اخبار سوريا
موقع كل يوم -اقتصاد و اعمال السوريين
نشر بتاريخ: ٨ تموز ٢٠٢٥
تشكل مشاريع إعادة الإعمار تحدياً كبيراً للحكومة السورية، سواء من ناحية المساحات الكبيرة التي تعرضت للدمار الكامل، أو من ناحية التخطيط الجديد للمدن والأحياء المدمرة، والأهم من كل ذلك هو التكاليف الباهظة لهذه المشاريع.
واأشار الخبير العقاري أنور وردة إلى أن مساحة حي جوبر على سبيل المثال تبلغ حوالي 3 كم2، وكان يقطنه قبل الثورة السورية حوالي 300 ألف نسمة، أي حوالي 6000 عائلة. مضيفاً أن إعادة بناء مساكن لهذه العائلات بمستوى متوسط ومساحات مقبولة مع إعادة بناء البنى التحتية والمرافق العامة يتطلب أكثر من ملياريْن ومئتي مليون دولار أمريكي.
وأضاف وردة في حديث مع صحيفة 'الثورة' أن هذا مجرد مثال، ويمكن القياس عليه ليتضح حجم المبالغ المطلوبة لإعادة إعمار دوما وحرستا وداريا وعين ترما وعربين وغيرها من المناطق التي تم تدميرها بشكل ممنهج ومقصود، مشيراً إلى أن كلامه عن دمشق فقط، وما ينطبق عليها ينطبق على معظم المدن السورية كحلب وحمص وحماة ودرعا ودير الزور وغيرها.
ولفت وردة إلى أن التقرير المشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي يشير إلى أن إعادة إعمار سوريا يحتاج مبلغاً قد يصل إلى 400 مليار دولار، وتكلفة إعادة إعمار مباني مدينة حلب مع المرافق العامة حوالي 40 مليار دولار، وإعادة إعمار الأسواق القديمة في حلب تكلف أكثر من 50 مليار دولار، وهذه الأرقام قابلة للزيادة الكبيرة.
وعن أبرز المعوقات القانونية أو الإجرائية التي تؤخر إعادة الإعمار في هذه المناطق قال: 'لا شك في أن إطلاق مخططات تنظيمية للمناطق المدمرة يحتاج إلى إحصائيات ميدانية ووثائق رسمية ودراسات فنية معمقة، تلبي الحاجة إلى السكن بطريقة عصرية متناسبة مع ما تتطلع إليه سوريا بعد التحرير، وهذا يحتاج إلى كوادر فنية خبيرة، ومقدرات مالية ضخمة، ووقت كافٍ، خاصةً وأن الإجراءات الإدارية لوضع المخططات التنظيمية وإعلانها يتطلب السير على سكة طويلة، تبدأ بالمكتب الدارس وتمر باللجان الفنية والإقليمية، ثم بمجالس الإدارة المحلية، وتأتي بعدها مرحلة الإعلان عن المخطط وتعليقه في بهو المحافظة والبلدية مدة محددة لتلقي الاعتراضات والملاحظات من المجتمع المحلي، وبعدها تتم دراسة الملاحظات والشكاوى ثم يعاد إعلان المخطط. هذا المسار قد يكون طويلاً، لكنه يضمن ويحمي حقوق الناس إلى حد بعيد'.
وبالنسبة لتعامل الجهات المحلية مع البنى التحتية في هذه المناطق (مياه، كهرباء، صرف صحي)، لفت إلى أن هذه المرافق (مرافق سيادية)، أي أن الدولة ممثلة بالمحافظة هي المسؤولة عن دراستها وتنفيذها، والمحافظة تقتطع من المنطقة المنظمة نسبة لا تقل عن 50% (وتصل أحياناً إلى حدود 60%) لتنفذ بالمقابل الطرق والبنى التحتية والمرافق العامة على نفقتها.
وبالنسبة لخرائط التنظيم الجديدة التي أعادت توصيف المناطق وأثرها على حقوق الملكية، أشار إلى وجود مخططات تنظيمية لعدد من المناطق، كماروتا وباسيليا والقابون الصناعية والقابون السكنية وغيرها. وقال: 'من يدرس المخططات التنظيمية لهذه المناطق يعرف أن تغييرات جذرية طرأت عليها، فمثلاً، منطقة القابون الصناعية موضوع المخطط رقم 104 تحولت بالكامل إلى منطقة فيها شيء من المباني السكنية، وشيء أكثر من المباني المختلطة (السكنية والتجارية)، والنسبة الأعظم هي للمباني الاستثمارية'.
