اخبار سوريا
موقع كل يوم -الجماهير
نشر بتاريخ: ٣ أب ٢٠٢٥
الجماهير || عتاب ضويحي..
فن الفسيفساء واحد من أجمل الفنون عبر التاريخ، فهو ليس فنًا زخرفيًا تطبيقيًا فحسب، بل هو فن يسرد حكايات من التاريخ ويشكل لوحات معقدة، كل قطعة صغيرة منها تحمل في طياتها جزءًا من القصة الأكبر التي يتم سردها، تنبض بالحياة وتحكي روايات بصرية تتجاوز الزمان.
من هذه الرؤية انطلقت مجموعة 'أرمغان.. لهديتك حكاية' المكونة من أربعة أفراد، آمنوا بهدف واحد وعقدوا العزم على إحياء حرفة تراثية وثقافية لها من الأصالة والجذور العميقة في التاريخ ما لها. بدأت أولى شرارات الانطلاق في العام 2018، وما يزال الإصرار قويًا على مواصلة السعي وراء الهدف رغم التحديات حتى اليوم، بعزيمة قوية ورؤى تطويرية جديدة.
وبينت خولة محوك، المسؤول الإعلامي في مجموعة أرمغان، في حديث مع 'الجماهير' أنها وفريق العمل المكون من محمد غزال (المدير العام)، وأسماء محبك (المدير التنفيذي)، وإنجي فلاحة (مساعد مدير)، قرروا إنشاء ورشة عمل تعنى بالحرف التراثية، ليقع الاختيار على فن الفسيفساء. كما اختاروا اسم 'أرمغان'، والذي يعني 'هدية المسافر'، اسماً لمجموعتهم. بدأ العمل باللوحات التراثية، ثم تطور بعد المشاركة في العديد من المعارض، حيث لاحظ الفريق إقبالًا واسعًا على اقتناء المنتجات. ومع تزايد طلبات الزبائن، توسعت دائرة الإنتاج وتنوعت المنتجات لتلبي ذائقة المجتمع مع مواكبة العصر.
عن مراحل العمل، أوضحت محوك أنه يتم بدايةً اختيار الرسمة وتحديد الفكرة، ثم اختيار الشبك، ويليه تقطيع الحجر بسماكة 1 سم طولًا وعرضًا. هذه العملية تحتاج إلى جهد ودقة وصبر ومهارة فائقة، مع ساعات عمل تصل إلى 3 ساعات متواصلة يوميًا. بعد ذلك، تُنفَّذ الفكرة حسب طلب الزبون، سواء كانت لوحات بزخارف نباتية أو هندسية، أو أحرف عربية.
وتتنوع التصاميم بين لوحات، صناديق، علب ضيافة وهدايا، إطارات صور، بيوت شموع، مرايا، فوانيس، وغيرها الكثير. وتعتمد الحرفة، كما تؤكد محبك، على الحجر الطبيعي حصرًا، مثل الحجر الحلبي، الغرانيت، النحييت، وجميعها بألوان طبيعية. بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم خشب الزان والشوح، ما يضمن عمرًا أطول للمنتج وقدرة على مقاومة العوامل البيئية، مع الاستعداد لإصلاحه في حال تعرض للكسر أو الخدش.
أشارت محوك إلى استهداف الشباب واليافعين في الدورات المجانية التي تقيمها المجموعة، لتعريفهم بحرفة تراثية جميلة تحتاج إلى الصبر والإبداع في آنٍ واحد. كما تستهدف السيدات لتعليمهن حرفة يمكنهن من خلالها تأمين مصدر دخل لعائلاتهن، وربما افتتاح مشاريع خاصة بهن.
واستطاعت المجموعة تدريب ما يزيد عن 100 سيدة، كما تبنَّت 5 سيدات ضمن مشروع 'مبدعات' لدعمهن وتطوير خبراتهن. أما الشروط الأساسية لتعلم الحرفة، فأوضحت محوك أن الحب والعمل بشغف يأتيان في المقدمة، يليهما الدقة والصبر والإبداع.
يواجه أي عمل تحديات، ولعل أبرز ما واجه فريق 'أرمغان' هو صعوبة التسويق نظرًا لارتفاع تكلفة المنتج، وبالتالي ارتفاع سعر المبيع. ومع ذلك، يستمر الفريق في طرح منتجاته في الأسواق والمعارض، حتى وصلت منتجاتهم إلى بلدان مختلفة حول العالم.
ويزداد الإقبال خصوصًا من العائدين إلى الوطن، الذين يرغبون باقتناء قطع مميزة تمثل التاريخ والتراث والثقافة في آنٍ واحد. وما يميز منتجات' أرمغان' أنها غير مكررة أو مستهلكة، بل وصلت إلى العالمية. ويتمنى الفريق أن تُقام معارض في مختلف المحافظات وخارج البلاد، لنشر المنتجات الأصيلة وتعريف العالم بموروثنا وهويتنا، وأن يصل الحجر الحلبي إلى العالمية.
رغم تطور فن الفسيفساء في العصر الحديث، إلا أنه لا يزال يحتفظ بقدرته على إثارة الإعجاب والإلهام في كل قطعة نراها، حاملًا معه حكايات الماضي وروح الحاضر.
تصوير: صهيب عمرايا