إقبال على تجميد البويضات في سوريا.. العلم في مصلحة حق الأمومة

إقبال على تجميد البويضات في سوريا.. العلم في مصلحة حق الأمومة

يزداد الإقبال على تجميد البويضات وتلجأ إليه شرائح مختلفه في المجتمع السوري، منهن فتيات تقدمن في السن، أو ظروف الحرب والأزمة الاقتصادية جعلتهن يؤخرن قرار الزواج، بالإضافة إلى غربة الشباب بسبب العمل في الخارج.

بصوت خافت يغلب عليه الخجل، تروي صفاء العيسى (39 عاماً) قصتها للميادين نت بعد أن لجأت إلى عملية تجميد البويضات في دمشق.

'يلا تزوجي.. قربتي على الأربعين... بكرا ما فيكي تخلفي بسهولة'، بهذه العبارات بدأت صفاء العيسى حديثها، قائلة: 'كانت تتردد هذه العبارات عشرات المرات أمامي، وأحاول تجاهلها، لكنني وصلت إلى مرحلة أصبحت تأخذ حيزاً من تفكيري وتقلقني، وظروف عملي المتواصلة تأخذ كل وقتي وأنا لست على القدر الكافي لتحمل مسؤولية زواج وطفل في هذه الظروف الحالية، وبعد تفكير ومشاورة بعض الأصدقاء والأطباء اتخذت قرار تجميد البويضات لأبتعد عن فكرة التسرع في اختيار الشريك غير المناسب بسبب هاجس الإنجاب والتقدم في العمر'.

واجهت صفاء في البداية معارضة كبيرة من عائلتها، وخاصة شقيقها، لعدم تفهمه وتخوفه من كلام الناس، إذ إن هذا الإجراء الطبي ليس مألوفاً في المجتمع السوري، 'لكن إصراري وقناعتي بأن التطور العلمي ساعد كثيراً الفتيات على الحفاظ على خصوبتهن، وتحقيق حلمهن في الأمومة بعد التقدم بالعمر'.

يزداد الإقبال على هذا الإجراء يوماً بعد الآخر وتلجأ شرائح مختلفه إليه، منهن فتيات تقدمن في السن، أو ظروف الحرب والأزمة الاقتصادية جعلتهن يؤخرن قرار الزواج، بالإضافة إلى خدمة الجيش وتأخر التسريح، بالإضافة إلى غربة الشباب بسبب العمل في الخارج، أو تأخر لمّ الشمل للمتزوجات.

آلية تجميد البويضات

تختلف آلية تجميد البويضات عن مضمون تسميته، إذ يتم حفظها بحاويات من النيتروجين (الآزوت) السائل بدرجة حرارة ناقص 196 إلى 210 في وحدات التجميد ضمن مراكز الإخصاب، وتقوم مشافي محدودة بهذه العمليات في مراكز الإخصاب بدمشق.

رؤى فاضل (54 عاماً) طبيبة في مركز إخصاب في دمشق، تقول للميادين نت إنّ على أيّ فتاة تودّ إتمام هذا الإجراء أن تقصد المركز ثاني أو ثالث أيام الدورة الشهرية حصراً، وتبدأ العملية بإبر التحريض، والتي تؤخذ لتحرض المبيضين، بعدها يحدد الطبيب موعداً لسحب البيوض، عادة ما يكون بعد 12 أو 13 يوم من الدورة الشهرية، وبعد إتمام إجراء السحب، توضع البيوض في آلة التجميد وتدفع رسوم سنوية رمزية.

وتؤكد فاضل أنّ هذه العملية لا تؤثر على عذرية الفتيات وهي خطوة آمنة، ويتم استخراج البويضات تحت تأثير التخدير بتقنية الشفط بالموجات فوق الصوتية عبر المهبل، وتستمر العملية من 15 إلى 20 دقيقة، وتمكن أن تشعر الفتاة بتشنج نتيجة بعض التضخم بالمبيضين، 'وكلما كانت عملية تجميد بيوض للفتيات في عمر مبكر قبل الـ35 تكون النتيجة أضمن وأنجح'.

