اخبار سوريا
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢٨ نيسان ٢٠٢٥
تصلني رسائل كثيرة من النخب السورية الوطنية، تطرح كثيراً من التساؤلات تارة، والانتقادات تارة أخرى حول آليات إدارة المرحلة الانتقالية من قبل الحكومة السورية الجديدة.
وقد تصاعدت هذه التساؤلات أكثر فأكثر بعد جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول سوريا، وتأكيد الدول الأعضاء والمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن على ضرورة العمل على 'حكم شامل' في إطار 'تطبيق المبادئ الأساسية للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن بشأن سوريا'.
ولا بد من الإشارة هنا أن فكرة الحكم الشامل ومعها المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القرار 2254 أصبحت تعني اليوم، بعد رحيل النظام، حكماً شاملاً لجميع القوى السورية، ولا تعني، بدون شك، اقتصارها على طرف سوري دون آخر، أو حتى القول إنها مشاركة بين الحكومة الحالية ومكونات المعارضة الرسمية (الائتلاف، هيئة التفاوض، اللجنة الدستورية) كمكونات هي الأخرى همّشت الكثير من الوطنيين السوريين. بالتالي، نحن بحاجة إلى صيغة جديدة وتوافقية تجمع كل الوطنيين السوريين وكوادرهم وطاقاتهم في جميع المجالات من أجل إنجاح مرحلة الانتقال السياسي، والعبور نحو سوريا التي تليق بتضحيات السوريين وتستوعب الجميع من أجل الجميع.
لقد انتهت جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا بإحاطة قرأها المبعوث الأممي بيدرسن بعد المداولة، على حد تعبيره، مع الدول الأعضاء، على الرغم من الاختلافات السياسية بين جميع الدول، بالتركيز على جانب دون آخر، إلا أن ما اتفق عليه الجميع، والحديث لبيدرسن، هو التأكيد على تطبيق 'المبادئ الأساسية للقرار 2254'. ومن الأهمية بمكان هنا استعراض المقصود بهذه المبادئ، التي لا زالت، في رأي المنظمة الأممية، المخرج الوحيد لانتشال سوريا من مشكلاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، لا سيما أن بيدرسن ومعه المجتمعون اتفقوا على أن سوريا ما زالت في وضع 'هش وخطير'.
ولعل من أهم المبادئ الرئيسية في القرار 2254، هو ما جاء في مقدمته نصاً بشأن 'سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية'، وربما الأهم من ذلك هو ما تضمنته المادة 4 من ذات القرار، والتي نصت على 'عملية سياسية بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا'، وبما أن القرار قد صدر بتوافقات روسية أمريكية تركية وعربية، فإنه من البديهي أن تضطلع هذه الدول بالامتثال إلى هذه المبادئ الرئيسية، لمعالجة المرحلة الانتقالية بطريقة سلسة مكمّلة لا مدمّرة يدفع ثمنها من جديد الشعب السوري، الذي لم يعد يحتمل أكثر مما تحمّل وعانى.
واستناداً لمقدمة المبعوث الأممي إلى سوريا، والذي يشير بتأكيده على القرار 2254، أن العملية السياسية في سوريا لا زالت منقوصة وجزئية، وهو أمر مشروع في معرض عملية انتقالية وتراكمات دولة مدمرة تركها النظام البائد، فإن القول بأن مؤتمر الحوار السوري، الذي أثار سخط النخب السورية ومعه الإعلان الدستوري، هما عمليتان لا تفيان بالغرض المأمول منه في إدارة المرحلة الانتقالية هو قول حق ومطلب مشروع، لكنه، في الوقت نفسه، يحتاج إلى رؤية لا تهدد المرحلة الانتقالية، وبالتالي يمكننا القول إن سوريا ما زالت بحاجة إلى مؤتمر وطني عام يؤسس لتطبيق المبادئ الأساسية للقرار 2254، وفي مقدمتها 'عملية سياسية بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة'، وهي عملية قد تبدد مخاوف جميع السوريين، التي أصبحت واقعاً تتداوله النخب السورية، سواء بدافع الحرص على سوريا لدى النخب الوطنية السورية، أو بدافع الرغبة المشروعة في المشاركة بالسلطة لدى البعض الآخر، وهو حق لا يمكن ولا يجب إنكاره في إطار مرحلة نضالية امتدت لسنوات.
