اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
يقول مراقبون إن رحيلهم أتى إفساحاً بالمجال أمام إعادة ترميم منازلهم تمهيداً لعودتهم
أجلت السلطات المحلية مئات المدنيين، غالبيتهم من العشائر البدوية من السويداء، المدينة الجنوبية ذات الغالبية الدرزية الإثنين الماضي، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق نار بين الأطراف المتنازعة، بعدما انتظمت قوات مقاتلة من العشائر في صراع مسلح وجهاً لوجه مع فصائل تتبع لشيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري.
وتوقف إطلاق النار باتفاق ترعاه الولايات المتحدة وسط انتشار لقوات الأمن الداخلي في محيط المدينة منعاً لأي اختراقات تحدث بين أطراف النزاع الذي تأجج أخيراً بين البدو وفصائل الهجري الذي رفض انتشار القوى الأمنية التابعة لحكومة دمشق داخل المحافظة، معولاً على فرض نظام حكم لا مركزي وانتشار قوى أمنية من أبناء المحافظة ذاتها.
ومع ترحيل عائلات البدو من المحافظة تدق أوساط متابعة ناقوس خطر التغيير الديموغرافي، وهي العملية الأولى من نوعها في ظل حكم سوريا الجديدة التي يقودها الرئيس أحمد الشرع، الذي يمر بحسب خبراء في السياسة الخارجية، باختبار الثبات والتثبيت في حكم البلاد، إذ لا تزال أوساط في الولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي ترى فيه 'رئيساً انتقالياً' للبلاد عقب سقوط نظام بشار الأسد بالتوازي مع مخاوف من تداعيات تسلم التيار الإسلامي إدارة السلطة.
ويرى جمعة العلي، وهو أحد أبناء العشائر في محافظة السويداء أن 'الواقع الإنساني أليم جداً في السويداء، ولعل تعرض البدو لعمليات الترحيل يشي بشيء ما يجهز. ويتخوف الناس من أبناء البدو من عدم قدرتهم العودة إلى ديارهم وأرزاقهم مرة أخرى'.
وكانت العشائر البدوية في سوريا تعرضت لموجات نزوح عدة، وتغييرات ديموغرافية واسعة في أحداث عام 2011 وما تبعها من أزمات وصراعات وصولاً إلى وصول تنظيم 'داعش' عام 2014، ونتيجة الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية نزح الملايين من السوريين في مناطق (دير الزور والرقة والحسكة) إلى مناطق في الداخل السوري مثل دمشق ومحافظات سورية مستقرة أمنياً نسبياً، أو لبلدان مجاورة مثل العراق وتركيا والأردن.
ورفض رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، الشيخ مضر حماد الأسعد في حديثه إلى 'اندبندنت عربية' ما يدور من كلام عن تغيير ديموغرافي بعد ترحيل البدو من ديارهم'، مؤكداً عدم السماح بذلك لأنهم 'شركاء بالوطن، وتراب الوطن يتسع للجميع. لا يوجد منطقة لهذه العشيرة أو لهذا المكون أو لتلك الطائفة أو الإثنية وكل الأراضي السورية لأبناء الشعب السوري، وعملياً هذا النزوح هو من أجل إفساح المجال لإعادة ترميم البيوت المدمرة وثم يعودون إليها'.
وتابع الأسعد، إن 'عملية النزوح هذه موقتة لبعض العائلات من عرب السويداء، وللعلم فإن عائلات العشائر العربية في محافظة السويداء تشكل 35 في المئة من المجتمع السوري بالمحافظة، وبعضهم من يقطنون في أحياء المدينة، ولديهم منازل خاصة للأسف سرقت وحرقت لذلك تم ترحيلهم بصورة موقتة'.
ولفت الشيخ الأسعد إلى أن مكون العشائر يشمل غالبية المحافظات السورية، حتى بعض من يقطنون المدن الكبرى هم من أبناء العشائر، بينهم قبائل عربية أو درزية أو كردية أو علوية أو إسماعيلية أو سريانية.
في غضون ذلك تلعب الجغرافيا الصحراوية والطبيعة السورية دوراً محدداً في التوزع الجغرافي للعشائر، لكنها تنتشر بكثافة في المنطقتين الشرقية والجنوبية من البلاد ولها امتدادات تتخطى الحدود الإدارية حيث ترتبط عائلات العشائر في سوريا بأواصر قرابة مع أقرانها في العراق والأردن والسعودية.
كما لعبت الحرب السورية الأخيرة على تغيير ملامح الخريطة السكانية بعد سيطرة ميليشيات محلية وأجنبية، لا سيما الإيرانية التي أجبرت معارضي النظام السابق مع اشتداد القصف، على الهجرة القسرية من الرقة ودير الزور، فضلاً عن اتهامات العشائر لفصائل محلية مثل 'قوات سوريا الديمقراطية' بتهميش المكون العربي العشائري في مناطق سيطرته مما أدى إلى هجرته من أراضيه، علاوة عن التفرقة التي حصلت بين شيوخ العشائر بحسب الولاء للنظام السابق.
