اخبار سوريا
موقع كل يوم -الجماهير
نشر بتاريخ: ١١ أيار ٢٠٢٥
الجماهير || أسماء خيرو…
في مشهد يثير القلق، طفل في العاشرة من عمره يمسك بقطعة حلوى تشبه السيجارة بدقة، يقلد بحركات طفولية طقوس المدخنين، بينما تتصاعد من فمه سحابة من السكر الأبيض كبديل للدخان. ورغم أن المشهد قد يبدو اعتيادياً، إلا أنه يخفي بذور سلوك مقلق قد يشكل بوابة خفية لتطبيع عادات خطيرة تهدد صحة الصغار ومستقبلهم.
في أسواق حلب، انتشرت مؤخراً حلوى مصممة بتقليد دقيق للسجائر، من حيث اللون الأبيض الممتد إلى تغليفها الذي يحاكي علامات التبغ التجارية. تباع هذه المنتجات بسعر 3000 ليرة سورية، وتتواجد بشكل لافت في عدد من محال البقالة، بل وحتى في مقاصف المدارس، حيث تُعرض كـ'لعبة ترفيهية'. يُفاقم الخطر التصميم الواقعي لهذه الحلوى، مما يخلط بين براءة الطفولة وخطورة المحاكاة، مما يُربك الحدود الفاصلة بين السلوك الآمن والمهدِّد.
من المعلوم أن الأطفال كائنات بصرية بطبعها، تشدها المحاكاة كجزء من عملية النمو، لكن الربط بين استهلاك الحلوى (كمكافأة) وتقليد تدخين السجائر (كسلوك مضر) يغرس في أذهانهم تصوراً خاطئاً بأن التدخين عادة ممتعة ومقبولة اجتماعياً. وهذا بالضبط ما تحذر منه الدراسات التربوية والصحية، إذ تظهر أن التطبيع المبكر مع رموز التدخين يزيد من احتمالية الإقبال عليه لاحقاً.
في استطلاعٍ أجرته صحيفة 'الجماهير' حول تأثير هذه الحلوى، رأى بعض المواطنون أنها 'مجرد منتج' لا يؤثر على سلوك الأطفال، لكن هذا التصور يهمل حقيقة علمية خطيرة: قدرة هذه الألعاب على تسريب رسائل إعلانية مموهة إلى اللاوعي للطفل، خاصة مع وجود أغلفة جذابة تحاكي تصميم علب السجائر. كيف لصغير أن يستوعب أن الشكل ذاته الذي يمنعه والده بحزم عن تقليده عند ارتباطه بالتدخين، يصبح مقبولاً لمجرد تحوله إلى حلوى؟! هنا يكمن التناقض الذي تستغله حملات التسويق الذكية لتحويل الممنوع إلى مسموح تحت غلاف بريء.
في ظل انتشار الثقافات الاستهلاكية، تبرز حماية الأطفال كمسؤولية إنسانية وقانونية، فكما يُحرم بيع منتجات التبغ للقُصّر، ينبغي حظر تداول الحلوى التي تشكِّل امتداداً رمزياً لها، كونها تعوِّد النشء على تقبُّل العادات الضارة. ولتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر إجراءات عاجلة:
1. تشريعات صارمة: منع تصنيع أو ترويج أي منتجات تستنسخ سلعاً ضارة، وفرض غرامات على المخالفين.
2. حملات توعية: تثقيف الأسر بمخاطر هذه الحلوى، وتزويدهم بآليات شرح التناقض بين جاذبية الشكل وسمية المضمون.
3. رقابة مدرسية: منع بيع هذه المنتجات في المحيط التعليمي، واستبدالها ببدائل تعزز القيم الصحية.
ليست هذه الخطوات خياراً ثانوياً، بل استثماراً في درء أزمات صحية مستقبلية. فحماية براءة الأطفال اليوم تعني بناء جيل واعٍ قادر على تمييز الحدود بين اللعب والانزلاق نحو الخطر.
#صحيفة_الجماهير