أمام هذه المعادلة الصعبة، يمكن الإجابة على السؤال الكبير المتمثل بموقف القوى المحلية ومعها الفصائل المتناثرة على الأرض السورية من العملية السياسية، كفصائل المعارضة من بقايا الجيش الحر، وقوات سوريا الديمقراطية، والمجتمع الدرزي، والجنوب السوري، والمجتمع العلوي، كمكونات لا زالت، بشكل أو بآخر، غير مشاركة في المرحلة الانتقالية، ومنها مخرجات المؤتمر الوطني والإعلان الدستوري، التي حملت إداراتها بوضوح أجندة مجموعات وأيديولوجيات بعينها. ومن هذا المنطلق، ستسعى الدول المؤثرة إلى إيجاد صيغة لحل هذه المشكلة في إطار التحالف، وليس التنافس، من أجل الخروج بعملية انتقالية تتناسب وتطلعات جميع السوريين دون استثناء.
والسبيل إلى ذلك إنما يتجسد بالفعل إلى المبادئ الأساسية للقرار 2254 كخارطة طريق أممية للحل في سوريا، بدءا من العمل على جدول زمني يطمئن الجميع، وقد نص القرار على عملية سياسية تقيم حكماً خلال 6 أشهر، في إشارة إلى حكومة شاملة ذات مصداقية وغير طائفية.
وقد حدد القرار جدولاً زمنياً لعملية صياغة الدستور الجديد، تليه انتخابات في غضون 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة (المادة 4). بالتالي، فإن المبادئ الأساسية التي أشار إليها المبعوث الأممي جاءت لتلغي ما أسماها 'العملية السياسية المنقوصة' التي أدارتها الحكومة السورية الحالية، بدءا من مؤتمر الحوار الوطني، ومروراً بالإعلان الدستوري، اللذان أثارا سخطاً لدى النخب السورية.
إذن، فأمام الحكومة الحالية فرصة تاريخية لإنجاح المرحلة الانتقالية والتحول من الشرعية الثورية إلى شرعية دستورية، تضمن، من دون شك، وحدة البلاد، وعملية سياسية سلسة وسلمية تحول دون وقوع سوريا من جديد في مطبات وهشاشة وانهيارات على كافة الصعد.
في السياق ذاته، فإن إدارة المرحلة الانتقالية بجهود كل السوريين دون استثناء، هي المقدمة الفعلية لرفع سيف العقوبات الأمريكية المسلط على رقاب الشعب السوري بأكمله، والذي يستهدف المواطن السوري في لقمة عيشه، ويعيق عملية إعادة بناء المؤسسات كرافعة للاقتصاد والإعمار.
إن أصعب ما يواجه السوريين اليوم هو الركون أو الاستسلام لموضوع العقوبات الذي قد يظل في إطار التجاذبات السياسية التي تمر بها سوريا ورقة سياسية ليس إلا، لهذا تظل قضية إدارة مرحلة انتقالية تشمل جميع السوريين المقدمة الأولى والضرورية لتجاوز كل هذه التحديات، فالاستقرار السياسي هو مقدمة لمشاركة الجميع في بناء سوريا، بدءا من وحدة البلاد، التي تؤسس لتكاتف السوريين سياسياً واقتصادياً، حيث يصبح النفط والغاز السوري في دير الزور والحسكة وزيتون وإدلب وعفرين، وصناعات حلب، وواردات الساحل والسويداء، ملكاً لكل السوريين، ومقدمةً لوضع اللبنات الأولى في بناء بلدهم.
من هذه النقطة بالذات، تصبح العقوبات، التي تعوّد عليها السوريون تاريخياً، حبراً على ورق الإرادة السورية، كحقيقة راسخة في العقلية السورية المحبة للعمل والابتكار والحياة، وقد مرت سوريا في تاريخها الطويل بالكثير من العقوبات الغربية.
