج قوات 'قسد' ومؤسساتها المدنية، طابع الاستعجال الذي طُرح به، ما يوحي بأنه جاء كنتيجة لحسابات سياسية وأمنية ملحة أكثر من كونه اتفاقاً ناضجاً ومتوافقاً عليه بالكامل، هذا التقييم يتطابق مع معلومات حصل عليها 'تلفزيون سوريا' من مصدر داخل 'قسد'.
وقال المصدر إن الاتفاق جاء بدفع واستعجال من الولايات المتحدة للطرفين، بهدف منع إيران ووكلائها من استغلال الفراغ الأمني والتوترات في المنطقة، بالإضافة إلى الحيلولة دون استفادة 'تنظيم الدولة' (داعش) أو الأذرع الإيرانية من الوضع الراهن.
وكشف المصدر عن وجود عشرات القضايا العالقة التي قد تحتاج إلى نحو عامين لحلها بالكامل. وأوضح أن الاتفاق ينص على تشكيل ثماني لجان لمتابعة تنفيذ بنوده ومعالجة القضايا العالقة بين الطرفين، بما يشمل:
وأكد المصدر أنه في الوقت الحالي لن يتم إدخال أي قوات تابعة للحكومة إلى شمال شرقي سوريا، في حين تجري مناقشات حول إمكانية انتشار وحدات من وزارة الدفاع السورية على الشريط الحدودي مع تركيا، من دون التوصل إلى اتفاق نهائي بهذا الشأن حتى الآن.
وشدد المصدر على أن قوات 'قسد' ستستمر في السيطرة على سجون 'داعش' والمخيمات التي تضم عوائل التنظيم، إضافة إلى قيادة العمليات الأمنية ضد خلايا التنظيم في الوقت الحالي، بالتنسيق مع التحالف الدولي.
دول الجوار المشارِكة في اجتماع عمّان تؤكد دعمها لأمن سوريا واستقرارها
سحب آخر أوراق 'قسد'.. تحالف إقليمي جديد لمواجهة 'داعش'
في ضوء التطورات الأخيرة، بات واضحاً أن الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد 'قسد' لم يكن مجرد تفاهم داخلي، بل جاء في إطار ترتيبات إقليمية ودولية تهدف إلى منع الفوضى المحتملة، لا سيما مع استمرار واشنطن في خططها للانسحاب من سوريا، وهو سيناريو قد يفسح المجال أمام عودة 'داعش'.
هذا الواقع دفع تركيا إلى تسريع خطواتها لتشكيل تحالف إقليمي، يسعى من جهة إلى مواجهة التنظيمات المتشددة، ومن جهة أخرى إلى إضعاف 'قسد' عبر إنهاء الدعم الأميركي لها، مما يجردها من آخر ورقة سياسية تستخدمها لتبرير وجودها، وهي محاربة 'داعش'.
وفي هذا السياق، صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 6 آذار الجاري، بأن بلاده تعمل على تطوير تحالف إقليمي لمواجهة التنظيمات المتشددة في سوريا، ليكون بديلاً عن الدور الأميركي. كما أكد رفض أنقرة لاستمرار وجود 'قسد' في المنطقة، مشدداً على ضرورة تفكيك الرواية الأميركية التي تروج لكونها ضرورية لمنع عودة 'داعش'، وأشار إلى احتمال تولي القوات التركية السيطرة على معسكرات وسجون التنظيم التي تديرها 'قسد' شمال شرقي سوريا.
وتتويجاً للجهود التركية، عُقد يوم السبت الماضي 'اجتماع عمان'، الذي استمر ليومين، وجمع ممثلي سوريا ودول الجوار (تركيا، العراق، لبنان، والأردن) لبحث آليات التعاون في مكافحة الإرهاب، والحد من تهريب المخدرات والأسلحة، والتصدي للتحديات الأمنية الإقليمية. وشارك في الاجتماع وزراء الخارجية والدفاع، ورؤساء هيئات الأركان، ومديرو المخابرات في الدول المعنية، في خطوة تعكس جدية التحرك نحو إيجاد بديل إقليمي قادر على تولي ملف الأمن في سوريا، وسط حديث متزايد عن تراجع الدور الأميركي في المنطقة.
أميركا والسعودية تبحثان سبل دعم استقرار الحكومة السورية
رهانات الشرع.. إدارة متغيرة للواقع السياسي والعسكري
من يتتبع مسيرة الرئيس الشرع، منذ انخراطه في العمل المسلح وحتى قراره بالزحف إلى دمشق، يلحظ بوضوح اعتماده على رهانات تستند إلى تكتيكات سياسية وعسكرية متغيرة، متنقلاً بين تحالفات مختلفة وفقاً للظروف والمعطيات المتبدلة. فقد مكّنته قدرته على قراءة المشهد السياسي والعسكري من اتخاذ قرارات متباينة، تراوحت بين التقدم والتراجع، والتشدد أو المرونة، بما يتلاءم مع مقتضيات المرحلة ومتطلبات الاستمرار في المشهدين العسكري والسياسي.