وتابع : 'إذا أردنا الحديث بالأرقام، فإن عدد المقاسم المخصصة للأفراد (المالكين الأصليين) هو 97 مقسماً مقابل 114 مقسماً للمحافظة، وتوزعت مقاسم الأفراد على النحو التالي: 8 مقاسم سكنية – 14 مقسماً مختلطاً – 67 مقسماً استثمارياً، وتم دمج بعض المقاسم ببعضها لأسباب فنية. هذا يعني أن الصفة الصناعية لتلك المنطقة محيت بالكامل، واستبدلت بالصفة الاستثمارية الغالبة'.
وعن رأيه بواقع مشاريع التطوير العقاري في سوريا من حيث التخطيط والتنفيذ، رأى وردة أنه لا يوجد حالياً مشاريع تطوير عقاري حقيقية في سوريا، والقانون الخاص بالتطوير العقاري غير معمول به لأنه قاصر وجائر، إضافة إلى أن مشاريع التطوير العقاري تحتاج إلى كتل مالية هائلة لتكون على المستوى المشابه لما هو عليه الحال في بعض الدول القريبة المجاورة كتركيا ومصر.
وبالنسبة لحجم مشاركة القطاع الخاص المحلي أو المستثمرين الأجانب في هذه المشاريع، أكد وردة أنه إذا استقرت الأمور سياسياً وأمنياً في البلد بشكل أكثر تشجيعاً، وتحررت المصارف من القرارات الاقتصادية المربكة، وتمتعت القوانين الاقتصادية بالمرونة الكافية المطمئنة للمستثمرين، فإن التنافس بين الطرفين الداخلي والخارجي سيكون كبيراً، وسيسهم كل منهما في إغناء المجال العقاري بخبرته المميزة، لتخرج مشاريع التطوير بهوية محلية ونكهة دولية، أي أنها ستبنى بما يناسب ذوق وثقافة وحاجة المجتمع المحلي بمستوى يحقق المعايير الدولية الحديثة.
أما بالنسبة لآليات الرقابة المطلوبة على جودة البناء في مشاريع التطوير العقاري، قال: 'يفترض أن تضطلع نقابة المهندسين بدورها الفعال في هذا المجال، وأن تلزم المطورين العقاريين بالتعاقد مع مهندسين استشاريين من كافة الاختصاصات، وأن تؤهل كوادرها الاستشارية تأهيلاً كافياً، وتفسح لهم المجال لزيارة مشاريع نموذجية في دول العالم، فالاحتكاك والاطلاع وتبادل الخبرات يرفع كفاءة المهندسين ويمكّنهم من العمل بسوية أعلى'.
وحول الأدوات التمويلية المتاحة اليوم للمواطن السوري لشراء منزل أو ترميم عقار، قال: 'مع الأسف ليس لدى المواطن أدوات تمويلية حتى الآن، فالقروض من المصارف المحلية شبه متوقفة إلا في حالات استثنائية شديدة التعقيد والخصوصية، وتكلفة الاقتراض من المصرف (في حال تم الإقراض) عالية جداً مقارنة بالنسب المتعارف عليها عالمياً'.
واعتبر أن هذا الأمر طبيعي ومفهوم في الظروف التي تمر بها البلاد، لكن غير الطبيعي وغير المفهوم هو أن تبقى هذه المشكلة دون حل. مشيراً إلى أن المصارف الإسلامية لم تأخذ دورها الريادي في هذا المجال، ولم تقدم حلولاً حقيقية تنطلق من أدوات الاقتصاد الإسلامي، بل تكتفي (في الحالات التي تقرر الموافقة عليها) بالمرابحة للآمر بالشراء، وهذا أبسط وأضمن أنواع المرابحة.
ورأى أنه لا مجال للحديث عن دور المصارف في التمويل العقاري في ظل الشح الذي تعاني منه حالياً. معتبراً أن المصارف اليوم غير قادرة على أن تعطي الناس أموالهم المودعة لديها، فهل هي قادرة على إقراضهم؟!