لقد قدم السوريون نماذج أذهلت العالم اقتصادياً في بلاد اللجوء، وهي الثقافة التي جاءت عبر تاريخ طويل، جعلت من سوريا مركزاً مهماً على طريق الحرير العالمي، ما أهّلها وحتى مراحل متأخرة لكي تكون من أولى دول الشرق الأوسط في الصناعات الصغيرة، إضافة إلى تفوقها في تصدير المنتجات الزراعية إلى جميع أنحاء العالم. وتلك هي الإرادة التي ما زالت مقترنة بإرادة السوريين في إدارة مرحلتهم القلقة والهشة. لهذا أعتقد أن الاعتراف الدولي يبدأ من الإرادة السورية، فالحقوق تؤخذ ولا تعطى، والسبيل إلى ذلك بالتوجه إلى كل السوريين لإشراكهم في بناء المرحلة الانتقالية بكل طاقاتهم الخلاقة، والابتعاد عن ثقافة الجماعة، والتوجه نحو عقد مؤتمر سوري جامع شامل عام يستهدف إشراك جميع الكوادر السورية من تكنوقراط وأكاديميين وخبراء تعج بهم البلاد من جميع المكونات السورية، بما يؤسس لمرحلة انتقالية جادة. ومن هذه المخرجات، ستصبح سوريا تلقائياً ملكاً لكل أبنائها، بل سيجعلها ذلك مصدراً لجذب الاستثمارات السورية الكثيرة من الخارج، ومقدمة لجذب استثمارات خارجية تطمح للاستثمار في بلد واعد كسوريا.
وعليه، يتعين القول إن رفع العقوبات يجب أن يكون مستعجلاً وفورياً، لأنه بالأساس كان ولا زال جريمة بحق الشعب السوري، ويعتبر عقاباً جماعياً لعامة الشعب السوري الذي لا ذنب له، وهو ما كان له الأثر الأكبر في هجرة الأموال السورية، والكفاءات، بل يجب كذلك أن يتحمل من فرض العقوبات مسؤولية التعويض عما تسببت فيه هذه العقوبات من خسائر وانهيار في كافة مجالات الحياة السورية. فما ذنب 90% من الشعب السوري، ممن لا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالنظام، كي يتحملوا وزر 10% ممن أداروا شؤون الدولة على نحو يفتقد الرشد والحصافة والعدل حتى تجاه من تتم معاقبتهم الآن، وكأنهم يعاقبون مرتين وفي كل الأحوال من قبل النظام البائد تارة، ومن قبل الدول التي تفرض العقوبات تارة أخرى.
الغريب أيضاً هو أن من اتخذ قرار فرض مثل هذه العقوبات، وطيلة الأزمة، لم يفكر يوماً بأن هذه العقوبات تخالف جميع قوانين الأمم المتحدة وميثاقها والقانون الإنساني عندما تتم معاقبة شعب بأكمله بجريرة تصرفات نظامه وحكامه.
لقد تم ربط رفع العقوبات بشكل واضح مع وجود المقاتلين الأجانب في الهياكل السياسية والعسكرية في الحكومة السورية الجديدة، وإذ نعترف بأن عددهم بحدود 30% من مقاتلي هيئة تحرير الشام، فإنه يجب أيضاً أن نعترف أننا في مرحلة انتقالية، وتلك أحد تراكمات الصراع في سوريا، ولا يمكن حل هذه المشكلة واقعياً دفعة واحدة، بحيث تبقى سوريا تحت سيف عدم الاعتراف أو العقوبات. فهذه العملية تحتاج إلى العمل خطوة بخطوة، ومساعدة الحكومة السورية الحالية على حل هذه المشكلة، والقيام من عثرتها. ومسألة استبعاد هذه العناصر هي عملية تحتاج لتقوية مؤسسات الدولة السورية، وتغذيتها بعناصر وطنية من المؤسسة العسكرية السورية وتحديداً من الضباط المنشقين، وتعزيز تلك المؤسسات بشخصيات مشهود لها بالوطنية والاستقلالية.
بناء على ذلك، فإن مشكلة المقاتلين هي مسألة مرتبطة بالدستور السوري القادم، وهي عملية تبدأ من معالجة أوضاعهم، ودراسة الظروف التي كانوا يمرون بها في بلدانهم الأصلية، ودراسة آليات عودتهم مع عائلاتهم، فمن هؤلاء من جاء شاباً واليوم يحمل على كتفيه عائلة كبيرة، ومدى إمكانية عودتهم أو بقائهم في سوريا كمقيمين هي أيضاً قضية إنسانية تحتاج إلى معالجتها بتأنٍ بعد أن ساعد هؤلاء، بدرجة أو بأخرى، في وصول الثورة السورية إلى أولى محطاتها بالسيطرة على الحكم، والشروع في المرحلة الانتقالية التي نحن بصددها اليوم.
