اخبار سوريا
موقع كل يوم -قناة حلب اليوم
نشر بتاريخ: ١٨ نيسان ٢٠٢٥
لاهاي – أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً شاملاً يطرح رؤيتها لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، عقب التغيير السياسي الجذري الذي شهده البلد بسقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024.
وأكد التقرير أن المرحلة الانتقالية تمثل منعطفاً تاريخياً يستوجب معالجة إرث الانتهاكات الجسيمة، عبر ترسيخ قيم العدالة والمصالحة وبناء دولة القانون. وشدد على أن العدالة الانتقالية هي السبيل الأنجح للتعافي الشامل وضمان الاستقرار الدائم.
وقال 'فضل عبد الغني'، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تصريح خاص 'لقناة حلب اليوم': إن الرؤية التي وضعتها الشبكة جاءت في أعقاب سقوط نظام الأسد، ضمن سعي حثيث نحو تغيير سياسي جذري، يضع في جوهره معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها سوريا خلال سنوات النزاع، وذلك في إطار عملية شاملة للعدالة الانتقالية.
وأوضح عبد الغني أن الخطوة الأولى في هذا المسار تتمثل في تأسيس هيئة عدالة انتقالية مستقلة، تُنْشَأ بموجب قانون تأسيسي يصدر عن المجلس التشريعي، الذي يجب أن يتشكل وفقاً لما ينص عليه الإعلان الدستوري المرتقب، مؤكدا على ضرورة أن تضم هذه الهيئة شخصيات نزيهة ومستقلة، تمثل التنوع السوري، وتتمتع بالكفاءة والخبرة في مجالات القانون وحقوق الإنسان والعدالة.
وأشار إلى أن القانون المنظم لعمل الهيئة يجب أن يحدد بوضوح هيكليتها واختصاصاتها وآليات اختيار أعضائها، إلى جانب ضبط علاقتها بالقضاء والمؤسسات الرسمية، وضمان آليات فعالة للشفافية والمساءلة.
وبيّن 'عبد الغني' أن الهيئة ستضم أربع لجان رئيسية، لجنة المحاسبة، لجنة كشف الحقيقة والمصالحة، لجنة جبر الضرر والتعويض، ولجنة إصلاح المؤسسات، وهي لجان تمثل الركائز الأساسية لأي عملية عدالة انتقالية حقيقية.
وشدد على أن تأسيس هذه الهيئة يتطلب سلطة شرعية جديدة، إلا أن بعض الخطوات التحضيرية يمكن البدء بها من الآن، وعلى رأسها العمل الجاد على ضمان استقلالية القضاء، باعتباره شرطاً أساسياً لنجاح أي مسار عدالة انتقالية، ولا سيما أن الهيئة المزمع تشكيلها ستعمل تحت مظلة القضاء السوري.
وأكد أن القضاء في عهد نظام الأسد، وحتى اللحظة، يفتقر إلى الاستقلال، ما يستدعي إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى ليصبح هيئة مستقلة لا تتبع للرئاسة أو وزارة العدل، إضافة إلى ضرورة إلغاء المحاكم الاستثنائية، وعودة الاختصاص إلى القضاء العادي.
كما دعا عبد الغني إلى اعتماد معايير واضحة وشفافة لتعيين القضاة وترقيتهم، تضمن نزاهتهم واستقلالهم.
وختم بالقول: 'نحن نؤمن بمبدأ الملكية الوطنية الكاملة لمسار العدالة الانتقالية، ونشدد على ضرورة إشراك المجتمع المدني والضحايا أنفسهم في هذا المسار، مع أهمية الاستفادة من خبرات المجتمع الدولي، سواء في مجال التدريب أو بناء الملفات القانونية، خصوصاً فيما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.'
كما نوه بأهمية التعاون مع المنظمات الأممية والدولية المختصة، وعلى رأسها لجنة التحقيق الدولية، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، والمؤسسة الدولية لشؤون المفقودين، وغيرها من الهيئات التي يمكن أن تقدم خبرات حيوية تدعم جهود العدالة في سوريا.
واستعرض التقرير جهود الشبكة في توثيق الانتهاكات منذ عام 2011، حيث أنشأت قاعدة بيانات ضخمة وأصدرت أكثر من 1800 تقرير وثقت فيها أبرز الجرائم بحق المدنيين، مثل القتل تحت التعذيب، الإخفاء القسري، والتشريد القسري.
وأشار التقرير إلى أن الخطوة الأولى في مسار العدالة الانتقالية تبدأ بتشكيل هيئة وطنية مستقلة ذات كفاءة، تعمل ضمن نظام قضائي نزيه، بعيداً عن سلطة الحكومة التنفيذية. كما دعا إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، مع صياغة قانون جنائي يتوافق مع المعايير الدولية.
واقترح التقرير إنشاء لجان قانونية لتعديل القوانين المحلية المتناقضة مع حقوق الإنسان، وإقرار إطار قانوني واضح للمحاسبة، يشمل قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
ولمعالجة ضعف النظام القضائي المحلي، اعتبر التقرير أن المحاكم المختلطة 'الوطنية والدولية' تشكل حلاً عملياً يضمن محاسبة الجناة، ويحافظ في الوقت ذاته على السيادة الوطنية. كما أوصى بتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية لملاحقة الفارين من العدالة.
وشدد التقرير على أهمية إنشاء لجان خاصة لكشف الحقيقة، وتوثيق شهادات الضحايا والناجين والمشاركين في الانتهاكات، بالإضافة إلى تحديد مصير المفقودين كجزء أساسي من جهود الإنصاف والمصالحة.
واختتمت الشبكة تقريرها بالتأكيد على أن العدالة الانتقالية ليست نهاية المسار، بل نقطة انطلاق نحو إعادة بناء سوريا، دولة الحرية والكرامة، مشددة على أن نجاح هذا المسار يتطلب شراكة حقيقية بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمجتمع الدولي.