في الأثناء يشرح رئيس المجلس الأعلى للعشائر السورية، مضر الأسعد 'الجغرافيا العشائرية والموجودة بصورة كاملة على امتداد الجزيرة السورية، وفي شرق وغرب حلب إضافة إلى شرق إدلب وشرق حماة والمنطقة الشرقية من حمص وبادية السخنة وتدمر وصولاً إلى ريف دمشق الشرقي والغربي، ومعها وادي بردى والغوطة وجنوب دمشق وصولاً إلى درعا وإلى السويداء ومنطقة اللجاة والحماد والشامية' وكل هذه المناطق وفق حديثه مناطق عشائرية إضافة إلى العشائر العلوية في الساحل السوري.
ويردف قائلاً إن 'الهبة أو الفزعة العشائرية جاءت من غالب العشائر (العربية أو الكردية أو التركمانية) شاركوا بها من أجل إنقاذ أهلنا من المكون الدرزي ممن وقفوا ضد الهجري ويعارضون اتجاهاته إضافة إلى أهلنا من البدو الذين يقطنون في جبل العرب أو السويداء وهي عشائر عربية قبلية أصيلة تعود جذورها إلى ما قبل الإسلام، تعود بالأصل إلى العشائر القحطانية الزبيدية إضافة إلى العشائر العدنانية'.
إزاء ذلك وعد الرئيس السوري أحمد الشرع بحماية حقوق المكون الدرزي ومحاسبة من ارتكبوا انتهاكات خلال خطاب رسمي أطل به عقب اندلاع الأحداث الأخيرة في جبل العرب، وقصف إسرائيلي طاول مبنى إدارة هيئة الأركان وسط العاصمة دمشق.
وقال الشرع إن 'الدولة السورية تمكنت من تهدئة الأوضاع رغم صعوبة الوضع لكن التدخل الإسرائيلي دفع البلاد إلى مرحلة خطرة تهدد استقرارها بنتيجة القصف السافر للجنوب ولمؤسسات الحكومة في دمشق، وعلى إثر ذلك تدخلت الوساطات الأميركية والعربية بمحاولة للوصول إلى تهدئة الأوضاع'.
في المقابل وصف الهجري السويداء بالمدينة 'المنكوبة' وطالب بفتح طريق باتجاه مناطق سيطرة 'قسد' في شمال شرقي البلاد، بالتوازي مع طلبه بتدخل دولي والطلب من ملك الأردن، عبدالله الثاني فتح معبر حدودي بين السويداء والمملكة الأردنية. وجاء في كلمة له 'إن لهذه الخطوة أهمية إنسانية في هذه اللحظات الحرجة لتخفيف المعاناة عن المواطنين'.
من جهته قال الناطق باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا إن 'الأولوية اليوم هي سلامة المدنيين بعد تعرضهم لانتهاكات من قبل عصابات الخارجة عن القانون، وإجلاء العائلات التي كانت مأخوذة كرهائن وتبادل الأسرى والمخطوفين وإدخال المساعدات الإنسانية'، مشيراً إلى أن 'السويداء قطنها السكان العرب البدو بينما أبناء الطائفة الدرزية نزحوا من لبنان في القرن الـ18 واستوطنوا المنطقة، وأتى النظام البائد بتحريض كل طرف على الآخر'.
وشهدت الخلافات التاريخية بين أبناء البلد الواحد (البدو والدروز) تزايداً وتناقصاً بحسب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية من القرن 18 حين وصل الدروز من لبنان لكن ساد الوئام خلال مرحلة الثورة السورية الكبرى' في المنطقة بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد الفرنسيين في أربعينيات القرن الماضين، في حين نأت السويداء بنفسها عن الحراك الشعبي عام 2011 ورفض وجهاء المدينة إرسال شبان أبناء المحافظة للتجنيد الإجباري.
ونشأت حركات تدعم النظام السابق وأخرى تقاتل ضده، مع مساع لتعميق جذوة الخلافات بين المكون العشائري والدرزي، ودعم عصابات تعمل بالتهريب وإنتاج المخدرات وخصوصاً مع تمدد 'الفرقة الرابعة' التي كان يقودها ماهر شقيق رئيس النظام السابق بشار الأسد، لكن ساحة السويداء شهدت حراكها الشعبي السلمي عام 2020 وهنا عمل أبناء السويداء يداً واحدة على طرد أجهزة الجيش والاستخبارات خارج المدينة، واستمر اعتصامهم في ساحة عامة تعرف بـ'ساحة الكرامة' حتى سقوط النظام.
من جانبه عد رئيس مجلس القبائل والعشائر السورية، الشيخ مضر الأسعد أن 'القبائل تلتزم قرار الرئيس أحمد الشرع بإنهاء العمليات العسكرية بعد عقد اتفاق مع شيوخ العقل من الطائفة الدرزية من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه سواء كانوا عرباً أو دروزاً أو من المسيحيين السريان'. وقال 'نحن كعشائر وقبائل سورية لا يمكننا إلا أن ننفذ قرارات ومقترحات القيادة السورية لأننا لسنا بديلاً عن القوى الأمنية ووزارة الدفاع بل نحن نكمل بعض ورهن الإشارة من أجل وحدة البلاد أرضاً وشعباً ومحاربة التطرف والإرهاب وتجار المخدرات، ومن يريد الإساءة إلى الوطن، ومحاربة من يريد تجزئة الوطن ويضع يده بيد العدو الإسرائيلي أو الدول المعادية لسوريا وكل ذلك تحت سلطة القانون'.