وأضافت: 'تقدر إجمالي تكلفة العملية بـ22 مليون ليرة سورية، أي ما يقارب 1500$، متضمنة إبر التحريض وعملية السحب والتجميد، إذا تم سحب 4 بيوض في أمبولة واحدة وإذا زاد عدد البيوض المسحوبة ترتفع التكلفة 4 مليون إضافية، أي ما يقارب 266$ على الأمبولة الثانية، ويرتفع السعر بحسب عدد البيوض. ويرجع السحب إلى مخزون المبيض، فيما تعيش البيوض المحفوظة من 5 إلى 10 سنوات، وهناك نساء أنجبن بعد 10 أعوام من تجميد البيوض. أنا عن الرسوم السنوية لحفظها فتبلع قرابة 400 ألف ما يعادل 26$ سنوياً'.

محافظة الفتيات على الإنجاب حق إنساني

تضحك ولاء محمد (27 عاماً) بسخرية متسائلة: 'على أساس نسل الفراعنة خايفين ننقرض، شو ذنب هالبويضات يتجمدوا ويخلقوا في ظروف هذا البلد؟'. وتقول للميادين نت: 'لا أتوقع أن أصل إلى عمر يقنعني فيه أحد، وخاصة أن تكلفته بالملايين هاي للناس الغنية مو للمشحرين'. وتتأسف محمد من أن المجتمع ينظر نظرة دونية للفتاة التي تأخرت في الزواج، أو يسببون لها ضغوطاً نفسية في موضوع الأمومة.

تلجأ الفتيات إلى تجميد البويضات في حالات مختلفة، إما تأخرها في الزواج أو التعرض للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي الذي يؤثر على وظيفة المبيض، فيمنح تجميد البويضات فرصة لهؤلاء الفتيات بالإنجاب بعد انتهاء العلاج، بالإضافة إلى إعطاء فرصة للنساء بالإنجاب بعد تقدمهنّ في العمر.

سنا اسبر (15 عاماً)، طفلة تعرضت لورم في سن مبكر، تحدّثت والدتها للميادين نت وقالت: 'بعد إصابة طفلتي بورم خبيث أجرت ابنتي عملية جراحية وبعدها احتاجت إلى معالجة شعاعية ومن ثم كيماوية، وأخبرني الطبيب أن العلاج يضمن شفاءها من السرطان بنسبة كبيرة، ولكنه قد يتلف الأنسجة المبيضية أو يضعفها على أقل تقدير، ويكون هذا عائقاً للإنجاب في المستقبل، ويتوجب على الحالة رعاية الخصوبة عن طريق تجميد الأنسجة المبيضية، وهذا الإجراء يحصل قبل البلوغ وهو يتم بالتجميد البطيء'.

كان القرار صعباً في وقتها، لكن الأم والأب استطاعا اتخاذ القرار في الوقت المناسب 'للمحافظة على حق ابتننا في أن تكون أماً بعد شفائها من السرطان'.

تجميد البويضات في القانون السوري

يضمن القانون السوري حق ملكية الفتيات اللاتي لجأن إلى تجميد البويضات ومنع نقلها إلى سيدة أخرى أو التبرع بالبويضات.

في هذا السياق، يقول المحامي علاء ضاهر للميادين نت إنّ الفتاة الراغبة بتجميد بويضاتها، عليها ملء استمارة في المركز الذي تقصده من أجل ضمان حقها في ملكية البويضات، وتتضمن الاستمارة مدة التجميد المرغوبة، وسببه، بالإضافة إلى شروط لمنع استخدام البويضات لغيرها نهائياً، ويكون لعينة البويضات المجمدة كود ورمز خاص، ويتم التوقيع على الشروط القانونية المتفق عليها، وخاصة أن القانون السوري نص على أن البويضات المجمدة تستخدم للفتاة نفسها فقط، ولا يجوز لا قانوناً أن تعطى إلا لأصحابها.

أما الأطفال تحت السن القانوني التي تجبرهم ظروفهم لتجميد الأنسجة البويضية في سن الطفولة بسبب العلاج الكيماوي، 'فلا يحق لولي أمرهن إتلاف الأنسجة البويضية حتى تصبح في سن الرشد، وتتخذ القرار بنفسها'، وفق ضاهر.

لعبت الحرب على سوريا دوراً وأثرت بشكل كبير على المجتمع السوري وعاداته وأنماطه الاجتماعية، وغيرت مسار حياته في تحديد سن الزواج، بسبب تردي الواقع الاقتصادي لمعظم الشباب، وضعف قدرتهم على المضي في مثل هذه الخطوة.