أعتقد أنه لا يجب أن يكون الشغل الشاغل للسوريين اليوم تلك القضية، التي أراها فرعية، حتى لا تتحول تلك النقطة بالتحديد إلى معرقل أساسي للسير قدماً لإنجاح المرحلة الانتقالية، بل على السوريين أن يركّزوا على تمكين الدولة السورية، بدءا من تبني دستور جامع وشامل لسورية يحدد شروط إعطاء الجنسية والمواطنة أو الإقامة المؤقتة أو الدائمة، فقد نشأت، خلال العقد الماضي، عائلات بأكملها، من زيجات مشتركة، واختلاط بين الأعراق والقوميات والجنسيات، من الممكن أن يصبح عامل بناء وتنوع وتراكم ثقافي حضاري كما تعودت سوريا تاريخياً. لذلك يجب إيجاد حلول مرضية لمثل هذه الأمور قبل الركون إلى عقلية التخوين والعرقلة والرفض والشوفينية.
أما بالنسبة لما يتم تداوله بالنسبة لفلول النظام البائد وأعدادهم، فهو أمر يجري تضخيمه فيما أظن. لأنه لا يوجد فلول بالمعنى العلمي المنظم، وكل ما يقال عن إعدادات وتدابير وغيرها ليست سوى فرقعات إعلامية تروجها وسائل التواصل الاجتماعي، وتستخدم لتبرير الفوضى في بعض المناطق من قبل بعض المجموعات الإجرامية وغيرها، وستحتاج سوريا لبعض الوقت لفرض الأمن والاستقرار وسيطرة الدولة على جميع مفاصل الحكم المحلي بمساعدة الجميع ولمصلحة ولأجل الجميع، والعمل على تطبيق العدالة الانتقالية من خلال تشكيل لجنة مختصة ومحايدة، ذات اللجنة التي ستقرر مصير مجرمي الحرب وتقديمهم للعدالة. وروسيا وتركيا تعملان على قدم وساق للمساهمة في بسط الأمن في سوريا، وإنجاح المرحلة الانتقالية في سوريا، بما في ذلك العمل على مناطق شمال شرق سوريا والسويداء.
لهذا، يجب على جميع السوريين ولا سيما السياسيين من قيادة ومعارضة ومثقفين أن يضطلعوا بمسؤولياتهم ومهامهم الرئيسية لمساعدة كل الشعب، وعدم تركيز تفكيرهم على المصالح السياسية والأيديولوجيات الضيقة والأهداف المحدودة، فسوريا اليوم، وبحق، تحتاج إلى الجميع، ولن تنهض إلا بسواعد الجميع وبتكاتف الإرادات السورية الموحدة كإرادة واحدة تمثل الشعب السوري، من أجل إنهاء معاناة الشعب السوري، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وبسط سيطرة الدولة السورية على كافة الأراضي السورية بما في ذلك الجولان المحتل، ومن يراهن على تقسيم سوريا، ودق إسفين العداوة بين مكونات الشعب السوري، فليس سوى عدو خائن للأمة.
