اخبار سوريا
موقع كل يوم -بزنس2بزنس سورية
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، تتجه الأنظار نحو الأسواق المحلية التي عانت طويلاً من تبعات هذا الحصار متعدد الأوجه. وبقدر ما يحمل هذا الإعلان طابعاً سياسياً، فإنه يثير تساؤلات اقتصادية ملحة: هل سينعكس رفع العقوبات فعلياً على الأسعار؟ وهل ستعود التكاليف للانخفاض بعد سنوات من الارتفاع المضطرد؟
❖ عقوبات قاسية... وارتفاعات مفاجئة في الأسعار
خلال السنوات الماضية، أرجع التجار والمستوردون في سوريا ارتفاع الأسعار بنسبة لا تقل عن 30% إلى العقوبات الدولية، مؤكدين أن التكاليف الإضافية التي فرضتها القيود على التحويلات والشحن والتأمين دفعتهم لاعتماد طرق استيراد غير مباشرة، عبر وسطاء وسجلات تجارية بديلة في دول الجوار.
وشملت العقوبات الدولية على سوريا بنوداً اعتُبرت من بين الأكثر قسوة على الصعيد العالمي. فقد طالت العقوبات معظم مفاصل الاقتصاد السوري، من تجميد الأصول الحكومية في الخارج، إلى منع التعاملات المالية مع البنك المركزي، وحظر الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة، وصولاً إلى قيود على استيراد وتصدير سلع وخدمات معينة، ومنع تصدير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج.
كما تم فرض حظر على الطائرات السورية من التحليق أو الهبوط في الدول الغربية، إضافة إلى منع تصدير الطائرات وقطع الغيار، وحظر بيع المعدات النفطية، وهو ما فاقم من تآكل البنية التحتية الاقتصادية.
❖ تكاليف خفية أنهكت السوق... والنتيجة: أسعار مرتفعة
جميع هذه القيود خلقت بيئة تجارية معقدة ومكلفة. فقد اضطر التجار لتحمل تكاليف إضافية من خلال استخدام موانئ بديلة غير سورية، ودفع عمولات ، وفتح مكاتب تشغيلية في دول وسيطة، مما انعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية في الداخل السوري. ومع كل أزمة إقليمية أو توتر دولي — حتى تلك التي لا ترتبط مباشرة بسوريا — كانت الأسواق المحلية تشهد قفزات سعرية سريعة، كما حدث مؤخراً مع اضطرابات البحر الأحمر، ما يعكس هشاشة المنظومة التجارية وتأثرها الشديد بالعوامل الخارجية.
❖ هل ستنخفض الأسعار إذا رُفعت العقوبات فعلاً؟
المنطق يقول نعم — لكن الواقع قد يكون أكثر تعقيداً. فعلى الرغم من إلغاء بعض التكاليف المرتبطة بالتحايل على العقوبات، إلا أن أسعار السلع لن تنخفض بالسرعة التي ارتفعت بها. يتطلب الأمر وقتاً لإعادة تفعيل قنوات التحويل البنكي، وتشغيل نظام 'سويفت' بين البنوك السورية والدولية، وعودة خطوط الشحن إلى المرافئ السورية، ورفع الحظر عن شركات التأمين. وهي خطوات إجرائية تحتاج إلى شهور، إن لم تكن سنوات، حتى تكتمل بشكل فعال.
❖ تغيرات متوقعة... لكن تدريجية
يرى بعض التجار والمحللين الاقتصاديين أن رفع العقوبات، إذا تم فعلاً وبشكل كامل، قد يؤدي إلى: انخفاض تكاليف الشحن والتأمين
انخفاض في أسعار المحروقات وأجور النقل
زيادة العرض في الأسواق عبر دخول مستوردين جدد
تفكيك شبكات الاحتكار التي ترسخت بفعل البيئة المغلقة وهذه التطورات، في حال تحققها، من شأنها أن تحسن من القدرة الشرائية لدى المواطنين، وترفع من قيمة الرواتب التي تآكلت بفعل التضخم لسنوات طويلة.
❖ نحو اقتصاد أكثر انفتاحاً… ولكن بشروط
في حال الانتقال إلى اقتصاد سوق أكثر انفتاحاً، فإن الأسعار ستظل محكومة بمبدأ العرض والطلب، ولكن بآليات أكثر عدلاً وشفافية.
إزالة العقوبات وحدها لا تكفي، إذ يتطلب الأمر أيضاً إصلاحات داخلية حقيقية، مثل تحديث التشريعات الاقتصادية، تعزيز الشفافية، وتحفيز الإنتاج المحلي.
الأمل أن يشكل رفع العقوبات فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري بشكل عادل ومستدام، عبر تحقيق استقرار تدريجي للأسعار يستند إلى كلف منطقية لا إلى مضاربات السوق أو شبكات النفوذ القديمة.