يجب على جميع السوريين كذلك أن يحذروا خطورة تحويل سوريا إلى حقل تجارب، فقد رحل نظام بائد مدمر ترك البلاد مدمرة على جميع الصعد، ليأتي حكم انتقالي يحمل تركة ثقيلة، وما علينا إلا أن ننتظر مخرجاته، ونأمل في أن تؤهله قدراته على تحمل إدارة مرحلة انتقالية شاملة، كمطلب سوري عام لا زال قائما، مع الأخذ بعين الاعتبار أن من جاؤوا إلى السلطة سوريون من أبناء هذه الأرض الطيبة، لا غرباء. وهم من ذوي الخبرة من أبناء هذا الشعب، ويحملون على أكتافهم تاريخ نضالي لا يقل عن عقدين من الزمان، تراكمت عليهم خلال هذه الفترة العديد من القضايا، في مقدمتها تغول الطائفية، الذي يتحمل مسؤوليته النظام السابق، الذي رحل غير مأسوف عليه، ويجب على جميع السوريين أن يحمدوا الله، وأن يمدوا يد العون لمن ساهم في إسقاط النظام، والحيلولة دون نشوب حرب أهلية طائفية في سوريا لا تبقي ولا تذر. لكن هناك حقيقة يجب الاعتراف بها وعدم تجاهلها، هي أن النظام البائد يتحمل المسؤولية الأولى في معاناة الشعب السوري خلال العقدين الأخيرين، بسبب فشله في إدارة البلاد والتعامل مع أزماتها، وعدم تجاوبه مع كل المساعي الحميدة، وفي مقدمتها الدور التاريخي والحاسم لروسيا، التي لا زالت تتواصل، بشكل يومي، مع الحكومة السورية للمشاركة في إنجاح العملية الانتقالية، سياسياً واقتصادياً، لمنع أي تدهور اقتصادي أو سياسي أو عسكري. مع التأكيد على أن الدور الروسي لا يتعامل مع سوريا بمنطق كتلة دولية مقابل كتلة دولية أخر في صراع إقليمي على الأرض السورية، وإنما ينطلق من العلاقات الاستراتيجية التاريخية بين روسيا وسوريا، وأواصر التعاون والصداقة بين الشعبين الروسي والسوري، سواء من جهة القضايا المصيرية التي يؤمن بها كل السوريين، ومن بينها القضية الفلسطينية، أو من جهة دعم روسيا لسوريا بالسلاح، حيث لم يكن السلاح السوري يوما إلا سلاحاً سورياً، بلا قطعة سلاح غربية واحدة، وهو ما يمكن أن يسمح لنا بفهم الدور الروسي في بناء القدرات العسكرية السورية.
وعليه، فإن القرار الروسي، 8 ديسمبر 2024، جاء من عقيدة لا تقوم على الوقوف إلى جانب شخص الأسد أو التخلي عنه، وإنما حفاظاً على الدولة السورية والحيلولة دون وقوع حرب أهلية كانت على الأبواب، واستبدال السلطة بشكل سلمي، كما حدث، دون اقتتال سوري سوري، مع الإشارة بأن من أتوا إلى السلطة هم أيضاً سوريون كما من حكم قبلهم، وتم إفهامهم بوجوب التخلي عن السلطة، بعد فقدانهم الحاضنة الشعبية. وأي حكم يفقد حاضنته الشعبية سيرحل بالقطع، إما بإرادة الجماهير، أو بمساعدة خارجية. وقد اتخذت روسيا قرارها خلال فترة كان فيها غليان شعبي عام يرفض نظام الأسد، لذلك كان لا بد من تجنب صدام يسفر عن تصفية النظام جسدياً، أو دخول سوريا في حرب أهلية تؤدي إلى مقتل ما لا يقل عن مليون سوري، لهذا، ولاعتبارات إنسانية بحتة، تم إعطاء الضمانات لعائلة الأسد ومقربيه تخوفاً من التصفيات الجسدية، وهنا يكمن الدور الروسي والتركي لتفادي ذلك، وليس كما يعتقد البعض من أن روسيا تخلت عن النظام بناء على رغبة تركيا، التي، وعلى العكس، لطالما طلبت الجلوس مع النظام السابق بتنسيق روسيا لأكثر من سنتين، دون طائل.
ختاماً، قد يتساءل كثيرون عن الدور الأمريكي، وهنا لا بد أن أشير إلى أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً قادرة على تغيير النظام، منذ سياسات التسخين التي اتبعها أوباما، وهو ما سمعناه مؤخرا من أحد مسؤوليها في تصريحات روبرت فورد، قبل شهر من سقوط النظام السوري، والذي ربط الحل السياسي في سوريا بالدور الروسي وحده. عدا ذلك فإن الولايات المتحدة ومعها الغرب، كانت ولا زالت تمر بمشكلات عدم قدرتها على الاستمرار في دعم النظام الأوكراني، وأصبح هذا الشد والجذب علنياً بعد وصول ترامب إلى السلطة، فيما يبقى كثير من المشكلات متعلقاً بالمفاوضات الجارية بين القوتين العظميين روسيا والولايات المتحدة في ظل مراقبة حثيثة من الصين، حيث اشترطت روسيا أن تشمل المفاوضات عموم القضايا الإقليمية والدولية بما في ذلك الحرب الأوكرانية كملف من الملفات العالقة.
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب